بمراجعة بيانات البعثة الأممية في ليبيا وتصريحات سلامة حول استهداف المرافق الحيوية والمدنية مثل المطارات وبعض الأهداف الأخرى كالمستشفيات الميدانية وسيارات الإسعاف وما في حكمها، يتضح عجز البعثة بل ربما انحيازها في إدارة الأزمة الليبية بعد الرابع من نيسان (أبريل) الماضي.
البعثة العاجزة
استُهدف مطار "معيتيقة" الدولي، المنفذ الجوي الوحيد للعاصمة والمدن الواقعة غربها وجنوبها، نحو 16 مرة بقصف جوي وباستخدام قذائف الجراد والهاون، أيضا وقع استهداف مطار "زوارة" في أقصى الغرب الليبي وبالقرب من الحدود الليبية ـ التونسية، ورد البعثة اقتصر على التنديد بالقصف ومطالبة الأطراف المتحاربة بعدم استهداف المرافق الحيوية والمحافظة على أرواح المدنيين، وهو موقف تساوي فيه بين الطرفين برغم علمها بحقيقة ما يجري.
رئيس البعثة الأممية، غسان سلامة، تورط في إحاطته أمام مجلس الأمن، وبشكل غير مباشر، في تبرير استهداف المطارات،
لم توجه البعثة استنكارها ولو لمرة واحدة للطرف المتورط في القصف، ولا تحتاج البعثة إلى دليل، فالدليل حاضر ويمكن أخذه من فم الناطق باسم الجيش الذي يقوده حفتر والذي كرر العزم على استهداف مطار معيتيقة وأكد أنهم استهدفوا مطار زوارة بزعم أن الطائرات العسكرية تقلع منهما.
أكثر من ذلك، فإن رئيس البعثة الأممية، غسان سلامة، تورط في إحاطته أمام مجلس الأمن، وبشكل غير مباشر، في تبرير استهداف المطارات، بقوله على حكومة الوفاق عدم استخدام مطار معيتيقة في أعمال عسكرية.
رد العدوان بكل الطرق المتاحة مشروع
في
رأيي الشخصي فإن استخدام مطار معيتيقة في تنفيذ أعمال عسكرية مبرر من جهة أن الحكومة الشرعية المدعومة دوليا واجهت عدوانا مدانا بالشرع والقانون والعرف، وأن من يحاول أن يدفع عن نفسه العدوان له أن يستخدم ما يتاح له في تحقيق ذلك.
هذه النقطة، وهي أن هناك عدوانا صريحا على العاصمة غير مبرر وأن للمدافع عنها حق استخدام كل ما في طاقته لرده، غير مفهومه عند البعثة والمجتمع الدولي، بل ويغض الطرف عنها بشكل متعمد، وهذا ما يجعلني أميل إلى القول بانحياز البعثة الأممية والأطراف الدولية.
أين فرق التقصي ولجان التحقيق؟!
أقول إنه برغم وجود الدلائل على أن قوات حفتر متورطة في قصف المطارات، إلا أن البعثة غير الموقنة بهوية الفاعل لم تقم بالحد الأدنى من الإجراءات المطلوبة والمتبعة في مثل هكذا حوادث، وهو تكليف فريق تقصي يحقق في حالات القصف ليصل إلى نتيجة نهائية يتم على أساسها تحميل مجلس الأمن المسؤولية باتخاذ ما يلزم حيال هذه الاعتداءات.
البعثة تحرص على عدم إغضاب حفتر حتى لا تكون ردة فعله قاسية تجاهها، وترى أن حكومة الوفاق أكثر صبرا وتسامحا
فلماذا تتأخر وتتردد البعثة في إجراء مثل هكذا تحقيق وتترك الوضع يزداد سوء وتتجاهل الخطر الذي يهدد المدنيين، إذ أن صاروخ جراد أعمى أو قذيفة هاون عمياء من على بعد 30 كم يمكن أن تصيب طائرة مدنية تقل ركابا لتكون النتيجة كارثية بكل ما تعني الكلمة.
في حال إحسان الظن ووقف النظر في الشواهد العديدة التي تدل على انحياز البعثة، فإنني أقول إن عجز البعثة على تسمية الأشياء بمسمياتها ووضع الأمور في نصابها إنما يعود إلى خوفها من أن ينفرط العقد ويتأزم الوضع بشكل ينهي وساطتها ويجمد قدرتها على التواصل مع الطرفين.
بمعنى أن البعثة تحرص على عدم إغضاب حفتر حتى لا تكون ردة فعله قاسية تجاهها، وترى أن حكومة الوفاق أكثر صبرا وتسامحا ويمكن أن تتكيف مع الموقف المختل للبعثة، ويؤكد هذا تعاطي حكومة الوفاق مع توجه البعثة حيال قصف المطارات الذي لم يتعد حث البعثة على اتخاذ موقف أكثر صراحة تجاه المعتدي.
المطلوب من الرئاسي موقف أكثر حزما
بيان المجلس الرئاسي الأخير بخصوص قصف المطارات ورد فعل البعثة الأممية تجاهها يشير إلى الضغوط التي يواجهها، إلا إن بإمكان الرئاسي أن يصعد تجاه الموقف الضعيف للبعثة بالتحذير من إمكان وقف التعامل معها إذا استمر القصف وظل موقف البعثة ومن خلفها المجتمع الدولي على ما هو عليه.
مسؤولية حماية العاصمة وسكانها كبيرة، وهي من أخص مهام السلطة التنفيذية، ولأن المدنيين يتعرضون إلى تهديد مباشر من خلال قصف المطارات، فإن على الرئاسي أن يتقدم خطوات على مسار وقف هذا العبث وتحميل كل الأطراف المنخرطة في الأزمة الليبية المسؤولية عن وقوع كارثة إنسانية لا سامح الله، وفي مقدمة هؤلاء البعثة ومجلس الأمن.