هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يثير دور شركات للعلاقات العامة غضب النشطاء العرب، وذلك مع كل حملة تتم في الدول الغربية وأمريكا، تشهد ترويجا لأنظمة عربية يرون أنها "استبدادية"، وتحسن من صورتهم بالخارج، وتعمل حملات ضخمة لإزالة الصورة السلبية عنهم، رغم ما يقومون به ضد شعوبهم.
وترصد "عربي21" في هذا التقرير أهمية ودور هذه الشركات في الشرق الأوسط، وتأثيرها، وعملها على صورة بعض الأنظمة، التي تبذل ملايين الدولارات من أجل حملات للعلاقات العامة لتحسين صورتهم.
وتنشط في الشرق الأوسط شركات عدة للعلاقات العامة، من أبرزها شركات تتربع على عرش العلاقات العامة في العالم، ولديها صلات مع أنظمة عربية، وقامت بعمل حملات لها في أمريكا ودول أوروبية عدة.
وبحسب ما اطلعت عليه "عربي21"، فتعد شركات العلاقات العامة، صناعة متخصصة في علوم الاتصال والإعلام، التي تدر ملايين الدولارات، وتعمل بشكل وثيق مع وسائل الإعلام، وتسعى للعثور على المناصرين، ومؤخرا، تبحث عن المؤثرين في وسائل الإعلام الاجتماعية.
وتقوم هذه الشركات بعمل حملات للعلاقات العامة تشمل كتابة البيانات الصحفية، والقيام بالأبحاث، وتخطيط الأحداث، وإدارة الأزمات التي يواجهها عملاؤهم في بعض الأحيان، ومن بينهم قادة دول. بالإضافة إلى ذلك، تقوم شركات بتطوير مقالات "القيادة الفكرية" لخدمة عملائهم.
ورصدت "عربي21"، أكبر 10 شركات علاقات عامة في العالم، وفقا لـ"ذا هولمز ريبورت" (The Holms Report) المتخصص في أبحاث وأخبار القطاع على المستوى الدولي.
وبحسب التقرير، فإن أكبر شركة من بين أبرز 250 شركة علاقات عامة في العالم لسنة 2018، هي شركة "إدلمان" (Edelman) الأمريكية، التي جاءت في المرتبة الأولى عالميا من حيث العوائد.
وحققت "إدلمان" عوائد بقيمة أكثر من 893,5 مليون دولار عام 2018، فيما حلت شركة "ويبر شاندويك" (Weber Shandwick) ثانياً بـ 805 مليون دولار، تليها في المرتبة الثالثة شركة "فليشمان هيلارد" (FleishmanHillard) بـ 570 مليون دولار، وجاءت شركة "كاتشم" (Ketchum ) رابعاً بـ 550 مليون دولار.
وبذلك تحتل الشركات الأمريكية المراتب الأربعة الأولى في قائمة أكبر وكالات العلاقات العامة في العالم.
ابن سلمان
ومن بين أبرز الذين يدفعون لشركات العلاقات العامة من أجل صورتهم لدى الغرب، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وفق ما وثقته العديد من التقارير الإعلامية، التي أكدته استخدامه لها من أجل تحسين صورته بسبب الضغوطات الدولية على المملكة بعد حرب اليمن والدور السعودي فيها، إذ إنها تقود تحالفا عربيا ضد الحوثيين هناك، إلا أنه تسبب بقتل الكثير من المدنيين وازدياد الأوضاع الإنسانية سوءا.
وساهمت كذلك شركات العلاقات العامة في أمريكا ودول أوروبية، في الترويج لصورة ابن سلمان على أنه مصلح في المملكة، يقود إصلاحات اجتماعية وسياسية تدغدغ مشاعر الأمريكيين والأوروبيين، مثل الانفتاح على السينما والسماح للمرأة بالقيادة، رغم الأوضاع الحقوقية المثيرة لانتقاد منظمات حقوق الإنسان.
ومنذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول التركية في 2 تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، وورود اسم ابن سلمان بأنه وراء أوامر عليا باغتياله، تعاني السعودية من تزايد الضغوطات الدولية، ما دفعها أكثر إلى اللجوء إلى شركات العلاقات العامة، ودفع الملايين من أجل محاولة تجاوز الأزمة.
من جهته، قال المحلل السياسي الأمريكي أسامة أبو ارشيد، إن ابن سلمان يقوم بالفعل بالدفع إلى شركات العلاقات العامة للترويج لصورته كإصلاحي في بلاده.
وأشار أبو إرشيد إلى أن "مؤسسات الضغط التي استخدمت من قبل الرياض وأبوظبي كانت مرتبطة بلوبيات صهيونية معروفة في الولايات المتحدة، فضلا عن التيارات اليمينية".
وبين أنه يتم الترويج لابن سلمان من خلال إبرازه وجها إصلاحيا جديدا يريد إخراج المملكة من الراديكالية إلى الإصلاح، مخفين الوجه الآخر لابن سلمان، الوجه الذي يعتقل به الإصلاحيين، وتسبب في حرب أهلية باليمن، وتدخل في الشأن الفلسطيني بشكل سافر لصالح الكيان الصهيوني، لتمرير صفقة القرن، وفق قوله.
ومن بين الشركات التي تعامل معها ابن سلمان، شركة "بيرسون مارستيلار"، التي تولت بالفعل مهمة الترويج للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، الذي أعلن عن تشكيله في الرياض عام 2015، وفق تقرير لموقع "ميدل إيست أي" البريطاني.
وبحسب ما ترجمته "عربي21"، فإن تقرير الموقع البريطاني أوضح أن الشركة تعمل منذ 60 عاما في مجال العلاقات العامة وإدارة الأزمات، وتقول إن زبائنها هم في الأغلب الأشخاص الذين يواجهون أزمات كبيرة، ويلجأون إليها في أوقات التغيير والفترات الانتقالية.
اقرأ أيضا: صحيفة: ابن سلمان يعمل مع شركة استشارات لتحسين صورته بألمانيا
ومن بين الشركات أيضا التي سبق لها أنَّ أبرمت عقود عمل مع المملكة السعودية، شركة "ماثيو فرويد" للعلاقات العامة، وشركة "Pagefield Global Counsel"، إلا أنهم لم يعودوا يعملون مع السعودية، وإن الصفقات السابقة قد انتهت مدتها قبل حادث مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول التركية.
وبدأت شركات للعلاقات العامة تتبرأ من العمل مع السعودية بسبب قضية خاشقجي، مثل شركة "Milltown Partners"، التي يديرها الرئيس السابق لفريق الاتصالات الخاص بالأمير تشارلز، التي أكدت إنَّه ليس لديها عقود في المنطقة حاليا.
ونقل موقع "ميدل إيست أي"، عن مصدر قال إنه عمل في مجال العلاقات العامة التي من بين مهامها تلميع صورة ولي العهد السعودي: "عندما أصبح محمد بن سلمان وليا للعهد، هرعت الكثير من الشركات إلى السعودية. حسناً، إنَّهم يدفعون مبالغ جيدة للغاية، لكن ذلك لم يكن الدافع الرئيس، فهناك الكثير من الأنظمة في المنطقة على استعداد لدفع المبالغ نفسها"، وفق قوله.
وقال: "كان الناس ينتظرون أن يتخذ السعوديون خطوات نحو الإصلاح، وهذا أمر تود أي شركة علاقات عامة ذات سمعة جيدة أن تساعدهم فيه. ولكن يبدو أنَّ هذه العملية بدأت تنتكس في ضوء مقتل خاشقجي، إذ ستجد أن الكثير من الشركات باتت تتراجع، ولا تريد عقودا مع السعودية هربا من السمعة السيئة".
بشار الأسد
يُنظر إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بأنه من أبرز زبائن شركات العلاقات العامة منذ استلم السلطة بعد والده الراحل حافظ، إذ تعاقد مع الكثير من شركات العلاقات العامة بعد وصوله للحكم، وزاد الأمر بعد بدء الأزمة السورية في 2011.
من جهته، قال الناشط السوري أحمد الطيب، لـ"عربي21"، إن الأسد يحارب الغرب بسلاح العلاقات العامة، من خلال الشركات والأشخاص الذين يستعين بهم لمخاطبة الغرب والتسويق له.
وقال إن الأسد يعتبر أن العلاقات العامة والتأثير على الرأي العام في أوقات الأزمات ذو أهمية أكبر من الحسم العسكري على الأرض.
وأوضح أن شركات العلاقات العامة، روجت للأسد وعائلته، لا سيما زوجته، وبات في حملات علاقاته العامة، يحاول الأسد أن يظهر ربا للأسرة، المهتم بأسرته والمجتمع، بالإضافة إلى زوجته الجميلة الأنيقة، المهتمة بشعبها وأطفالهم.
وكذلك، فإن حملة العلاقات العامة، روجت إلى ابنه، الذي أظهرته على أنه الذكي الذي يعي ما يدور حوله.
وكان لافتا، خلال الأزمة السورية، قيام الأسد بالكثير من المقابلات مع الصحف والقنوات والشبكات الأجنبية.
ويظهر الأسد هادئا وواثقا للغاية، محاولا أن يوصل رسائل للغرب بإيماءات جسده تقول إنه ليس متعطشا للدماء، كما أنه ليس في معركة ضد شعبه.
وظهر الأسد في "سي بي أس" الأمريكية، و"أن تي في" الروسية، وقناة "روسيا اليوم، وكالة "فرانس برس" الدولية، وشبكة "بي بي سي" البريطانية، وصحيفة "صنداي تايمز"، والعديد من كبرى وسائل الإعلام في العالم.
وبحسب الطيب، فإنه يتم ذلك كله من خلال شركات علاقات عامة، تسهل من الأمر، وتتواصل مع وسائل الإعلام من أجل ترتيب لقاءات ومقابلات تسعى للتحسين من صورة الأسد لدى المجتمع الدولي.
وقال: "مؤخرا، باتت شركات العلاقات العامة تعمل كذلك لدى دول عربية، من أجل إعادة تأهيل الأسد، لعودته إلى الجامعة العربية، وسبق أن قامت صحف عربية بعمل مقابلات مع الأسد، رغم الأوضاع المأساوية التي وصلت إليها بلاده بسبب قمع نظامه وقتله المدنيين".
وسبق أن نشرت المجلة الأمريكية مقالا وصف أسماء الأسد بأنها "زهرة في قلب الصحراء"، وكان الأمر نتاج حملة من العلاقات العامة بدأت منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2010 أي قبل الأزمة، واستمر الأمر إلى ما بعد الثورة السورية، إذ تعاقدت عقيلة الأسد على دفع خمسة آلاف دولار شهريا لشركة "براون لويد جيمس" الأمريكية للعلاقات العامة، لكي تظهر على غلاف المجلة الأمريكية.
وظهر نجل الأسد في العديد من وسائل الإعلام الأجنبية، مدونا يتحدى أمريكا، ويكتب بالإنجليزية، ويستخدم "فيسبوك" ليعبر عن آرائه.
الجنرال السيسي
منذ وصول عبد الفتاح السيسي للسلطة بانقلاب عسكري على أول رئيس مصري منتخب محمد مرسي، والجنرال المصري يحاول تلميع صورته بعيدا عن لقب "انقلابي" وفضيحة جريمتي ميداني "رابعة العدوية" و"النهضة".
ومن أجل تجاوز هذه الصورة "الدموية"، لجأ السيسي كذلك إلى شركات العلاقات العامة، من أجل تحسين صورته وتلميعها، بعيدا عن الصورة التي تشكلت له بعد قيادته الانقلاب العسكري، وقمعه المعارضين.
وسبق أن كشفت مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية، في تحقيق أن النظام المصري يستغل حملات العلاقات العامة المدفوعة الأجر؛ ليستمر في قمع المعارضة في الداخل وانتهاك حقوق الإنسان.
اقرأ أيضا: فشل شركات العلاقات العامة الأمريكية في "تلميع" السيسي
وبعد ستة أشهر فقط من تعاقدهما، أنهت شركة "ويبر شاندويك" الأمريكية، المتخصصة في مجال العلاقات العامة، تعاقدها مع جهاز المخابرات العامة المصرية، وفق المجلة.
ونقل موقع "بي آر ويك" الأمريكي، عن ميشيل جويدا، مسؤولة الاتصالات العالمية في "ويبر شاندويك" التي لها علاقات واسعة مع الإمارات، قولها، إن الشركة قررت وقف التعامل مع الحكومة المصرية؛ بعد أن قامت مؤخرا بمراجعة اتفاقاتها مع الحكومات الأجنبية التي تريد التأثير على السياسة الأمريكية.
وقال الباحث السياسي المقيم في واشنطن، أحمد غانم، إن السيسي فقد أهم حليف إعلامي وسياسي له في الولايات المتحدة، موضحا أن الشركة دشنت في آذار/ مارس 2017، حملة كبرى في الولايات الكبرى بعنوان: "إيجبت فورورد" أو (مصر تتقدم للأمام)، واستهلت الحملة بربط جماعة الإخوان المسلمين بجميع الأعمال الإرهابية التي حدثت في مصر، رغم قيام تنظيم الدولة بإعلان مسؤوليته عنها.
وأضاف غانم، عبر "فيسبوك"، أن عمل الشركة تركز على حث البيت الأبيض والكونغرس على إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، والتقليل من تأثير أخبار انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، ورسم صورة ذهنية لمصر أنها دولة مستقرة وجاذبة للاستثمارات، وحث السياسيين الأمريكيين على دعم نظام السيسي باعتباره أهم حصن ضد الإرهاب في مصر. وقد أطلقت الشركة حملة على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لهذه المفاهيم.
من جهته، قال الباحث السياسي عمرو هاشم ربيع؛ إن الشركة الأمريكية تعلم جيدا أن أوضاع حقوق الإنسان في مصر في تراجع مستمر، وأن هناك آلاف المعتقلين في السجون، ولا توجد حياة سياسية في مصر، لذلك رأت أن استمرارها في دعم النظام المصري سيضر بسمعتها على المستوى الدولي، مشيرا إلى أن الشركة أيقنت فشل مهمتها ولن تنجح في تحسين صورة النظام في الولايات المتحدة.
وأضاف ربيع لـ"عربي21"، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان يريد "كسب ود النظام المصري من أجل تمرير صفقة القرن وحل القضية الفلسطينية، وقد نجح في هذا، ثم حصل أيضا على مئات المليارات من السعودية ودول الخليج بطريقة ماكرة، وبعد أن أخذ ما يريده من مصر ودول الخليج قلل علاقاته ودعمه للنظام المصري، ووقف على الحياد من كل صراع في المنطقة، وكان أبرز مثال على ذلك أزمة قطر الحالية".
وكانت وزارة العدل الأمريكية قد كشفت، نهاية شباط/ فبراير الماضي، عن تعاقد المخابرات المصرية في كانون الثاني/ يناير الماضي مع شركة "كاسيدي أند أسوشيتس" مقابل 50 ألف دولار شهريا لتحسين العلاقات مع الحكومة الأمريكية، إضافة إلى التعاقد مع مجموعة ضغط تدعى جلوفر بارك، منذ تشرين الأول/أكتوبر 2013 مقابل 3 ملايين دولار سنويا، تتحملها دولة الإمارات.
علاقات مع أبوظبي
ويقام في دبي كل عام برنامج جوائز لشركات العلاقات العامة العاملة في الشرق الأوسط، وهو احتفال سنوي بـ"الإبداع والابتكار" في مجال العلاقات العامة والاتصالات.
ومنذ ثلاثة أعوام، تفوز شركة "Weber Shandwick" في دبي، كأفضل شركة علاقات عامة عاملة في الشرق الأوسط، وفق ما اطلعت عليه "عربي21".
وهذه الشركة تعد الثانية في الترتيب عالميا من حيث العوائد.
ويعد زياد حاصباني الرئيس التنفيذي لوكالة ويبر شاندويك للعلاقات العامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهو لبناني الجنسية مقيم في الإمارات.
ووفقا لـجمعية الشرق الأوسط للعلاقات العامة (ميبرا)، هناك أكثر من 100 شركة علاقات عامة في الإمارات العربية المتحدة.
وسبق أن قال راي إغلنغتون، رئيس جمعية العلاقات العامة في الشرق الأوسط، إن نشاط العلاقات العامة يتعلق بالسمعة في نهاية اليوم. وقال: "بالنسبة لأفضل وأكبر الشركات، يمكن قياس ذلك بمليارات الدولارات".
مصادر: