منذ اللحظة الأولى للإعلان عن ظهور فيروس
كورونا في
مدينة ووهان الصينية، عاش العالم حالة بين الوهم والحقيقة وتضاربا في التأويلات
والنظريات تجاه ذلك العدو الخفي العابر للحدود، والذي فاجأ الجميع، حتى أصبح
العالم على قلب رجل واحد مرعوبا هلعا، كأن نهاية العالم قد بدأت.
أربع نظريات حول انتشار فيروس كورونا
في ظل حالة الرعب التي سيطرت على العالم من "فيروس
كورونا"، تعددت القراءات أو النظريات حول انتشار الفيروس، ما بين قائلين بأنه
مؤامرة أمريكية موجهة لكبح جماح الصين التي باتت في طريقها لتتبوأ صدارة العالم،
في حين يراه آخرون مؤامرة صينية ضد العالم الغربي، بينما يرى فريق ثالث أنه مؤامرة
وراءها شركات دواء عالمية ومصالح تجارية، أما الرؤية الرابعة فيشير أصحابها إلى أن
كورونا هو المنقذ لاتفاق باريس للمناخ 2015 المعطل، والذي سرى مفعوله بداية 2020 وينص
على موافقة الدول النامية على اتخاذ إجراءات لخفض الانبعاثات، شريطة موافقة الدول
المتقدمة على تقديم التمويل اللازم لذلك، وقد رفضت كل من الصين والهند والبرازيل
ذلك بحجة أن الدول الغنية لم تفِ بوعودها وتملّصت من الوفاء بالتزاماتها قبل حلول
2020.
إذن نحن أمام أربع قراءات أو نظريات حول انتشار
كورونا تجعل الحقيقة تائهة، لتبرز حقيقة أخرى مؤكدة ألا وهي الرعب والهلع العارم
الذي تلبس العالم، وفرض حظر جبري وطوعي على أكثر من مليار ونصف المليار شخص على
الأقل حتى الآن.
لماذا تصاعد رعب العالم من كورونا؟
حالة من
الهلع والرعب هي أقل ما يوصف به التعامل مع
فيروس كورونا، وتبدو غير طبيعية ومبالغا فيها، فقد لعبت الماكينة الإعلامية دورا
لا يستطيع المراقب أن يسلم إجمالا ببراءته، غير أن هناك من لعب بقصد وهناك من
انساق مع الركب.
لقد بلغ الضخ الإعلامي المستند على تقديرات وتوقعات
حجما غير مسبوق بخصوص "فيروس كورونا"، مما ضخم مشاعر الخوف والقلق بما
يؤثر على النواحي النفسية والجسدية للكثيرين، رغم أن الكثير حول الفيروس غير يقيني
بل يتشابه مع غيره من الفيروسات، ويعد وفقا لتقارير سابقة أقل تأثيرا من بعضها،
كالإنفلونزا الموسمية على سبيل المثال؛ مما دفع البعض إلى تبني فكرة وجود غايات
غير بريئة من خلق بعض الإعلام لحالة الهلع والخوف، هي نتاج خلطة مصالح سياسية
واقتصادية وتجارية تقف وراء تشكل رأي عام عالمي على هذا النحو تجاه كورونا،
واستدلوا ببعض قرائن قد تزكي وجهة نظرهم.
هناك مستفيدون من التهويل الإعلامي
وفقا لتقارير الأسواق المالية العالمية، شهد الأسبوع
الأول للإعلان عن كورونا أرباحا قياسية غير مسبوقة سجلها مؤشر ناسداك لشركات تعمل
في مجال الصحة، حيث سجل ارتفاعا ناهز 12 في المائة في قيمة الأسهم خلال أسبوع واحد
قبل تحول فيروس كورونا إلى قضية عالمية.
فعلى صعيد صناعة مكملات "فيتامين سي" حققت
شركات عالمية ارتفاعات كبيرة في أسهمها، وكان منها شركة بلاك مورس التي زادت
مبيعات أسهمها مئات الملايين عن اليوم السابق (6 كانون الثاني/ يناير 2020) بلغت
11 في المائة، وكذلك شهدت شركات صناعة الأقنعة الواقية ارتفاعات مماثلة في كل من
أوروبا وأستراليا وأمريكا والصين.
تمويل بمئات الملايين
ومن ناحية أخرى، كشفت أنباء عن أن المنصة الرقمية
التي تدير "نيوز غارد" المتخصصة في مكافحة الأخبار الزائفة، وحسابات
عديدة لشركات علاقات عامة وإعلام، تتلقى تمويلا بمئات الملايين من مجموعة عملاقة
تعمل في مجال المنتجات الطبية وصناعة الدواء، وهذا ما لم ينفه القائمون على "نيوز
غارد"، بما يدعم وجود تدخلات من المجموعات العملاقة للتأثير في الاتجاهات،
وهذا في حد ذاته إن لم يكن يدعم باتجاه
نظرية المؤامرة في انتشار كورونا، فإنه لا
ينفي وجود استفادة للشركات العملاقة من الواقع الحالي عبر التهويل الإعلامي ورفع
مستوى الخوف والقلق لدى العالم، والذي يصب بفوائد لهذه الشركات.
الإنفلونزا أخطر من كورونا وتقتل الملايين
هناك سؤال بالتأكيد طرحه كثيرون، وهو لماذا لم يتأهب
العالم لفيروسات أشد خطرا بمراحل من كورونا كما تأهب الآن؟ بدون شك ما زال
السائلون يبحثون عن إجابة شافية، ولا يكفي القول بأن كورونا عابر للحدود، ولم يترك
دولا عظمى ولا صغرى إلا مر عليها، خاصة وأن فيروس
الإنفلونزا الموسمية على سبيل
المثال أكثر خطرا من كورونا، والتقارير الدولية العديدة التي تصدر كل عام رصدت
أعدادا ضخمة بالملايين للإصابات والوفيات بالإنفلونزا الموسمية في سنوات سابقة،
وفي السنة الحالية 2020.
ففي 2017 أفاد مسؤولون بالمراكز الأمريكية
لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن ما يصل إلى 646 ألف شخص يموتون بسبب الإنفلونزا
الموسمية في العالم.
وقد شهدت أمريكا في الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر 2019
وحتى منتصف شباط/ فبراير 2020 وفيات بسبب الإنفلونزا ما بين 16 ألفا و41 ألفا،
وبلغت الإصابات خلال الموسم بين 30 مليونا و40 مليونا، وأما الوفيات بين الأطفال
فقد بلغت 105 حالات.
وفي فرنسا وبعيداً عن كورونا، فقد أُعلن تفشي وباء
الإنفلونزا الموسمية مع وفاة 26 شخصا، علما بأن هذا الوباء يصيب كل عام في فرنسا
ما بين مليونين إلى ستة ملايين شخص، وقد مات بسببه العام الماضي فقط نحو 9500 شخص
على الأقل.
ما سبق أعلاه يمثل نماذج لإصابات ووفيات بالإنفلونزا
الموسمية، وليس كورونا الذي تعامل العالم معه بإجراءات تبدو شديدة الانفعال وتدعو
لكثير من التساؤلات؛ ربما يقبل البعض لها تبريرا ولكن يراها آخرون مبالغا فيها عن
الحد.
إذن ماذا وراء الرعب من كورونا؟
ليست المشكلة في فيروس كورونا وكونه وباء أو جائحة
عالمية، ولكن المشكلة الحقيقية باتت في وباء الرعب والهلع والترقب، الذي أصاب
العالم، وتحوم شبهات حول تصنيعه، فترقب الشيء يولد الشيء وترقب المرض يولد المرض،
وهناك عملية ترعيب من كورونا، فماذا وراءها؟
حالة الرعب والهلع التي انتابت العالم من كورونا، غذتها
بدون شك الصور القادمة من ووهان الصينية ثم التقارير الإعلامية المتتالية من بلاد
العالم، لتكتسح المعلومات المتلاحقة عن انتشار الفيروس في إيران وأوروبا والعالم
الفضائيات وشتى وسائل التواصل. ويعيش العالم هلعا جماعيا شديدا عادة ما يصيب البشر
عندما يكون العدو مجهولا، وهذا هو أقسى وأشد أنواع الهلع ويدفع لتصرفات غير
عقلانية.
الضرب على وتر الخوف بكورونا
الخوف غريزة بشرية، وهناك في هذا العالم من يدرك ذلك
بقوة، ويضرب بفيروس كورونا على وتر الخوف بشدة، في ظل عالم من يملك فيه المعلومة
ويحتكرها يمكنه أن يتحكم في مستوى تصور المخاطر لدى الناس، ويسهل عليه أن يتحكم
بعد ذلك في مسارات الأفراد والشعوب والدول ويحجر على العالم لو أراد.
في عالمنا يلعب الإعلام دور البطولة والسيطرة
والتوجيه، ولا يمكن أبدا أن نفك الارتباط بين الإعلام بوسائله المختلفة وبين ما
يعيشه العالم اليوم وعاشه من قبل في تجارب سابقة تكشفت حقائقها بعد وقت.
أين الحقيقة في هلع العالم من كورونا؟
سؤال سيستغرق وقتا حتى نضع أيدينا على إجابته، وهو
أين الحقيقة في هلع العالم من كورنا؟ أربع نظريات أشرنا إليها سابقا جميعها لها ما
يدعمها وهناك ما قد يقدح فيها، غير أن ما يحدث الآن أعتقد أنه من الخطأ القول المطلق
فيه بتنحية نظرية المؤامرة لأنه من الصعب تمرير ما يحدث على أنه طبيعي بالكلية.
تجربة فريدة للتحكم والسيطرة
وبعيدا عن النظريات المختلفة حول حقيقة كورونا،
أعتقد أن العالم خضع لتجربة فريدة من نوعها في التحكم والسيطرة، ساهم في تفعيلها
إعلام السماوات المفتوحة ووسائل الاتصال المختلفة، ليعيش العالم فترة سكون إجباري
كانت الأرض في حاجة لها لتتنفس الصعداء، بعد ما أصابها من ملوثات، فجاء كورونا
ليقود المشهد ويخضع الجميع له جبرا أو اختيارا، وتتوقف غالبية ملوثات هذا الكون من
وسائل الانتقال المختلفة برا وبحرا وجوا، وتتوقف الكثير من المصانع والشركات، وكأن
أمنية غوتيرش، الأمين العام للأمم المتحدة، قد تحققت بعد أن دعا عقب مؤتمر مدريد
إلى عدم الاستسلام وقال إنه مصمم أكثر من أي وقت مضى ليكون 2020 عاماً تلتزم فيه
الدول بالوصول إلى تحييد الكربون في عام 2050 ومنع ارتفاع حرارة الأرض بمقدار 1.5
درجة.
الخاتمة
بدون شك ما يعيشه العالم الآن من تجربة سيطرة ذاتية
عبر حجر اختياري وتوقف للأنشطة الحياتية بسبب رعب كورونا له تبعاته، فالتقارير
تشير إلى خسائر اقتصادية تقدر بالتريليونات، غير أنه مهما كانت تلك الخسائر فهي
خسائر ناعمة إزاء قتل البشر وسفك دمائهم والتدمير القاسي للدول والقتل الوحشي
والإبادة الجماعية بالأسلحة الفتاكة.
وعلى وجه العموم وانطلاقا من الزاوية الإيمانية، فإن
ما أصاب العالم بسبب فيروس كورونا سواء كان طبيعيا أم مخلقا ليتسلط بعض الخلق على
الخلق هو أمر قدره الله، وإيماننا أنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة،
وذلك الإيمان لا يعفينا من الأخذ بالأسباب المادية والمعنوية، وأن يدرك العالم أنه
أمام تحدٍ نوعي واختبار حقيقي، لا يصلح معه التجاهل والتهاون باعتباره لا شيء ولا
الاستسلام في مواجهته باعتباره قدرا محتوما.
كورونا ليس بهذا الرعب الذي يعيشه العالم الآن، ولكن
هناك عملية ترعيب غير مسبوقة، ومن الواضح أن العالم بعد كورونا لن يكون كما كان
قبله؛ فهناك تحولات عميقة ستسفر عنها المرحلة القادمة، وسيتكفل الوقت بالجزم حول
حقيقة ماذا كان وراء الرعب العالمي من كورونا.