يطالب العرب بالإجماع بإدخال المساعدات
الإنسانية إلى قطاع
غزة المحاصر، وتعززت تلك المطالب بقرار أممي صادر عن الجمعية
العامة للأمم المتحدة الجمعة 27 أكتوبر.
تحيط بقطاع غزة 8 معابر، ستة منها تصل
القطاع بالأراضي المحتلة عام 1948، وتسيطر عليها سلطات الاحتلال، التي تغلق أربعة
منها بشكل تام، وتفتح معبرين بشكل متقطع هما: "بيت حانون" و"كرم
أبو سالم"، بينما تسيطر
مصر على معبرين آخرين، هما "رفح"
و"بوابة صلاح الدين".
بعد إغلاق الاحتلال كافة المعابر التي يسيطر
عليها يبقى معبر وحيد يمكن أن يكون مدخلا للمساعدات وهو
معبر رفح، وهو معبر
فلسطيني مصري خالص.
ما الذي يمنع فتح معبر رفح؟
المانع سياسي بحت، حيث يعمل المعبر وفق
اتفاقية المعابر (عام 2005 التي وقعت عقب الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من القطاع
بموافقة السلطة الفلسطينية) بالشراكة بين الإدارتين الفلسطينية والمصرية، وتُشرف
عليه من الجانب الفلسطيني هيئة المعابر والحدود التابعة لوزارة الداخلية والأمن
الوطني، ويتم ذلك تحت رقابة الاتحاد الأوروبي.
وقد عارضت حماس بعد سيطرتها على الجانب
الفلسطيني من المعبر عام 2007، مشاركة الاحتلال الإسرائيلي في تشغيل المعبر، كما
توقفت الرقابة الأوروبية بسبب غياب قوات السلطة الفلسطينية، ورفض الأوروبيون
التعامل مع الموظفين المحسوبين على حماس، الأمر الذي أدى إلى إبقاء المعبر مغلقا.
واعتبرت مصر أن المعبر في ظل غياب السلطة
الفلسطينية والرقابة الأوروبية لا تتوافر فيه الشروط الواردة في الاتفاق، ومن ثم
اعتبرت نفسها في حل من تشغيله بشكل طبيعي، رغم أن مصر لها القدرة الفعلية على فتح
معبر رفح، فهو يقع ضمن سيادتها والمفروض أن لا تسمح لأحد بالتدخل في هذا الشأن
السيادي، لكن للأسف فقد شهدنا إغلاقات مستمرة للمعبر.
هل تغير الوضع الآن؟
من المفروض أن الوضع قد تغير الآن بشكل كلي
نتيجة الإغلاق التام للمعابر من الجانب الصهيوني الذي كان يعتمد سياسة التقطير
للضغط على حماس متى شاء، ومنع الغذاء والدواء والوقود وهو بمثابة عقاب جماعي
وجريمة حرب بتوصيفات القانون الدولي. ولذلك من غير المفهوم أن يبقى معبر رفح مغلقا
أمام المساعدات الإنسانية والوقود التي تتكدس في مطار العريش قرب رفح. ومصر حاليا
مسلحة بإجماع عربي وأممي بل وحتى غربي بضرورة إدخال المساعدات للقطاع.
إذن ما الذي يمنع ذلك؟
مع الإجماع العربي وحتى الغربي وجزء من
الرأي الأمريكي وأغلبية دول العالم التي صوتت لصالح قرار الجمعية تطالب بإدخال
المساعدات الإنسانية والوقود، فالطرف الوحيد في العالم الذي يرفض ذلك هو الكيان
الصهيوني، وهنا تكمن المفارقة، فكيف يرفض الكيان إدخال مساعدات عبر معبر سيادي بين
مصر وفلسطين؟
الدول العربية وعلى رأسها مصر دول ذات سيادة، وعليها التزام سياسي وأخلاقي وقومي للوقوف مع أهالي قطاع غزة، وهو ما قاموا به على نحو ما سياسيا، لكنهم عجزوا حتى الآن عن إيقاف العدوان وإدخال المساعدات.
بالإضافة إلى الضغط الدبلوماسي والسياسي على
القاهرة لمنع فتح المعبر، هناك تهديدات إسرائيلية بقصف المساعدات التي تدخل دون
إذنه أو دون التنسيق معه، وقد أكد تلك التهديدات بقصف معبر رفح من الجانب
الفلسطيني أكثر من مرة.
هل هذا سبب كاف لمنع دخول المساعدات؟
في الواقع لا يبدو سببا كافيا، فالدول
العربية وعلى رأسها مصر دول ذات سيادة، وعليها التزام سياسي وأخلاقي وقومي للوقوف
مع أهالي قطاع غزة، وهو ما قاموا به على نحو ما سياسيا، لكنهم عجزوا حتى الآن عن
إيقاف العدوان وإدخال المساعدات. فهل يمكن إبطال السبب الأخير وهو التهديد
الصهيوني؟
يمكن ذلك بقليل من الجرأة والإرادة والإجماع
العربي بالتعاون مع الدول الإسلامية، حيث يمكن رفع أعلام مصر والدول العربية
والإسلامية على شاحنات المساعدات، ويمكن التنسيق مع الأونروا والصليب الأحمر
ووكالات الأمم المتحدة لاستلام المساعدات حين وصولها للمستودعات وذلك حتى لا يتحدث
أحد أن المساعدات هي لحماس.
لا يمكن للكيان أن يغامر بقصف شاحنات ترفع
علم مصر وأعلام الدول العربية، وإذا ما قصف الطرق الرئيسية لإعاقة وصول المساعدات،
فإن الجيش المصري قادر على إعادة إصلاحها بسرعة.
صحيح أن الولايات المتحدة ودول غربية سترفض
هذه الخطة وستضغط على مصر والدول العربية لعدم التفكير بها، لكننا شهدنا أمثلة في
الآونة الأخيرة على مواقف عربية مستقلة ضد الإرادة الأمريكية، فلماذا هنا يمكن أن
يستجيبوا للضغط.
لكن الوضع الكارثي الذي يعاني منه أهل غزة
والصلف الصهيوني لا يترك المجال إلا لمثل هذا الأسلوب، وربما مجرد التلويح به
سيؤدي إلى فتح معبر رفح بشكل دائم لإدخال المساعدات، فالواجب السياسي والأخلاقي
والقومي يحتم على الدول العربية ذلك..