هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا أعده كل من تشولي كورنيش وآرتشي تشانغ، تحت عنوان "ميناء لبناني يتطلع للصين ويسوق نفسه مركزا لسوريا".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن البلد الذي يعاني من أزمة مالية راغب في اجتذاب الاستثمارات الصينية، لافتا إلى أن حاوية تعود إلى شركة الشحن المملوكة من الحكومة الصينية "كوسكو" رست على ميناء لبنان الشمالي طرابلس، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها سفينة إلى الخط البحري الصين- طرابلس، الذي بدأته شركة "كوسكو"، وذلك بعد شركة الشحن الفرنسية "سي أم إي"، التي بدأت خط ملاحة بين طرابلس والصين.
ويقول الكاتبان إن لبنان يأمل في وصول السفن الصينية لتعزيز رغبة بكين في الجارة سوريا، ففي الوقت الذي يستعيد فيه رئيس النظام السوري الأسد سيطرته على معظم سوريا، ويهدف لإعادة إعمار المدن المدمرة، فإن لبنان، الذي تنقصه الأموال، يرغب في الحصول على حصة من 200 مليار دولار هي كلفة الإعمار.
وتلفت الصحيفة إلى أن طرابلس لا تبعد سوى 35 كيلومترا عن الحدود السورية، ولهذا فإنها تحاول تسويق نفسها على أنها مركز لوجيستي لعمليات إعادة الإعمار، مشيرة إلى أن الصين، التي تملك المال والموقع الدبلوماسي لتدفع باتجاه إعادة الإعمار، كشفت عن اهتمام بالمشاركة فيها، وأرسلت وفودا إلى دمشق وبيروت، لكنها لم تعبر عن التزام رغم التوقعات الكبيرة.
وينقل التقرير عن مدير الميناء أحمد تامر، قوله: "لم تستثمر الصين بعد في مينائنا لإعادة إعمار سوريا.. نحن نتطلع للأمام لعمل هذا، لكنه لم يحدث بعد".
وينوه الكاتبان إلى أن الصين التي لم تدخل طرفا في الحرب السورية، ووثقت علاقاتها مع دمشق، وفي الوقت الذي أغلقت الحكومات الغربية سفاراتها، إلا أن الصين احتفظت بسفارتها مفتوحة، عمل فيها طاقم من 80 دبلوماسيا، بالإضافة إلى أن الصين وسوريا وقعتا عددا من اتفاقيات التعاون التجاري، وكانت بكين من ضمن الدول التي شاركت في معرض دمشق الدولي للتجارة، الذي نظم في الصيف الماضي، لافتين إلى قول الصحافة الرسمية، إن الصين قدمت لسوريا 800 محول كهربائي.
وتذكر الصحيفة أن النظام السوري رفض تدخل الأوروبيين والأمريكيين في عمليات الإعمار، ولم تعد معظم دول الخليج الغنية بالنفط علاقاتها مع النظام، فيما تعاني روسيا وإيران، اللتان أسهمتا في حماية النظام، من عقوبات غربية قاسية، ولهذا يرى المراقبون في الصين، التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، المستثمر الخارجي القادر على وضع أموال في عمليات إعادة الإعمار.
ويفيد التقرير بأن الصين عادة ما تمول مشاريع البنية التحتية في الخارج، من خلال القروض، وتشترط قيام الشركات الصينية بتنفيذها، مشيرا إلى أن لدى الشركات الصينية تجربة في المناطق التي مزقتها الحروب في الشرق الأوسط، وحصلت عدة شركات صينية على عقود في عراق ما بعد الحرب، وهو ما أزعج المسؤولين الأمريكيين، بحسب المدير السابق لملف الصين في مجلس الأمن القومي بول هينلي.
ويورد الكاتبان نقلا عن هينلي، قوله: "سترى الصين نقطة مربحة في جهود إعمار" سوريا، مشيرين إلى أنه عندما يتعلق الأمر بعمليات الإعمار فإن طرابلس ترى أنها تستطيع القيام بدور.
وتنقل الصحيفة عن وزيرة المالية السابقة ومديرة منطقة طرابلس التجارية الخاصة ريا حفار الحسن، قولها: "رأى الصينيون هذا الأمر قبل أن نراه".
ويجد التقرير أنه في الوقت الذي وقعت فيه شركات صينية عقودا في ميناء طرابلس، بما فيها عقد بقيمة 58 مليون دولار أمريكي، وأنشأت ست رافعات على الميناء، إلا أن استثمارات أخرى لم تحصل، لافتا إلى أن حكومة تصريف الأعمال اللبنانية تقوم بالنظر في عطاء تقدمت به شركة "قينغ داو" للمعدات الثقيلة.
ويشير الكاتبان إلى أنه بعد ثمانية أشهر من الانتخابات، فإن بيروت لا تزال غير قادرة على تعيين حكومة، ما يعني عدم القدرة لتوقيع عقود كبيرة، لافتين إلى أن الحزب الشيوعي الصيني أرسل ستة وفود إلى لبنان منذ عام 2017، وعلقت حسن على أن الوفود كانت منتظمة بشكل غير عادي، وأقامت قوة ناعمة لها في لبنان من خلال المعهد الكونفوشي في جامعة بيروت، وبرنامج للدراسات الصينية في جامعة أخرى.
وتذكر الصحيفة أن السفير الصيني وانغ كيجيان شارك في الشهر الماضي في مسابقة غنائية للأطفال في بيروت، وقال في منبر الصين والبنوك العربية والتجارة في بيروت الشهر الماضي إن "لبنان يمكن أن يكون لؤلؤة ساحرة في الحزام والطريق"، في إشارة للاستثمارات على طول طريق الحرير، وتقوم بها الشركات الصينية.
وينقل التقرير عن الباحث في مركز الصين والعولمة في بكين تاو دوانفانغ، قوله إن طرابلس يمكن أن تكون الفجوة التي تربط الخط، وأضاف أن الصين لديها مركز ملاحي واحد، وهو تل أبيب في إسرائيل، مشيرا إلى أن المشكلة أن الكثير من الدول المسلمة لا تقبل بضائع تم نقلها عبر إسرائيل، ولهذا فإن طرابلس لديها إمكانية على المدى البعيد.
ويستدرك الكاتبان بأن عدم الالتزام حتى الآن يعني أن الصين لا تزال حذرة من المخاطر؛ بسبب عدم الاستقرار في سوريا والمناوشات في شمال البلاد، ويقول تاو: "ربما ناقش الناس خططا، لكن الصينيين حذرون من وضع استثمارات كبيرة هناك"، مشيرين إلى أن هناك سببا آخر، وهو بطء النمو الاقتصادي في الصين.
وتقول الصحيفة إن طرابلس، التي كانت قبل مئة عام من ضمن سوريا الكبرى، تظل أقرب إلى دمشق من ميناء اللاذقية أو طرطوس، الذي تستخدمه روسيا قاعدة عسكرية بحرية، وتحمل الشاحنات يوميا أكواما من الحديد الملتوي المنقول من مناطق الحرب في سوريا ومن طرابلس تشحن إلى تركيا واليونان لإعادة التدوير، وهي تجارة مربحة كما يقول المسؤولون في الميناء.
ويذهب التقرير إلى أنه رغم العوامل المساعدة، إلا أن طرابلس لا خطوط حديدية تربطها مع بيروت أو دمشق، مستدركا بأنه رغم تحسن الوضع الأمني إلا أن المناوشات تحدث أحيانا بين المسلحين السنة والعلويين.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول إليانا إبراهيم، رئيسة جمعية الصداقة الصينية العربية، التي انتقلت من بكين إلى بيروت، لنصح المستثمرين المحتملين: "الصينيون ليسوا أغبياء، ولم يعد الأمر كما في الماضي، تقترح شيئا ويستثمر الصينيون دون تفكير"، فالحكومة الصينية تريد "الربح من الاستثمار".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)