وتنطلق انتفاضة الشعب العربي السوداني.. انتفاضة عربية أخرى في وجه ظلم مزدوج: ظلم أنظمة فاسدة، وظلم الصمت الدولي المستفيد الأكبر من ذلك
الفساد الذي عشش على أرضنا، ونهب ثرواتنا وأجاع شعبنا، وأظلم مستقبل وطننا العربي؛ الذي لو ترك لينمو لساد العالم بثرواته المادية والبشرية القادرة على صناعة حضارة محصنة بقيم غير هذه القيم المادية السائدة.
إن انتفاضة شعبنا في السودان لأكبر دليل على أن الجسد العربي ينبض ولم يمت بعد، ولكن انتصار
الثورة العربية لن يكون إلا بانتفاضة تعم الوطن من الخليج إلى المحيط.. نعم هذا حلم، ولكنه حلم قابل للتحقق عندما ينطلق الشعب العربي في كل مكان ليحطم قيوده ويسقط جلاده. فالثورة في السودان وكل أرض العرب هي الأمل المنتظر ليخلصنا من آل صهيون، أبناء سعود كانوا أو أبناء زايد، حينها فقط ستسقط باقي قطع الشطرنج وتبدأ الثورة العربية دورتها.
وإن تفاوتت القصص حول انتفاضة السودان، فهناك من اعتبرها ثورة حقيقية، وآخر اعتبرها جزءا من الصراع بين تركيا وقطر من جانب، والإمارات والسعودية من جانب آخر، حيث رأوا أن النفوذ القطري التركي يمثل خطرا على مشروعهم الصهيوني، إلا أنه في كلتا الحالتين فالنظام السوداني نظام فاسد متسلط تابع لمن يبقيه في الحكم، ولا يأبه بالشعب ولا بالمستقبل.
إن الواقع العربي المر الممتد من المحيط إلى الخليج لهو دليل حي، وتأكيد لوحدة الشعب العربي في تحمله للمرارة واشتياقه للنهوض الذي طال انتظاره، وهو واقع مؤلم تشارك في ظلم الشعب العربي وحرمانه من ثرواته. ولعل أغنية جماهير الكرة التي هزت مدرجات الرجاء المغربي "في بلادي ظلموني"؛ هي وصف حال كل الشعب العربي، ونذير بالثورة الشاملة التي ولا شك آتية عن قريب.
فلقد مثلت هذه الأغنية جولة جديدة للأولتراس الكروي، معبرا عن غضبه من سوء إدارة اللعبة الجميلة معشوقة الملايين، غضب يعكس مرارة الواقع الذي يعيشه كل مواطن عربي. وهي انطلقت من مدرجات الجماهير "الرجاء الرياضي المغربي" منذ أكثر من عام، اعتراضا على القانون 9090 الذي صدر كعقاب لشغب الملاعب، الذي اعتبره جمهور الرجاء ظلما، فجاءت معبرة عن الظلم الحقيقي الذي يعيش في ظله كل الشعب العربي.
ومع انتشار الأغنية وانتقالها من ملعب لآخر كالشرر تهز عروش أهل الظلم، كما تهز المدرجات تحت أقدام التراس بقوة تخنق منشدي السلاطين، فقد تسابق خدم الأنظمة الظالمة في كل مكان لمحاربة الأغنية، حتى إن البعض في المغرب بدأ دعوات محمومة لتجريم الأغنية ومعاقبة من يرددها، بل ومنهم من ذهب إلى حد اعتبار أنها تهديد للدولة ولأمنها.
والمتفحص لكلمات الأغنية التي انطلقت باللهجة المغربية الدارجة الممزوجة بالكلمات الفرنسية؛ يجد أن كل كلمة تعبر عن معاناة كل الشعب العربي من المحيط إلى الخليج.. أمة امتُهن شعبها وغُررو بماضيها وسُرق مستقبلها.. "في بلادي ظلموني.. لمن نشتكي حالي"، و"في هذه البلاد نعيش في غمامة، نطلبُ السلامة"، و"مواهب أضعتموها، بالمخدرات كسرتموها"، و"أموال البلد كلها سرقتموها، للأجانب سلّمتموها".
وإن كانت كلمات الأغنية تعبر عن معاناة الشعوب، فقوة الإلقاء واهتزاز المدرجات من قوة الأداء المعبر والصوت القوي دليل على التصميم والرفض، فهي تمتزج بنداء الثورة التي انطلقت من سيدي بوزيد والتحرير ودرعا وبنغازي والنويدرات، واليوم من عطبرة إلى كل ربوع السودان.
ويحق لهذه الأغنية أن تصبح رمزا للمعاناة، ولعل كل الشعب العربي يطلقها رمزا للثورة ومنذرا بها ومحققا لها. فأغنية جماهير الرجاء التي رجت قلوبنا جميعا، تنطق اليوم بلسان حال شهيد الثورة في السودان، الذي ظلمه سجانه ثم قتله.
تحية لجمهور الرجاء العربي تلتقي مع تحية لشهداء ثورة السودان، وكلهم يبعث في كل عربي الرجاء ممزوجا بالشكوى لربي العالي، "وأوه أوه أوه.. توب علينا يا ربي. ففي بلادي ظلموني".