قضايا وآراء

هل تقف مع مصر أم مع تركيا في النزاع الليبي؟!

عبد الله المجالي
1300x600
1300x600

يحاول الذباب الالكتروني، الذي ابتلينا به، جرنا إلى سؤال يعتقدون أنه سيكون محرجا لكل أنصار الربيع العربي وأعداء الثورة المضادة وتجلياتها، خصوصا في مصر.

يسألون وبكل حدة: مع من يجب أن تقف في الأزمة الليبية؟ هل ستقف مع الجارة مصر العربية الشقيقة؟ أم مع تركيا البعيدة العدوة التي تكره العرب وتريد السيطرة على ثرواتهم؟ ولأنهم ذباب، والذباب لا يترك لك مجالا لوضع اللقمة في فيك حيث يلاحقها ويتكالب عليها، فإنهم يجيبون على ذلك السؤال كما هو مكتوب لهم، وبعد ذلك يحذرون ويهاجمون ويشتمون ويتوعدون ويهددون!!

سيقولون لك: يجب أن نقف مع الشقيقة الكبرى، ومن لا يقف معها فليس بعربي، ولا يحق له الانتماء إلى الأصل العربي... الخ، من هذا الكلام الذي يعود بنا إلى حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي إبان الحقبة الناصرية. وللمفارقة، فإن الدول الخليجية التي تقف وراء الذباب الالكتروني كانت الأشد عداء لتلك الحقبة ورمزها.

نعود إلى السؤال المضلل، فهو سؤال مضلل بالفعل، ومصاغ بطريقة التمويه عن الحقيقة. والسؤال الحقيقي هو مع أي طرف من أطراف الأزمة الليبية تقف؟ هل مع جماعة حفتر؟ أم جماعة حكومة الوفاق؟ ذلك أن سؤال الذباب الالكتروني مخادع، للأسباب التالية:

1- من ناحية أخلاقية لا يجوز طرح مثل هذا السؤال، فالنصرة والدعم يجب أن يكون مدارهما الحق وليس القوم أو الطائفة أو العرق أو الجنس، وأينما دار الحق يجب أن ندور معه، فالحق أحق أن يتبع. أما طرح السؤال بهذه الصيغة فهو عودة للجاهلية الأولى "وما أنا إلا من غزية إن غوت... غويت وإن ترشد غزية أرشد"!

2- الحقيقة الثانية التي يغيبها ذاك السؤال المخادع، هو أن في ليبيا طرفان، وليس طرفا واحدا، وأصل السؤال يجب أن يكون مع أي طرف من أطراف الأزمة الليبية تقف؟ هناك حكومة الوفاق الوطني وهي حكومة انبثقت من اتفاق الصخيرات الذي وافق عليه الليبيون جميعا ووقعوا عليه، هذا الطرف يعتبر نفسه الوريث الشرعي لثورة فبراير التي أطاحت بالدكتاتور العقيد معمر القذافي، وهي تعلن أنها تسعى لدولة مدنية دستورية تقوم على أساس المؤسسات والانتخابات.

وهناك طرف آخر كان يتصدره مجلس نواب طبرق، وهو طرف رسمي اعترف به اتفاق الصخيرات، لكن المجلس وبعد أن عين اللواء المتقاعد خليفة حفتر قائدا عاما للجيش اضمحل دوره وتراجع إلى الظل، وبات الجنرال هو عنوان الشرق والحاكم بأمره، ثم أدار ظهره للمجلس ولم يعد يعبأ به، ومؤخرا فوض نفسه حكم ليبيا متجاهلا بل مُقصيا ذلك المجلس، ناهيك عن أن ذاك المجلس فقد نصابه منذ سنوات. حفتر زحف إلى العاصمة لإسقاط حكومة الوفاق وتسبب في قتل وتشريد آلاف الليبيين، وتلقى دعما هائلا من مصر والإمارات والسعودية وروسيا وفرنسا، لكنه فشل.

جماعة حفتر يأخذون على حكومة الوفاق أنها مختطفة من قبل مليشيات إرهابية مسلحة، وأنها في الحقيقة لا تسيطر على الأوضاع في طرابلس، فيما تأخذ حكومة الوفاق على حفتر أنه دكتاتور يريد حكم ليبيا بالحديد والنار، وإعادتها إلى عصر القذافي المظلم.

ها هما الطرفان اللذان يجب أن نختار أن نقف مع أحدهما. قد لا يروق للبعض التوصيف السابق، وقد تكون له مؤاخذات أخرى على هذا الطرف أو ذاك، لكن النتيجة لن تتغير فالسؤال: إلى جانب من يجب أن تقف؟ وإن كنا نود أن لا نصل إلى هذه المقارنة وهذا السؤال، فالسؤال المنطقي هو كيف نحقن دماء الليبيين؟ وكيف نحمي ليبيا؟ إلا أننا نعترف أن الأسئلة من هذا النوع باتت طوباية وغارقة في المثالية.

3- الحقيقة الثالثة التي يغيبها السؤال عمدا، هو أن الطرف الليبي الذي يدعمه الذباب الالكتروني هو طرف طلب النصرة والدعم من دول غير عربية، بل غير إسلامية، بل دول لها تاريخ استعماري بغيض، ودول لا زالت دماء الشعب السوري على يديها لم تجف. استعان طرف حفتر بروسيا وفرنسا، وطلب دعمهما، وحتى هذه اللحظة هناك آلاف من المرتزقة الروس يقاتلون إلى جانب قواته، ناهيك عن أن الذباب نفسه كان يغني طربا لذلك الدعم. قد يقال إن تركيا كذلك ملطخة أيديها بدم السوريين، وهناك من يتهمها بأنها كانت تحتل العالم العربي. ليكن كذلك، إذا فهم سواء، فلماذا ندعم التدخل الروسي الفرنسي ونغني ونطرب له، ولا ندعم التدخل التركي؟

4- الحقيقة الرابعة التي لا يريد الذباب الالكتروني أن يتنبه إليها أحد، هي المقارنة بين النموذجين التركي والمصري اللذين يتنازعان في ليبيا. فما هو النموذج المصري الذي يسعى الذباب إلى تصديره إلى ليبيا؟ ما هي الإنجازات والنجاحات التي حققها في بلاده حتى يسعى إلى تصديرها إلى هناك؟ اللهم سوى نجاحه في محاربة الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي!! فهل يطعم هذا النجاح خبزا؟ أو يحقق تنمية؟ ما نراه في مصر هو تراجع في كل مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية.

5- يحاول الذباب الالكتروني في سؤاله استثارة العاطفة والنزعة القومية العربية، فكيف لعربي أن لا يتضامن ويتعاطف وينصر ويدعم أخاه العربي ضد "الغزاة الأتراك". وكما قلنا في السابق، فليس هناك طرف واحد في ليبيا حتى نناقش تلك الخديعة، بالإضافة إلى أن تجاربنا مع الذباب الالكتروني لا تدع لنا مجالا للشك في أن القومية أو العاطفة العربية لا مكان لها في الإعراب عندهم في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والغزاة الصهاينة. فماذا عن الفلسطينيين الذين اغتصبت أراضيهم وقتلوا وشردوا؟ وماذا عن الصهاينة المحتلين الغزاة الذي اغتصبوا فلسطين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لم نشهد أي حملة للذباب الالكتروني ضد الغزاة الصهاينة، بل على العكس شهدنا حملات ضد الشعب الفلسطيني الضحية، فأين هي القومية العربية؟

6- يريد الذباب الالكتروني تصوير الأزمة الليبية وكأنها تهديد للأمن القومي العربي، وتهديد للأمن القومي للشقيقة الكبرى مصر، وبهذا يعطي شرعية للتدخل العسكري المصري في ليبيا. والحقيقة أن التدخل العسكري المصري لم يتوقف في ليبيا منذ أن أطلق الجنرال الليبي خلفة حفتر عملية "الكرامة" في عام 2014، فالقواعد العسكرية المصرية كانت نشطة في إيصال الدعم العسكري الهائل لقوات حفتر، ناهيك عن دعم مباشر لمعركة حفتر في درنة.

هل هذا المقال يأتي للدفاع عن التدخل التركي في ليبيا وإعطائه الشرعية؟ بالطبع لا، بل هو محاولة لفهم الوضع الليبي على حقيقته، حتى لا نتوه في المجارير التي يريدنا الذباب الالكتروني أن ندخلها فتقتلنا روائحها النتنة.

لا بأس من النقاش العقلاني الذي يعلي مصلحة الأمة جمعاء، لكن ليس على طريقة الذباب الالكتروني الذي لا يعرف سوى الانكباب على القاذورات.

التعليقات (0)