انسكب حبر كثير حول الاتفاق
الإيراني السعودي لاستئناف
العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، لكن أبرزها كان تلك اللطميات التي غصّت بها
الصحافة العبرية.
انصبّت تلك اللطميات على نعي إقامة تحالف عربي مناهض
لإيران، ويعتقد البعض هناك أن الاتفاق أرسل رسالة غير مباشرة لتل أبيب، أن الرياض ليست
في وارد دعم أي عمل عسكري ضد إيران.
لا يجب أن نغفل أن تلك اللطميات تأتي في سياق استقطاب
وانقسام حاد يعاني منه المجتمع
الإسرائيلي، وأن كل طرف معني بمهاجمة الآخر وتحطيمه،
واستغلال أي حادثة لتضخيمها وتهويلها في وجه الطرف الآخر.
البعض هنا رأى في الاتفاق دليلا على أن
التطبيع بين
السعودية ودولة الاحتلال الإسرائيلي بعيد المنال حتى الآن، أو أنه في أسوأ الأحوال
مؤجل حتى اتضاح معالم وفوائد الاتفاق الثلاثي.
انصبّت تلك اللطميات على نعي إقامة تحالف عربي مناهض لإيران، ويعتقد البعض هناك أن الاتفاق أرسل رسالة غير مباشرة لتل أبيب، أن الرياض ليست في وارد دعم أي عمل عسكري ضد إيران. لا يجب أن نغفل أن تلك اللطميات تأتي في سياق استقطاب وانقسام حاد يعاني منه المجتمع الإسرائيلي، وأن كل طرف معني بمهاجمة الآخر وتحطيمه، واستغلال أي حادثة لتضخيمها وتهويلها في وجه الطرف الآخر.
في هذه المسألة بالذات، يجب التوقف عند عدد من النقاط
لمحاولة فهم أثر الاتفاق الثلاثي على مسار
التطبيع المحتمل، أو المفترض بين تل أبيب
والرياض:
أولا: رغم عدم تسريب أي تفاصيل عن المفاوضات التي جرت
للتوصل للاتفاق، إلا أنه يستبعد أن تكون قد تطرقت للعلاقات
السعودية الإسرائيلية.
قد نتصور أنها تطرقت إلى تعهدات من كلا الطرفين بعدم
القيام بأي أعمال يمكن أن تشكل تهديدا للأمن القومي للطرف الآخر، لكني لا أعتقد أن
هذا قد ينسحب على أي تطور أو تنامٍ للعلاقات بين الرياض وتل أبيب؛ لأنه شأن داخلي
سعودي، على ألا تكون تلك العلاقات موجهة ضد الأمن الإيراني. وهو ما قد ينسحب على
علاقات إيران مع الحوثيين في اليمن أو حزب الله في لبنان.
وهذا يعني أن الرياض ليست ملزمة أو حتى معنية بتوضيح أي
خطوة تجاه دولة الاحتلال تحت إطار العلاقات الثنائية، وبما ينسجم مع القانون
الدولي الذي يحظر التدخل في شؤون الدول الأخرى الداخلية.
ثانيا: وتأسيسا على ذلك، فإن السعودية يمكن أن تفصل بسهولة
بين علاقاتها بين طهران وتل أبيب، وهو أمر سبقتها إليه دولة الإمارات، التي
نسجت علاقات متطورة للغاية مع دولة الاحتلال، في الوقت الذي فتحت فيه خطوطا مع
النظام الإيراني، حيث أعادت الإمارات افتتاح سفارتها في طهران في آب/ أغسطس
الماضي، أي بعد عامين فقط من توقيعها اتفاق التطبيع مع الاحتلال.
ثالثا: يمكن القول؛ إن هدف دول الخليج من التطبيع لم تعد
مقتصرة على محاولات التقرب من واشنطن، أو مواجهة الخطر الإيراني وأذرعه في
المنطقة، أو حتى محاولة أداء دور في إيجاد حل للقضية الفلسطينية، بل باتت هناك
"للأسف" شبه قناعة بأن التطبيع مع دولة الاحتلال يحقق مصالح ذاتية؛ في
ملفي الأمن والاقتصاد.
إيران بدأت تهضم فكرة ثنائية العلاقات بين أي طرف مع الاحتلال الإسرائيلي ومعها، طالما أن تلك العلاقات لا تهددها أولا، وتحقق مصالحها ثانيا؛ فقد هضمت فكرة العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، ويمكن لها هضم العلاقات البحرينية الإسرائيلية، ومن يقف عائقا دون ذلك هي المنامة وليس طهران، ويبدو ذلك جليا مع دولة عُمان، التي يعدها كثيرون من حلفاء إيران في الخليج.
رابعا: برغم ترحيب البيت الأبيض بالاتفاق السعودي
الإيراني، إلا أن الصحافة الأمريكية وجهت سهام النقد للإدارة الأمريكية، معتبرة أن
ذلك النصر الدبلوماسي الصيني، يأتي على حساب دور الولايات المتحدة التاريخي في المنطقة،
لكن الإدارة بررت ذلك بأنه ليس لديها أي قنوات دبلوماسية مع طهران تمكنها من أداء دور كهذا. في المقابل، فهناك علاقات متينة تربط واشنطن بكل من تل أبيب والرياض،
وليس سرا أن الإدارة منخرطة في جهود للتوصل لاتفاق تطبيعي بين السعودية والاحتلال،
وهي جهود ربما تزداد وتيرتها بعد الاتفاق السعودي الإيراني، لتأكيد دور الولايات
المتحدة في المنطقة، وهو دور لا تنكره الرياض ولا تريد له أن يتضاءل.
خامسا: يبدو أن إيران بدأت تهضم فكرة ثنائية العلاقات
بين أي طرف مع الاحتلال الإسرائيلي ومعها، طالما أن تلك العلاقات لا تهددها أولا،
وتحقق مصالحها ثانيا؛ فقد هضمت فكرة العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، ويمكن لها
هضم العلاقات البحرينية الإسرائيلية، ومن يقف عائقا دون ذلك هي المنامة وليس
طهران، ويبدو ذلك جليا مع دولة عُمان التي يعدها كثيرون من حلفاء إيران في الخليج،
فقد استقبلت نتنياهو في عهد السلطان الراحل قابوس، وفي عهد خلفه اتخذت قرارا بفتح
الأجواء أمام الطائرات الإسرائيلية.
الخلاصة، هي أن الاتفاق من المرجح أن لا يكون له أثر أو انعكاس ملموس،
سواء إيجابا أو سلبا، على ملف التطبيع السعودي مع الاحتلال الإسرائيلي.