هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يحاول الباحث الميداني الفلسطيني إياد جابر أن يوثق عبر آلة التصوير الخاصة به ما حل بعشرات المساجد الفلسطينية في مختلف القرى التي هجّر الاحتلال أهلها خلال نكبة عام 1948.
وتكشف الصور والمقاطع المصورة من هناك عن كارثة تاريخية حلت بتلك المساجد بعد تحويلها إلى أغراض أخرى كالمتاحف وحظائر الماشية والكنس اليهودية وصالات الأفراح والملاهي الليلية، وهو ما يثير حزن الفلسطينيين على ما أصبحت عليه مساجدهم التي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من ألف عام.
ويقول جابر لـ"عربي21"، إنه بدأ قبل عدة سنوات بالتجول في القرى المهجرة؛ وهناك لاحظ أن المساجد استهدفت بشكل كبير حيث منها ما تم تدميره كليا بسبب الحقد أثناء الحرب ومنها ما تم الحفاظ عليه ولكن تحويله إلى أغراض أخرى.
ويوضح أن الاحتلال قام بهدم مآذن العديد من المساجد ولكنه أبقى على وجود القبة؛ وذلك من أجل جعله أشبه بالكنيس الذي يحتوي على قبة دون مئذنة.
ويشير إلى أن المساجد تعتبر كنزا تاريخيا خاصة أن منها ما يعود للعهد الأموي؛ فلا يستطيع الاحتلال هدمها خشية ملاحقته قانونيا أو إثارة غضب الفلسطينيين بشكل عارم، ولكن منها ما تعرض للهدم فعليا وما زالت آثارها قائمة دون استخدام.
ويبين أن هناك العديد من المساجد التي تقع بين منازل فلسطينية فلم يستطع الاحتلال هدمها، ولكن هذا لا يعني نجاتها من يد حقد الاحتلال الذي طمس معالمها وسرق هويتها.
ويتعرض جابر أحيانا إلى مضايقات من المستوطنين حين يحاول تصوير ما حل بالمساجد الفلسطينية؛ ولكن ذلك لم يثنه عن القيام بهذا الدور الذي يعتبره هاما للغاية في توثيق الإرث الفلسطيني الذي يحاول الاحتلال محوه.
ويضيف: "بدأت حكايتي مع التوثيق حين كنت أتمعن في عبارة سوق محاني يهودا وهي جملة يهودية لأحد الأسواق في القدس، وحين عدت للتاريخ وجدت أن السوق اسمه سوق لفتا المركزي وهي إحدى البلدات الكبيرة التي تم تهجيرها، ومن هنا وجدت أننا يجب أن نعود إلى أصل الحكاية الفلسطينية".
ويؤكد الباحث أن بعض المساجد نجحت الحركة الإسلامية في الداخل المحتل في ترميمها وإعادتها للصلاة رغم محاولات الاحتلال إحباط ذلك.
ويدعو الفلسطينيين ممن يتمكنون من الوصول إلى هذه المناطق لزيارتها والتعرف على تاريخها وتوثيق ما حل بها وخاصة المساجد التي تفضح جرائم الاحتلال بحقها.
ويستعرض جابر واقع بعض المساجد التي حولها الاحتلال؛ ومنها مسجد السوق اليونسي في مدينة صفد المحتلة الذي تم تحويله إلى متحف لصور ولتماثيل نحاسية، وأصبح اسمه متحف صفد بوضع لافتات باللغة العبرية تشير إلى ذلك.
ومن بين المساجد مسجد الشعرة في المدينة الذي تمت إزالة مئذنته في خمسينيات القرن الماضي وتحويله إلى كنيس يهودي؛ كما تم تحويل مسجد عين الزيتونة في صفد كذلك إلى حظيرة للماشية، حيث حولوا المقبرة الإسلامية الواقعة حوله إلى مكان لرعي الماشية.
وفي صفد حول الاحتلال كذلك مسجد الخالصة المهجر إلى متحف، والمسجد الأحمر الذي هو مسجد أموي بات يستخدم قاعة للأفراح بداخلها منصة وغرفة خمور تتحول إلى ملهى ليلي للمستوطنين، وكل مساجد صفد قديمة تعود إلى عهود إسلامية أموية ومملوكية.
وفي قيساريا المحتلة حول الاحتلال مسجدها الذي يطل على البحر الأبيض المتوسط إلى خمارة ومطعم وأبقى على مئذنته، بينما تم تحويل مسجد الطاهر في طبريا إلى متحف، وحاولوا تحويل مسجد البحر الواقع على الشاطئ إلى متحف كذلك ولكن الفلسطينيين في المدينة احتجوا على ذلك.
وفي مدينة بيسان المحتلة سيتم تحويل مسجد الأربعين إلى متحف ولكن بسبب الدمار الذي حل به يحتاج إلى بعض الوقت لتطبيق القرار، بينما ما زال جامع عين كارم قرب القدس مهجرا ومغلقا.
وفي قرية المالحة قرب القدس يقع مسجد عمر بن الخطاب داخل حي للمستوطنين فيستخدمون سطحه للسهرات الليلية وضموا أجزاء منه لمنازلهم وبقيت غرفة صغيرة منه يستخدمونها مخزنا بالقرب من بوابة المسجد.
وفي مدينة حيفا المحتلة تمكنت الحركة الإسلامية من ترميم المسجدين الكبير والصغير وإعادة الصلاة فيه.
أما في حي الشرف في القدس والذي بات الاحتلال يسميه "حي اليهود" فيوجد المسجد العمري ومسجد الديسة الذي تم ترميمه ولكن الاحتلال لا يسمح للفلسطينيين برفع الأذان فيه، ويقع بجانبه كنيس الخراب الذي استغرق الاحتلال 180 عاما لبنائه وانتهى منه عام 2010 بقبة بيضاء يبلغ ارتفاعها 30 مترا كي يتفوق علوها على قبة الصخرة المشرفة المقابلة لها، حيث يقع الكنيس في أرض وقفية تعود للمسجد العمري.
وفي مدينة الرملة المحتلة ما زال مسجد قرية الزرنوقة مهجراً؛ كما باتت الخفافيش تتخذ مسجد قرية كوفخة في المدينة سكنا لها بعد تهجير أهاليه منها.
وفي بئر السبع المحتلة حوّل الاحتلال مسجد السبع الكبير إلى متحف، فيما تم تحويل مسجد العوينات في الجولان المحتل إلى حظيرة للأبقار؛ ومسجد العدنانية في خربة الصرمان ما زال مدمرا ويحظر حتى دخول المنطقة التي هو بداخلها بسبب تحويلها إلى حقل ألغام.
أما مسجد الخشنية في الجولان فما زال سقفه مدمرا وتظهر على جدرانه آثار الرصاص، بينما تم تحويل مسجد بانياس في الجولان إلى مخزن للجنة حماية الطبيعة التي تضع فيه علب المشروبات الغازية.
وفي مدينة يافا تم تحويل مسجد علي في قرية الحرم التي يسميها الاحتلال الآن "هرتسيليا" فتم ترميمه ويقع على شاطئ البحر، بينما مسجد النبي روبين في المدينة فتم هدمه عام 1950 وتقع بجانبه مغارة أثرية.
وتم تحويل مسجد القلعة في باب الخليل بالقدس إلى متحف ومسجد الصيفي إلى مخزن، بينما ما زال مسجد لفتا المهجر مدمرا، كما أنه تم تحويل مسجد أبي هريرة في قرية يبنا المهجرة قرب الرملة إلى كنيس صغير ومسجد قرية زكريا قضاء الخليل أصبح جزءا من مستوطنة "زخرون" التي أقيمت على أراضيها، وكذلك المسجد العمري في قرية بيت جبرين قضاء الخليل أصبح يستخدم حظيرة للأبقار.
وتحول مسجد العباسية قضاء الرملة إلى كنيس يهودي، كما أصبح مسجد سلمان الفارسي في قرية أسدود المهجرة ضمن منطقة عسكرية مغلقة، ومسجد واد حنين قضاء الرملة أزال الاحتلال مئذنته وحوله لكنيس يهودي، فيما أصبح مسجد حطين في طبريا ضمن منطقة محمية للسياح.