هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إذا كانت قمة طهران الثلاثية فشلت في التوصل إلى صيغة نهائية للحل في إدلب، فما الذي يؤخر المعركة إلى الآن؟ وهل جرى تغيير في الخطط الاستراتيجية؟
من الواضح أن معركة عسكرية في إدلب ستحصل: النظام استكمل حشوده في حماة وفي ريف اللاذقية الشمالي وفي جنوب شرق إدلب، وفصائل المعارضة في أعلى جاهزيتها، وتلقت دعما عسكريا من نظرائها في منطقتي عفرين و"درع الفرات"، والتنظيمات المسلحة في أتم جهوزيتها.
خشية روسية
لكن، ومع ذلك، فإن صناع القرار في موسكو يخشون التسرع في إطلاق هذه المعركة وحصول تداعيات قد تؤثر على العلاقة مع تركيا، ولعل تصريح المبعوث الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف "موسكو منفتحة على حل سلمي للوضع في إدلب" يؤكد هذه المخاوف.
المواقف التركية بدت حادة وقوية: على الصعيد السياسي، لم تكتف أنقرة بالتحذير من انهيار أستانا فحسب، بل حذرت ـ وهذا هو الأهم ـ من انهيار التسوية السياسية، إنها رسالة سياسية واضحة من تركيا بقدرتها على عرقلة الجهود والرؤية الروسية للحل السياسي.
خطوات تركية
وعلى الصعيد العسكري، بدت الخطوات التركية تلقى مخاوف في دمشق وطهران وموسكو (دعم فصائل المعارضة بالسلاح، نقل ثوار من عفرين ودرع الفرات إلى إدلب، تعزيز النقاط العسكرية التركية الـ12).
المواقف السياسية والخطوات العملية لتركيا سرعان ما تلقفها بوتين ومسؤوليه المخضرمين، وقد أدركوا أن إدلب أو على الأقل شمالي المحافظة مرتبط بالمصالح القومية العليا لتركيا أولا، وبالصراع السوري المحلي، ثنائية النظام/المعارضة ثانيا، وهو ما عبر عنه الرئيس التركي حين قال إن مستقبل إدلب لا يتعلّق بمستقبل سوريا بل بمستقبل تركيا أيضا.
إن خسارة فصائل المعارضة لإدلب يعني من ناحية الجغرافية العسكرية وقوع منطقتي عفرين و"درع الفرات" بين فكي كماشة الوحدات الكردية والنظام، ويعني من الناحية الاستراتيجية ضعف الدور التركي في الملف السوري وحصره فقط بالمسألة الكردية، لكن أنقرة التي قدمت كثيرا من التنازلات لموسكو لن تقبل أن يكون لها صوت ضعيف في الملف السياسي، وخصوصا في مسألة الدستور.
تناغم تركي-غربي
وإضافة إلى كل ذلك، هناك حالة التناغم الحاصلة مؤخرا بين تركيا من جهة والغرب وتحديدا الولايات المتحدة من جهة ثانية، وقد لاحظنا خلال الأيام الماضية ارتفاعا في حدة الخطاب السياسي الأمريكي الذي انتقل من تحذير استخدام الكيماوي إلى التحذير من وقوع مجزرة في إدلب.
وقالت المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن نيكي هيلي: "بصرف النظر عن نوع الأسلحة أو الأساليب المستخدمة، تعارض الولايات المتحدة بشدة أي تصعيد للعنف في إدلب".
ووفق هذه المعطيات يمكننا القول، إن الكرملين لن يخاطر بعملية عسكرية من شأنها أن تقرب تركيا من الولايات المتحدة على الأقل في الأمد القريب وقبل استكمال تركيا عمليتها في تفكيك "هيئة تحرير الشام".
مقاربة معقّدة
المقاربة التركية معقدة وتحتاج مزيدا من الوقت، وهو ما يبدو أنها حصلت عليه من روسيا: تتركز أهداف أنقرة على تفكيك الهيئة دون خسارة قوتها وخبرتها القتالية، بمعنى أن الخطة التركية تقوم على تذرير الهيئة بتشتيت أفرادها على فصائل المعارضة، وعدم الإبقاء عليها ككتلة عسكرية موحدة وإن غيرت اسمها وأيديولوجياتها.
وهذا الأمر يتطلب أولا تصنيف عناصر الهيئة إلى مستويات، الجهاديون الأجانب لا يمكن التعامل معهم وجعلهم جزءا من المعارضة المحلية، أما العناصر الذين ارتبطوا بالهيئة لأسباب غير أيديولوجية وإنما لأسباب اقتضتها الطروف، فسيكونون جزءا من فصائل المعارضة، في حين أن السوريين الجهاديين المقتنعين بأيديولوجيا النصرة، سيتم تحييدهم إما بنقلهم خارج المحافظة أو ضمهم إلى التنظيمات الإرهابية الأخرى، كـ "حراس الدين".
وبغض النظر عن المدى الذي يمكن لتركيا أن تنجز فيه مهمتها، فإن معركة عسكرية محدودة ستقع في جنوب المحافظة، حيث لن تقبل روسيا أن تظهر بمظهر المكبل والمحكوم بالرؤية التركية.
ومثل هذه المعركة قد ترضي الجميع، بالنسبة للنظام سيشكل ذلك انتصارا أمام قاعدته وخطوة أخرى من ضمن خطوات استعادة السيطرة على كامل الجغرافية السورية، وبالنسبة لتركيا، لا يشكل جنوب المحافظة أهمية استراتيجية لها، وتستطيع تقبل انتقالها لسيطرة النظام، أما روسيا فستظهر بمظهر القوة الوحيدة الممسكة بكامل خيوط الصراع.
*كاتب وإعلامي سوري