قضايا وآراء

تغيير سلوك نظام الأسد؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600
يصر المسؤولون الأمريكيون لدى شرحهم لفلسفة "قانون قيصر" الذي يفرض عقوبات على نظام الحكم السوري، أن ليس من وراء القصد الأمريكي أية نية لتغيير الأسد وإنما تغيير سلوكه، الأمر الذي يذكرنا بالعقوبات المدرسية التي تنزلها إدارة المدرسة بطالب يخرق الأنظمة المدرسية، فيتم إيقافه لأيام عن الدراسة، بهدف الضغط على أولياء أمره لدفعه إلى تغيير سلوكه.

لكن حتى العقوبات المدرسية، تنتهي غالبا بإخراج الطالب من الحقل التعليمي نهائيا، في حال كان الجرم كبيرا أو تعدّدت المخالفات، أي يتم الحكم بإعدام ملف التلميذ، وهي أقصى أنواع العقوبات الممكنة. أما في حالة بشار الأسد، فالعقوبات الدولية لن تتطور لأكثر من عزله وجعله منبوذا. وعلى أهمية هذه العقوبة، إلا أن هذا النمط من الأنظمة يستطيع التعايش مع هذه الأوضاع، ويستطيع تحويل الأزمة إلى فرصة بالنسبة له. فالعقوبات تضعف المجتمع بدرجة كبيرة نتيجة إفقاره ودفعه الشعب للهاث من أجل تأمين حاجياته الأساسية، وتصبح القضية الأساسية بالنسبة له الحفاظ على حياة أبنائه، ويتراجع، مقابل ذلك، نشاطه السياسي ومطالبه بالتغيير.

لكن كيف سيغير نظام الأسد سلوكه، وهل أمريكا جادة بالفعل بهذا الطلب؟ ليس خافيا أن نظام الأسد، وأغلب الأنظمة العربية تدير سياساتها تجاه المجتمعات بعقلية التآمر وبأساليب البطش والقمع، والشعوب في نظرها إما عملاء لأجهزة أمنية خارجية، أو انقلابيون يخطّطون دائما للانقلاب على نظام الحكم، ومن ثم فلا توجد طريقة للتعاطي معهم سوى بالاعتقالات والقمع، بهدف إصلاحهم ونزع الخيانة منهم، أو ترشيدهم وتعقيلهم بأن تفكيرهم يؤدي إلى تخريب البلد. وعلى الناس ألا يحزنوا على أولادهم، العُصاة، إذا تم قتلهم في السجون، بل يشكرون نظام الحكم، لأن في قتلهم إنقاذا لهم من التورط بالمؤامرات وتنظيفا لشرف عوائلهم من رجس الخيانة.

المشكلة في هذا النمط من الأنظمة أن القمع ليس فقط أسلوبا لإدارة السياسة والحكم، بل هو ثقافة لدى البيئات المؤيدة للأنظمة؛ ومثال على ذلك، الطبيب السوري الذي اعتقلته السلطات الألمانية، والمفترض أن البعد الإنساني في مهنته غالب على أي انحياز سياسي، ورغم ذلك كان يعذب ويقتل المعارضين للنظام. وهذا واحد من مئات وآلاف الأطباء المؤيدين للنظام. وقل نفس الشيء عن تيارات وأحزاب وشخصيات فكرية جاهرت بتأييدها لإبادة المعارضين في سوريا ومصر، بل إنها زاودت على أنظمة القمع، رغم قساوتها، وطالبت بالمزيد، وتغنّت بالبراميل المتفجرة والكيماوي والقتل في المعتقلات.

إذا، كيف يستطيع نظام كهذا تغيير سلوكه، أو بطريقة أدق، أسلوب إدارته للسياسة والحكم؟ حتى يفعل ذلك، سيكون عليه تغيير كامل أطقمه الإدارية والعسكرية والأمنية والحزبية. وذلك أيضا لا يكفي، سيكون عليه تغيير أيديولوجيته وأساليب تفكيره ونظرته للمجتمع، بمعنى الانقلاب على جميع منظوماته. والأهم من كل ذلك، على هذا النوع من الأنظمة التوقف عن النظر لأنفسها على أنها زبدة وخلاصة الإدراك والوعي، وأكثر من لديه القدرة على الإدارة، وأن المجتمعات والدول من دونها ستؤول إلى ضياع وتشتت، بل إن الأمة نفسها ستتيه في صحارى جهلها وانحطاطها.

باختصار، إذا انزاحت هذه الأنظمة، وعلى رأسها نظام الأسد، عن سلوكها الحالي، فهي ستسقط حتما، وستتحطم استثماراتها في إرعاب المجتمعات، وستتخلع أنيابها التي تكشر بها في وجه من يعارضها، وستتفكك حلقاتها إن هي تخلت عن الفساد، وستسقط جدران الخوف وأبنية الرعب التي جاهدت لإعادة ترميميها بعد ثورات الربيع العربي ولم تفلح حتى اللحظة.

لكن الأهم من كل ذلك، أن هذه الأنظمة ستساق إلى المحاكم الجنائية لمحاسبتها على الفظائع المهولة التي ارتكبتها بحق الملايين من شعوبها، ذلك أن أي تغيير للسلوك لن يكون منطقيا إذا لم تتم المحاسبة. فهل تحكم عصابة الأسد، على نفسها بالإعدام؟ ثم إنها لن تتأثر بالعقوبات التي سيفرضها قانون قيصر، فمثل نظام الأسد، راكم ثروات هائلة لنفسه، وحتى أصغر رتبة في هذا النظام استثمر الحرب وجمع ثروات هائلة، من بيع الطعام بأسعار مضاعفة للناس المحاصرين في غوطة دمشق وحلب الشرقية وأحياء حمص ودرعا وأرياف إدلب وحماة وبلودان والزبداني، ومن بيع عفش المنازل.

ويقول أحد سكان مخيم اليرموك الذين دخلوا لرؤية منازلهم بعد انتهاء عصابة الأسد من تعفيشها، إنه لم يبق شيء في تلك المنازل، حتى حديد الأسقف ومواسير المياه وأسلاك الكهرباء وإطارات النوافذ والأبواب جرى نهبها، فقط حجارة معلقة في الهواء.

ويذكر تقرير لـ"المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية"، أن نظام الأسد صدّر في الأعوام 2016 و2017 و2018 أطنانا من النحاس للخارج (النحاس الناتج عن أسلاك الكهرباء من المنازل المدمرة). ويملك محمد حمشو (ذراع ماهر الأسد الاقتصادية) أكبر مصهر لحديد أسقف المنازل المدمّرة!

لن تفلح أمريكا، ولا العالم كله في تغيير سلوك نظام الأسد، لأن هذا السلوك هو محرك النظام وضامن بقائه، وبدونه لا يستطيع العيش ليوم واحد. أما العقوبات، فتلك مسألة مفيدة وداعمة لحكمه، إذ تؤكد نظريته أنه مستهدف من قوى خارجية تريد خفض منسوب مقاومته وممانعته.

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (0)