هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كتبت سلسلة من المقالات حول ممارسات النقد الذاتي للتجربة الإخوانية، والتي اتخذت أشكالا كثيرة من أبواب النقد في هذا المقام، بعضها تعرض لفجوة الأجيال، وتعرضت أخرى لفجوة التوثيق، وتعرضت مقالات لفجوات الحكم والمشاركة والسياسة. وأيا كانت المعالجة لتلك الفجوات المختلفة وتلك المقترحات التي أوردتها أثناء الكتابة عن هذه القضايا المختلفة، فقد أحسست من هذه التعليقات الكثيرة في هذا المقام حول بعض هذه القضايا؛ أن فريقا من الذين ينتمون إلى الإخوان أو يتعاطفون معهم لا يتقبلون بصدر رحب تلك الانتقادات، بل إنهم يرون أن تلك الانتقادات بشكل أو بآخر إنما تعني من جانب من يقوم بها أن لديه غرضاـ وربما يتهم بالمرض، بدا ذلك في بعض التعليقات على تلك المقالات وكأن لسان حال بعضهم يقول، دعه ينتقد، دعه يمر، ولم تناقش القضايا الحيوية التي طرحتها هذه السلسلة ولكنه توقف عند أمور عامة تتعلق بأننا مع هؤلاء الذين ينخرطون في مواسم النقد لحركة الإخوان، حتى أن بعضهم قد سألني غاضبا "هتخلص امتى؟!".. فقد ضاق صدره بالموضوعات المتعددة التي طرقتها. إن حالة الضيق تلك إنما تعبر في حقيقة الأمر عن ضيق وعدم تقبل لفكرة النقد الذاتي نفسها، فإنني حينما أطالب بأن تقوم كل القوى السياسية بممارسة هذا النقد الذاتي وُوجهت هذه المطالبة باستنكار كبير لأسباب مختلفة.
آفة عامة
من الجدير بالذكر، أن فجوة التقبل لا تقتصر على الإخوان فحسب، بل هي تطول الجميع، إلا أن مساحة فجوة التقبل تلك لدى الإخوان أكثر من غيرهم، وحساسياتهم للنقد والانتقاد أعلى درجة.. أولى الحجج التي يسوقها البعض القول: لماذا الإخوان بالذات من تختصهم بالنقد دون غيرهم؟ ورغم أن هذه السلسلة لم تتعلق بالإخوان وحدهم، وطالت بالنقد كافة القوى السياسية والنخبة في تكويناتها ومواقفها، وما زلنا سنواصل الكتابة عن قوى سياسية أخرى غير الإخوان إلا أننا أكدنا على ضرورة النقد الذاتي لحركة الإخوان باعتبار أنها الفصيل الأكبر والمؤثر.
فجوة التقبل لا تقتصر على الإخوان فحسب، بل هي تطول الجميع، إلا أن مساحة فجوة التقبل تلك لدى الإخوان أكثر من غيرهم، وحساسياتهم للنقد والانتقاد أعلى درجة
التوقيت المناسب
وإذا ما قررنا أن القيمة التي تتعلق بحركة الإخوان في الساحة السياسية إنما تشكل شرطا مهما في فاعلية هذا الحراك من منطلق الانخراط لا الاستبعاد، فإن البعض حينما نطالب بالنقد الذاتي يصدع في وجوهنا بأن على هؤلاء المنتقدين أن يتحسبوا لتوقيت النقد، فعلى أقل تقدير أن هذا النقد الذاتي ليس هذا أوانه أو وقته، فهل يمكن أن نمارس نقدا لهذه الحركة وقد امتلأت السجون بمعتقليهم وقياداتهم؟ هل يجوز أن نمارس نقدا ذاتيا وقد قدم كل هؤلاء كل تلك التضحيات، ثم بعد ذلك تحدثونا عن نقد ذاتي ومراجعة ضرورية؟ إنكم لا تحسنون اختيار التوقيت! وفي حقيقة الأمر، يرى الكثيرون من المتعاطفين مع الحركة أن هذا الرأي له وجاهة، وأن مطالبة الآخرين بممارسة النقد الذاتي يعد تعنتا.. نقول لهؤلاء إن تلك الأوقات التي يمارس فيها النقد إنما تكون إثر الأزمات وغير قابلة للتأجيل.
انشغلت الحركة بتصدعاتها وانشقاقاتها، بينما توارى الاهتمام بكل أمر يتعلق بفاعلية المواجهة للمنظومة الانقلابية ومنظومة الاستبداد التي تمكنت في صورة فاشية عسكرية ودولة بوليسية
حينما نتحدث عن نقد التوجهات الأخرى يتهموننا بأننا إخوان، فإذا ما انتقدنا الإخوان اتُهمنا بأننا من الليبراليين أو العلمانيين، أو أننا نتحدث بلسانهم، والأمر ليس كذلك
ليبرالي أم إخواني؟
إن المطالبة بعموم النقد الذاتي هو أمر من الأهمية بما كان لكافة القوى على تنوعها، وإن هذه المطالبة من قبلنا لن تنقطع، مطالبة الإخوان أو غير الإخوان، ذلك أننا حينما نتحدث عن نقد التوجهات الأخرى يتهموننا بأننا إخوان، فإذا ما انتقدنا الإخوان اتُهمنا بأننا من الليبراليين أو العلمانيين، أو أننا نتحدث بلسانهم، والأمر ليس كذلك.
إن المسلك النقدي هو طريق الأمان لإنقاذ علوم السياسة من منافقيها، وإن انتقاد الظاهرة الإسلامية يخلّص المنتمين إليها من براثن التصور القائل بالعصمة لكل من يعمل في الحقل الاسلامي؛ باعتباره ملاكا لا يخطئ أو نبيا معصوما لا يأتيه أي قصور، وأن الانتقاد إن صدر في حقهم إنما يعد في عرفهم سوء أدب وسوء طوية.. كل ذلك أضر بالظاهرة الاسلامية، وأبقى على كثير من مناطق قصورها وتراكم الأخطاء في حقها. فممارسة النقد واسعا هو طريق مأمون لرشد الحركة الإسلامية والمشروع الإسلامي وتواصله مع كل التيارات المسماة بالمدنية في إطار جامع للقوى الوطنية، وعلى هؤلاء الذين ينظرون إلى أن حركة الإخوان مقياس كل شيء، أن يغيروا من تلك الرؤية، ذلك أن تخندق هذه الرؤية في تصور مغلق يقوم على قاعدة أن من كان معهم كان موقفهم صوابا ومن كان ضدهم أو اختلف عن موقفهم فهو قد ارتكب خطأ إن لم يكن جرما، هو اختلال لمعايير الموقف الصائب، وهو عملية خطيرة، وإن الأمر في النهاية يعبر عن فائدة النقد الذاتي في اصطفاف تكوينات الجماعة الوطنية لمواجهة عدو الداخل، ممثلا في الاستبداد، وعدو الخارج ممثلا في الكيان الصهيوني. إن القابلية للنقد وتقبله في المعركة القادمة معركة النفس الطويل، لهي من الأمور الضامنة للفاعلية فكرا وحركة، موقفا ودورا.