هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نجوم تضيء عتمة الإنسانية في مجالات علمية تبدو وكأنها قادمة من الضفة الأخرى من النهر في عالمنا العربي الذي يغلق كل النوافذ والأبواب وفتحات التهوية أمام المبدعين والعلماء العرب.
أسماء كبيرة شعت وأضاءت في العالم الغربي وتحديدا في الولايات المتحدة الأمريكية، لم تأخذ حظها ونصيبها من الشهرة والاهتمام في الوطن الأم، ووجدت العالم يحتضنها ويفتح لها مختبراته ومراكز أبحاثه وجامعاته ليقدموا لنا نورا يضيء ما حولنا.
ثلة من مبدعين وعلماء ومخترعين فلسطينيين نهضوا بمجال العلوم، وطرزوا في الكلمات التالية عباءة العلم والنهوض الإنساني.
"نايفة " خبير "تكنولوجيا النانو"
يعد العالم منير نايفة المولود عام 1945 في مدينة طولكرم من أهم علماء الذرة والفيزياء، ومن أبرز علماء تكنولوجيا النانو، والتي تعنى بترتيب الذرات وتصنيفها بدقة فائقة لتوظيف خصائصها المضيئة في تطوير تطبيقات في مجالات مختلفة كالطاقة والطب.
يحمل شهادة البكالوريوس من "الجامعة الأمريكية" في بيروت عام 1968، والدكتوراه من جامعة "ستانفورد" الأمريكية في مجال الفيزياء الذرية وعلوم الليزر.
عمل نايفة عام 1977 باحثا فيزيائيا بجامعة "كنتاكي"، ثم التحق بعدها بجامعة "إلينوي"، وفي نفس العام حصل على جائزة البحث التصنيعي في الولايات المتحدة.
تمكن نايفة من تصنيع حبيبات سليكون فائقة الصغر يمكن استخدامها في الصناعة والعلوم من خلال تصميم أجهزة مجهرية لأغراض عديدة، ففي المجال الطبي يمكن استعمال هذه الحبيبات لتصنيع معدات فائقة الصغر يمكن إدخالها إلى البنى الصغيرة في جسم الإنسان كالشرايين مثلا، بالإضافة لتطبيقات صناعية وزراعية وبرمجية وعسكرية أخرى، بمعنى آخر فقد زادت التقنيات التي أبدعها نايفة من كفاءة الآلات آلاف المرات.
نشر منير نايفة ما يزيد عن 130 مقالا وبحثا علميا، وشارك مع آخرين في إعداد وتأليف العديد من الكتب عن علوم الليزر والكهربية والمغناطيسة بالإضافة لتكنولوجيا النانو وفروعها، ولعل أبرز إنجازاته هو بحثه حول الذرات المنفردة في مختبر "أوك ريدج" الأمريكي والذي نشرت نتائجه عام 1976، كان هذا البحث هو الذي مهد له الطريق للحصول على جائزة البحث الصناعي في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1979.
وحصل البروفيسور نايفة على عشرات الجوائز العلمية المرموقة، وطرز اسمه في العديد من موسوعات العلماء والمشاهير كالموسوعة البريطانية الشهيرة "بريتانيكا".
يشغل نايفة منصب أستاذ الفيزياء في جامعة "إلينوي" بالولايات المتحدة، وسجل 23 براءة اختراع، ونشر عشرات المقالات والأبحاث العلمية، وألف ستة كتب في علم الفيزياء والنانو والليزر، إضافة إلى ثماني قصص علمية للناشئين.
يتحلى نايفة بشخصية متواضعة محبة لفلسطين التي يزورها باستمرار ويعقد فيها مؤتمرات وندوات حول تقنية النانو، ويركز خلالها بشكل كبير على المدارس الفلسطينية.
وعلى الرغم من السنوات الطويلة التي عاشها في أمريكا، فإنه حافظ على لسانه العربي ولهجته الفلسطينية.
وعن تقييمه لوضع الفيزياء في فلسطين، قال نايفة إن وضع العلوم في فلسطين والعالم العربي غير جيد، فالعلوم لا تحترم من قبل الدولة ولا تخصص لها الميزانيات الكافية لإنشاء المعامل ومراكز الأبحاث، فتتوجه العقول العربية نحو العلوم التي تدر أموالا أكثر سعيا للعيش الكريم، أو تهاجر إلى الغرب الذي يدعم العلماء بسخاء.
يؤكد نايفة أن استعمالات الذرة لا تقتصر على القنابل وأسلحة الدمار بل يمكن توظيفها في تطبيقات مختلفة تخدم المجتمع الفلسطيني وتنهض به، لكن فقر التخطيط والرؤية وانعدام القرار السياسي وتشتت الموارد، يهدر العقول الفلسطينية.
شغف نايفة بتقنية النانو دفعه لتأسيس عدة شركات توزعت بين رام الله بفلسطين وكزاخستان وأمريكا، وهو يحلم في أن تدخل تطبيقات النانو كل المجالات وأن يغرق العالم بكل هذه المواد النانوية ببصمته الفلسطينية.
للعالم نايفة ثلاثة أشقاء يحملون لقب بروفيسور، وهم: علي نايفة أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة "فيرجينيا"، وعدنان نايفة أستاذ الهندسة الميكانيكية والطيران من جامعة "سينسناتي" في أوهايو، وتيسير نايفة أستاذ الهندسة الصناعية في جامعة " كليفلاند".
حنا ناصر عالم الفيزياء النووية
رغم أن حنا ناصر يعد من أهم علماء الفيزياء النووية إلا أنه عرف في السنوات الأخيرة من خلال دوره في الإشراف على الانتخابات الفلسطينية بأنواعها وتطوير جامعة بيرزيت.
درس ناصر في كلية بيرزيت وحصل على شهادتي البكالوريوس والماجستير في علم الفيزياء من الجامعة الأمريكية في بيروت. ولاحقا، حصل على شهادة الدكتوراه في الفيزياء النووية عام 1967 من "جامعة بيردو" في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1972، ترأس ناصر فريقا ضم كلا من جابي برامكي ورمزي ريحان لتطوير "كلية بيرزيت" إلى جامعة، ليصبح فيما بعد أول رئيس للجامعة حتى تقاعده عام 2004.
أبعدته سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1974، إلى لبنان دون توجيه أي تهم له، رغم ما أعلن عن قيامه بعملية تحريض ضد الاحتلال. وخلال فترة المنفى، بقي رئيسا لجامعة بيرزيت وتولى إدارة مهامه من مكتب في الأردن أُنشئ بشكل خاص لهذا الغرض وكانت الإدارة تذهب لزيارته بانتظام في عمان لبحث القرارات الكبرى.
عمل ناصر في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بين عامي 1981 و1984 وشغل منصب رئيس الصندوق القومي الفلسطيني بين عامي 1982 و1984.
وفي الفترة ما بين عامي 1977 و1984، انتخب ناصر عضوا مستقلا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي عام 1993 وفي أعقاب "اتفاقيات أوسلو"، سمح له بالعودة إلى فلسطين مع غيره من المبعدين.
وكلفه الرئيس الفلسطيني الراحل عام 2002، برئاسة لجنة الانتخابات الفلسطينية؛ وهي هيئة مستقلة تأسست من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1995، وقام بالإشراف على انتخابات الرئاسة الفلسطينية عام 2005، وانتخابات المجلس التشريعي عام 2006، إلى جانب الانتخابات المحلية في عامي 2012 و2017.
"عنبتاوي" عالمة الفضاء
تعد العالمة أسيل عنبتاوي المولودة عام 1969 لأسرة من مدينة طولكرم من أهم علماء الفلك في الولايات المتحدة الأمريكية.
حصلت عنبتاوي على درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة "كاليفورنيا ستيت" في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1992، ثم حصلت على درجة الماجستير في ذات التخصص من "جامعة ساوثرن" في ولاية كاليفورنيا عام 1996.
عملت في بداية حياتها العلمية والعملية، مهندسة كهربائية في مجال هندسة الفضاء في "مختبر الدفع النفاث" الشهير في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها انتقلت للعمل في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا).
تتولى عنبتاوي رئاسة مشروع اكتشاف كوكب زحل في "ناسا" ووكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الإيطالية، فيما يعرف بمشروع "كاسيني-هويجنز" الشهير، وهو فريق جمع المعلومات والمراقبة والتوجيه في مهمتي المركبة الفضائية "جاليلو" إلي كوكب المشتري عام 1996، ومركبة "مارس جلوبال سرفايفر" إلى كوكب المريخ، كما عملت مع وكالة الفضاء الأوروبية في ذات المهام.
قدمت ما يزيد عن 59 بحثا علميا نشرت في كبرى مراكز البحث والمواقع والجامعات العالمية، كما قدمت أكثر من 56 مقالا علميا. وحازت على العديد من الميداليات والجوائز والأوسمة، كان من أهمها ميدالية الإنجاز الاستثنائي عام 2007، ووسام العمل المتميز عام 2015، وذلك تقديرا لعملها في المسبار الفضائي "كاسيني".
كرمت عنبتاوي من قبل "ناسا" على قيادتها للفريق المسؤول عن إنزال مركبة إلى المريخ، وقبل 4 سنوات تم تكريمها أيضا عندما قادت فريق إنزال مركبة على زحل ثم إخراجها منه حيث راقب العالم الحدث باهتمام كبير تحسبا من كارثة مدمرة، وعندما خرجت المركبة بأمان ضجت القاعة بالتصفيق والصراخ، وقد تم تكريمها أكثر من مرة أثناء إشرافها على ذلك الحدث.
وكان اهتمام العالمة عنبتاوي بالفضائيات منذ طفولتها ومشاهدتها أفلام الفضاء سواء للكبار أو للصغار، وكان مسلسل الكرتون المفضل لديها "جرانديزر"، بحسب ما تقول أسرتها.
"النمر" يرسل حجر "جنين" إلى القمر
يعرف بأنه أرسل حجرا إلى القمر حفر عليه اسم مدينته جنين مع رحلة في إطلاق مركبة "أبوللو 11" التي كانت أول مركبة فضائية تهبط على سطح القمر عام 1969.
عصام النمر الذي ولد في مدينة جنين عام 1926 والده الدكتور سعيد النمر من أوائل الفلسطينيين الذين درسوا الطب ومارس المهنة في فلسطين، حيث تخرج طبيبا عام 1914 وعمل ضابطا في الجيش العثماني إبان الحرب العالمية. والتحق بصفوف الثورة العربية الكبرى في عام 1916 بقيادة الشريف حسين بن علي.
تخرج عصام النمر من جامعة "يوتا" بالولايات المتحدة عام 1953 في علوم الهندسة. وتابع دراساته العليا في جامعة "نيويورك" حيث حصل على شهادة الدكتوراه وتخصص في مجال حساب الكميات، وعمل عام 1955 مهندس تطوير في شركة “انترناشونال” في شيكاغو.
التحق فيما بعد بشركة "روكيت دين" لصناعة محركات الصواريخ العملاقة في كاليفورنيا. وأثبت خلال عمله مهارات رفيعة في تطوير آلات الاحتراق الداخلي، الأمر الذي ساعده على الالتحاق بصناعة الفضاء والانضمام عام 1968 إلى وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، وتولى قيادة مجموعة الاختبار للمركبة القمرية نموذج "لونا".
وكان ضمن قلائل من العلماء الذين يعطون الإشارة النهائية لإطلاق مركبات الفضاء، حيث شارك في إطلاق مركبات "أبوللو" ومن ضمنها "أبوللو 11" التي كانت أول مركبة فضائية تهبط على سطح القمر عام 1969.
في مقابلة معه نشرت عام 1993 أكد أنه سلم رواد مركبة "أبوللو 11" حجرا صغيرا كتب عليه "جنين" وأن هذا الحجر موجود الآن على سطح القمر، وعند سؤاله عن سبب كتابة "جنين" وليس فلسطين أيضا على الحجر، أجاب ضاحكا: "حتى نتمكن من إيصاله إلى هناك". في عام 1972 وفي أولى زياراته للوطن، قدم النمر لبلدية جنين صورة مهداة إلى أهالي مدينة جنين وموقعة من قبل رواد المركبة "أبوللو 11".
توفي عصام النمر عام 2005 في مدينة هيوستن في الولايات المتحدة الأمريكية.