هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ليس كوبري فقط، فإحقاقا للحق، أن الباقي منها هو "كوبري" في وسط القاهرة، ومدينة على أطرافها!
فثورة 15 أيار/ مايو، لم يعد أحد يتذكرها الآن، فقد ماتت بموت صاحبها الرئيس السادات، وبموته توقف الاحتفال بها، والذي كان مستمراً منذ وقوعها إلى اغتيال السادات؛ عبر بعض الكتاب الذين كانوا مخلصين، لها مثل "موسى صبري"، الذي حسم موقفه بدون تردد وأعلن وقوفه بجانب السادات في مواجهة من يريدون الانقلاب عليه، من أهل النظام، وأصدر كتاباً يتضمن تفاصيلها، ليس مطروحاً في الأسواق الآن، على العكس من الظهور الثاني لمذكراته "50 عاماً في قطار الصحافة" بعد وفاته، والذي تضمن فصلاً عن هذه "الثورة"، التي أعزت قوماً وأذلت آخرين!
ثورة 15 أيار/ مايو، لم يعد أحد يتذكرها الآن، فقد ماتت بموت صاحبها الرئيس السادات، وبموته توقف الاحتفال بها، والذي كان مستمراً منذ وقوعها إلى اغتيال السادات
ليس فقط لأنها أبقت السادات في كرسي الحكم، وشحنت من سعوا للانقلاب عليه للسجن، ولكن لأنها وكما استمرت في تقريب "موسى صبري" من السادات، فإنها كانت بداية نهاية علاقة هيكل بالسادات رغم أنهما كانا في أيام عبد الناصر من "شلة واحدة". وإذ كان هناك من أجهدوا أنفسهم في البحث عن سبب في الخصومة بينهما، والتي انتهت بأن سُجن هيكل بقرار من السادات وخروج هيكل من السجن في عهد مبارك منتقماً في كتابه "خريف الغضب"، فدائما أرى أن تفسير المواقف الكبرى في التاريخ قد يكون كامنا في عبارة تبدو أنها غير مهمة.
تأخر هيكل:
فموسى صبري يروي في مذكراته، أن هيكل قد تأخر في الكتابة عن المعركة بين السادات وخصومه، فلما سأله السادات عن ذلك، بدا كما لو كان لم يفكر في الإجابة وقال ضاحكاً: "انتظرت حتى أعرف من سينتصر فيكم". وقد انزعج السادات لهذه العبارة المغلفة بالمزاح، وإن لم يعقب. ومن الواضح أنه أسرّها في نفسه!
وقد كتب هيكل بعد ذلك ست مقالات ضد من أطلق عليهم السادات مراكز القوى، وكيف أنهم كانوا يديرون الحكم في عهد عبد الناصر في جلسات تحضير الجان. وقد كان قاسياً عليهم، وكانوا أودعوا السجن، وامتدت قسوته لتشمل الحكم الذي يُحسب عليه هيكل إلى الآن، يبدو لأنه قرر أن يعوض تأخره في الكتابة بالحدة في الهجوم.
لم يكتب هيكل مرة أخرى عن هذه الثورة، فقد اختلف مع السادات، لكن استمر موسي صبري في الكتابة عنها في ذكراها في كل عام، وتوقف عن الكتابة عنها، في عهد مبارك، وإلى وفاته، لأنها لم تعد موضوعا ذا قيمة، فقد كانت ثورة تخص شخصا واحداً، وقد تم اغتياله وجاء للحكم من ليست لديه حسابات ضد الطرف الخصم. فقد كانت في السنة الأولى لحكم السادات (15 أيار/ مايو 1971) قبل اختيار مبارك نائبا للسادات بسنوات عدة. وقد أطلق عليها ثورة 15 مايو، وثورة التصحيح، كما أطلق على الطرف الآخر فيها "مراكز القوى"، وهم سدنة الحكم حينئذ، والذين يطلق عليهم خصوم السادات "رجال عبد الناصر"، وهي تسمية غير صحيحة، لأن طرفيها كانوا من رجال عبد الناصر، ولم يكن أحد منهم أكثر ولاء له من الآخر. وقد قربه عبد الناصر ورقاه نائباً له، لنفس السبب الذي جعلهم يُجمعون عليه في البداية؛ وهو أنه ضعيف الشخصية وليس لديه طموح، وليس طرفاً في المؤامرات التي عرفت بها هذه المرحلة!
راحة عبد الناصر:
لقد كان عبد الناصر يجد عند السادات راحته، فيهرب عنده ليقضي السهرة، لإفراغ رأسه من كل ما له علاقة بالسياسة والصراعات التي لا يكلمه فيها السادات أبداً، فالكلام ينصب حول الذكريات والتسلية. وكانت السيدة جيهان السادات مضيافة وطباخة ماهرة، وهي في العموم من ثقافة مختلفة، وإن عاشت في القاهرة، فقد ربتها والدتها الإنجليزية. وعبد الناصر لم يكن يدري أن الدنيا فيها من الطعام أفضل من "اللحم بالبصل" على حد تعبير هيكل؛ ليدلل على زهده، وفاته أن الأكل في الأخير ثقافة وأن الناس أسرى لما تربوا عليه، ولهذا يظل الرجل يتذكر طعام أمه مدى الحياة، وليس بالضرورة أنه الأكثر جودة!
بيد أن كلاً من عبد الناصر وجماعة الحكم، لم يفطنوا إلى أن السادات كان الوحيد فيهم الذي مارس السياسة قبل ثورة يوليو 1952، وكانت له انحيازات سياسية، وقد فُصل من الجيش ومارس العمل الخشن، فحاول اغتيال النحاس باشا، كما اتهم باغتيال أمين عثمان الموالي للاستعمار، وقد سجن قبل أن تبرئه المحكمة فيما بعد. فقد حرص المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا، على أن يصرف له راتبا شهريا طيلة فترة سجنه، ورأيه حتى لا تشعر هذه الشخصيات الوطنية أن ظهرها مكشوف إذا ما وقع عليه الضرر، وهو موقف وإن كان يذكر للبنا، ومن الطبيعي أن يذكر له، فإنه لا يجوز تجاوز وصفه بـ"الشخصيات الوطنية"!
السادات كان ذكيا لدرجة أنه بدا كمن يلبد في حقول الذرة، وأن مكانه الطبيعي هو بجانب عبد الناصر عندما يتنازع الرفاق العسكريون، ولم يضبط مرة متلبساً بموقف بعيداً عن عبد الناصر
مشهد الليثي ناصف وهو يرد على السادات: "مع الشرعية يا ريس" جاء في فيلم السادات، الذي قام ببطولته الفنان أحمد زكي، وربما تأثر به الرئيس محمد مرسي، فاستدعى قائد حرسه اللواء محمد زكي