ملفات وتقارير

موقع إسرائيلي يتساءل: لماذا تصمت مصر عن الضم؟

محلل مصري شكك بأن يؤثر الضم على العلاقات بين السيسي ونتنياهو
محلل مصري شكك بأن يؤثر الضم على العلاقات بين السيسي ونتنياهو

نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" مقالا لآرون بوكسرمان، قال فيه إن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ذهب بطائرة هيلوكوبتر لزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في قصره الرئاسي في رام الله.

وكان نظيره المصري سامح شكري قد دعي أيضا. وكان يقصد من صور اللقاء أن تظهر وزيري خارجية بلدين جارتين كل منهما توصل إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل، وكلاهما يؤكد على التزاماتهما تجاه القضية الفلسطينية ومعارضتهما للخطط الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية.

ولكن عندما جاء وقت الزيارة كان هناك وجه غائب عن الصورة، حيث ألغى شكري الزيارة بسبب قضايا ضاغطة على الأجندة المصرية، كما أكد المسؤول في حركة "فتح" جبريل الرجوب في مؤتمر صحفي في رام الله يوم الأحد الماضي.

وقد يشكل غياب شكري مؤشرا على تردد الحكومة المصرية المحاصرة تجاه الخطة الإسرائيلية. فبينما عبرت مصر عن قلقها بشأن الضم، إلا أن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية بالنسبة للنظام على ما يبدو.

وقال عوفير ونتر، الذي يدرس العلاقات المصرية الإسرائيلية في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: "هناك أزمات أكبر بكثير تواجه مصر اليوم؛ أزمة فيروس كورونا وتداعياتها الاقتصادية المصاحبة، والتدخل العسكري التركي على أطول الحدود المصرية وسد النهضة الأثيوبي، كل هذه القضايا لها أولوية على الضم".

وكانت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد أعلنت أنها ستسعى لضم 30% من الضفة الغربية، والتي منحتها خطة ترامب لإسرائيل -وهي عبارة عن كل المستوطنات إضافة إلى وادي الأردن- في 1 تموز/ يوليو.

وشجبت الأمم المتحدة والدول الأوروبية والعربية وكبار أعضاء الحزب الديمقراطي الأمريكي احتمال الضم من جانب واحد، وحذروا الحكومة الإسرائيلية من القيام بالخطوة.

وكانت القاهرة حذرة في انتقاد خطة الضم. فهي تتعامل مع تفشي خطير لفيروس كورونا في البلد، وتوازن الأزمات المختلفة على حدودها، ولا تستطيع الحكومة تنفير حلفاء قريبين، خاصة إسرائيل وأمريكا، بحسب ما قاله المحللون.

ويبدو أن المسؤولين الأردنيين على العكس، فهم يعملون على مدار الساعة لمنع الضم. وقال رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز في أيار/ مايو بأنه إن قامت إسرائيل بالضم، فإن الأردن سيراجع كل وجوه العلاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك اتفاقية السلام في عام 1994.

وحذر الملك عبد الله في مقابلة مع دير شبيغل، في أواسط أيار/ مايو، أنه إن قامت إسرائيل "فعلا بضم الضفة الغربية في تموز/ يوليو، فإن ذلك سيؤدي إلى صراع كبير مع المملكة الأردنية الهاشمية.

 

وقال وينتر: "كل شيء يحصل بين إسرائيل والفلسطينيين مباشرة يؤثر على الأردن، بسبب العدد الكبير للفلسطينيين في الأردن، مصر أقل عرضة، بسبب هذا الواقع الديمغرافي".

ولذلك قام المسؤولون المصريون بانتقاد الضم بشكل عام، دون التهديد علنا بتغيير العلاقة مع إسرائيل.

وقال مكتب شكري في بيان في 24 حزيران/ يونيو: "وزير الخارجية شكري قلق جدا بخصوص التقارير حول خطط الحكومة الإسرائيلية لضم أجزاء من الضفة الغربية، ومن تداعيات مثل هذه الخطوة على السلام والأمن الإقليميين، ويؤكد رفض مصر لأي إجراءات أحادية الجانب خرقا للقانون الدولي".

وتؤيد الحكومة المصرية حل الدولتين بناء على المبادرة العربية للسلام لعام 2002.

وقال وينتر: "سترى مصر هذا كنهاية لعملية السلام. فمن وجهة نظرهم فإن ذلك ليس من مصلحتهم أيضا. يريدون أن يروا حلا يعطي الفلسطينيين حقوقهم، لكنهم أيضا يفعلون ذلك بطريقة تتماشى مع المصلحة المصرية".

وعلى عكس ملك الأردن، الملك عبدالله الثاني، لم يعلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي علنا بخصوص الضم المخطط له منذ كانون ثان/ ديسمبر، عندما اعتبر وعود نتنياهو ضم الضفة الغربية على أنها مجرد "وعود انتخابية".

وكان السيسي بشكل عام داعما لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي كانت الأساس للضم المخطط له. وإن تم تطبيق خطة ترامب كما هي، ستحصل مصر على 9.167 مليار دولار مساعدات.

وقال السفير الإسرائيلي السابق لمصر: "إن السيسي يجلس بهدوء خلف الكواليس، ويستمع وينتظر ليرى أي شكل من أشكال الضم ستقوم به إسرائيل".

وبدا السيسي في ذروة تحكمه. فمنذ أن جاء للسلطة بانقلاب عسكري في 2013، قوى علاقاته بأمريكا وإسرائيل ودول الخليج. وأصبح الاقتصاد المصري الأسرع نموا في الشرق الأوسط. فحصل على ترحيب ومساعدات من صندوق النقد الدولي. وبحملة شاملة استطاع النظام سجن أو إبعاد تحالف الليبراليين والإسلاميين الذين أسقطوا الدكتاتور حسني مبارك.

وفي ليبيا الجارة، راهن السيسي على انقلاب خليفة حفتر في 2014، التي بدت ناجحة. وفي الحرب الأهلية التي تلت، قامت قوات حفتر بالسيطرة على نصف البلد، وحاصرت الحكومة التي تعترف الأمم المتحدة بها في طرابلس.

ولكن اليوم أصبحت مصر بلدا محاصرا بأزمات ملحة داخلية وخارجية.

فبعد التدخل التركي في ليبيا، الذي بدأ في وقت سابق من هذا العام، خسر حفتر عددا من المعارك الرئيسية. وللحفاظ على الوضع الراهن التزم السيسي بإرسال جيش مصري إن تجاوزت الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة محور سرت – جفرة، التي تقول الحكومة في طرابلس إنها تسعى لفعله.

وفي نفس الوقت، كان لأزمة فيروس كورونا على مصر آثار مدمرة على الاقتصاد، الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة وتحويلات المصريين في دول الخليج. وكلاهما تأثر بجائحة كورونا.

وخلال الأشهر الأولى من التفشي، لم تعر الحكومة المصرية اهتماما لحدة الجائحة، وطردت الصحفيين الذين قالوا إن حجم الإصابات أكبر بكثير من إحصائيات الحكومة. ولكن كما تأكد فإن هناك أكثر من 1500 حالة جديدة في اليوم، ولم تعد القاهرة قادرة على إنكار مدى تأثير كوفيد-19 في أنحاء البلاد.

وتوفي عدد من كبار الضباط في الجيش، بالرغم من توفر مرافق صحية خاصة بالجيش. وأصبحت المستشفيات مليئة بالحالات، كما هي شوارع القاهرة المكتظة. وتظهر الفيديوهات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي نساء ورجالا مصابين يجلسون خارج المستشفيات، وينتظرون الشفاء أو الموت.

لكن القاهرة تعتقد أن أكثر التهديدات خطورة تكمن في السد الإثيوبي لتوليد الكهرباء على نهر النيل، وهو ما تقول الحكومة المصرية إنه سيتسبب بنقص الماء الذي يصل مصر سنويا.

ومعظم الأراضي المصرية عبارة عن صحراء قاحلة، ومعظم المدن والبلدات في مصر مبنية على جانبي النيل. ويعيش عشرات ملايين المصرين على جانبيه، ويعتمدون عليه للزراعة ومياه الشرب.

وقال محلل مصري مختص بالشؤون الخارجية بشرط عدم ذكر اسمه: "إن سد النهضة الإثيوبي هو حرفيا مسألة حياة أو موت بالنسبة للقاهرة. وليس رام الله وليس الضم". ومن وجهة النظر المصرية الاستراتيجية، لماذا نضيع وقتنا على تلك الأمور؟"

وسوف تبدأ إثيوبيا ملء سد النهضة خلال الأسبوعين القادمين، بحسب ما أعلنه مكتب رئيس الوزراء آبي أحمد يوم السبت. بينما تسير المفاوضات، ألمحت كل من مصر وإثيوبيا بأن لدى كل منها الاستعداد لحل عسكري.

ولا يؤثر السد الإثيوبي على العلاقات مع إسرائيل بشكل مباشر، لكن مصر تحتاج للدعم الأمريكي لموقفها، بحسب وينتر. وصدام مع إسرائيل بسبب الضم قد يثير احتجاجات في واشنطن، خاصة من أولئك الذين يدعمون الضم.

وقال وينتر: "مصر تعتمد على أمريكا، وتحتاج دعم أمريكا لموقفها ضد إثيوبيا في موضوع سد النهضة، لذلك لا يريدون الدخول في مواجهة مباشرة مع أمريكا بشأن الضم".

وفي بيان في شهر شباط/ فبراير، بعد انهيار المفاوضات التي توسطت بها أمريكا حول مستقبل سد النهضة، قال وزير الخارجية مايك بومبيو إن وظيفة أمريكا ليست "فرض حل" على دول حوض النيل.

ومنذ الانقلاب العسكري في 2013، سعى نظام السيسي لتحقيق علاقات أقرب مع إسرائيل، إلى درجة أن السفير الإسرائيلي السابق في مصر حاييم كورين وصف العلاقات مؤخرا بين البلدين بأنها "أفضل ما كانت عليه أبدا".

وتعتمد مصر على إسرائيل للتعاون العسكري في شبه جزيرة سيناء، حيث هناك تمرد استمر لعدة سنوات. وقال ليفانون: "إن السيسي اليوم لا يستطيع أن يحارب في سيناء من دون إسرائيل. فبالرغم من حجم جيشه لم يكن بإمكانه التعامل مع تنظيم الدولة لاحتوائهم".

كما أن إسرائيل ساعدت مصر في الحصول على رضا أمريكا بعد الانقلاب العسكري الذي قام به السيسي، بحسب ما قاله وينتر.

وفي 2013، قامت أمريكا بتجميد 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية تقدمها سنويا لمصر بحسب قانون أمريكي يمنع دفع المساعدات لبلدان تمت الإطاحة بحكوماتها عن طريق انقلاب عسكري. وأخرت إدارة أوباما الاعتراف بالحكومة المصرية حتى العام التالي.

وقال وينتر: "كان من الصعب للأمريكان خلال إدارة أوباما أن يقبلوا بانتقال (السلطة) غير الديمقراطي في مصر، وساعدت إسرائيل على حصول مصر على اعتراف، ودفعت أمريكا لتجديد مساعداتها لمصر".

كما قويت العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وفي كانون ثان/ يناير، اتفقت مصر وإسرائيل وعدة دول إقليمية على إنشاء منتدى البحر الأبيض المتوسط للغاز، الذي يشجع على التعاون الإقليمي في قضايا الغاز الطبيعي. وبدأت مصر تستورد الغاز الطبيعي من إسرائيل هذا العام.

وفي نفس الوقت، ساءت علاقة مصر مع الفصائل الفلسطينية. فحماس التي تسيطر على غزة منبثقة أصلا من الإخوان المسلمين. وجاء نظام السيسي عن طريق الإطاحة بالإخوان المسلمين، وتنظر للتنظيم على إنه إرهابي.

كما أن النظام شن حملات ضد النشاط المؤيد للفلسطينيين، واعتقلت رامي شعث المنسق المصري لحركة المقاطعة (بي دي س)؛ بتهمة أنه ينتمي إلى "منظمة إرهابية".

وقال المحلل المصري: "هناك تعاطف واسع مع الفلسطينيين، وذلك لن يتبخر، لكن أهمية القضية الفلسطينية ليست كما كانت. فلم تعد هذه فترة عبد الناصر ولا السادات".

إن تم الضم، فإن على القاهرة أن ترد بشكل أو بآخر، بحسب المحلل المصري، الذي شكك بأن رد الفعل المصري سيتجاوز العبارات، مؤكدا أن النظام لا يرى القضية مهمة.

وقال: "سيكون هناك بيانات، وستشير إلى أوسلو وجنيف ومبادرة السلام العربية. وسيقومون بإعادة كل البيانات الدبلوماسية السابقة؛ للتعبير عن معارضتهم للضم. ولكن لا أعتقد أن علاقة نتنياهو بالسيسي سوف تتأثر".

وقال ليفانون إن مدى الضم سيكون أساسيا في مدى صرامة الرد المصري.

فإن قامت إسرائيل بضم التجمعات الاستيطانية، فسيكون هناك رد مصري "معتدل"، ولكن إن قامت إسرائيل بضم مناطق "ج" بطريقة تمنع قيام دولة فلسطينية، فسيكون من الصعب على مصر ألا ترد.

وتساءل ليفانون: "هل سيكون الضم لقمة صغيرة يمكن للمصريين ابتلاعها؟ أم أنها أكبر من أن يمضغوها وسوف تتسبب لهم بغصة؟".

وقال وينتر: "المشكلة بالنسبة لمصر هي أنها تعطي إسرائيل أقل في العلاقة بينهما، ولذلك فليس لديها ما تهدد به إسرائيل. والطريقة الوحيدة التي يمكن لها أن تعطل الطموحات الإسرائيلية ستكون من خلال الانسحاب من منتدى الغاز، ولكن مصر ستؤذي نفسها بذلك؛ لأن المصلحة مشتركة".

ولم يرد من السفارة المصرية في تل أبيب رد بعد توجيه أسئلة لها.

التعليقات (0)