هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر
موقع "ذي كونفرسيشيناليست" الأمريكي مقالا للباحثة المختصة بالشرق الأوسط إليزابيث
تسوركوف، الزميلة في معهد أبحاث السياسات الخارجية، قالت فيه إنه عندما أعلنت الإمارات
بتاريخ 13 آب/ أغسطس بأنها سوف تطبع علاقاتها مع إسرائيل بموجب اتفاقية تمت بوساطة
أمريكية فوجئ العديد من الناس، بمن فيهم شركاء نتنياهو في الائتلاف الحاكم.
ولكن
من وجهة نظر الأطراف المشاركة فإن الاتفاقية معقولة جدا، فهي تخدم مصالح ثلاثة حكام
غير ليبراليين، بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب ومحمد بن زايد المعروف أيضا بالمختصر
م ب ز.
وكان الأردن قد وقع اتفاقية عام 1994 في أجواء من التفاؤل بتحقيق سلام إقليمي وإنهاء الحكم العسكري على الفلسطينيين،
وبالمقابل فإن الصفقة الحالية يحركها تصور مشترك بالتهديدات الإقليمية، أهمها الخوف
من إيران ومن الإسلام السياسي ومن التحرك الشعبي. ويرى كل من نتنياهو والقيادة الإماراتية
كل هذه كعوامل عدم استقرار.
وفي
الاتفاقية كسب للأطراف الثلاثة. فبالنسبة لنتنياهو فإن استعداد الإمارات لتطبيع العلاقات
دون تنازله عن أي أراض –مثل إنهاء احتلال الضفة الغربية الذي دام 53 عاما ورفع الإغلاق
عن غزة– يعتبر تبرئة لسردية اليمين الإسرائيلي على مدى طويل، والتي بحسبها إن حافظت
إسرائيل على قوتها العسكرية ورفضت التنازل فإن المجتمع الدولي والعالم العربي سيقبل
في المحصلة إسرائيل بحسب شروطها هي.
وكان
اليسار الإسرائيلي وعلى مدى أكثر من خمسة عقود يقول بأن عدم إنهاء الاحتلال سيؤدي إلى
عزلة إسرائيل على الساحة الدولية وعقوبات اقتصادية وعنف سياسي، والآن بإمكان نتنياهو
القول إنهم مخطئون وأنه محق.
لم يضطر
نتنياهو للقيام بأي تنازلات مقابل التطبيع. إنه سياسي يتجنب المخاطرة بشكل كبير، وهو
السبب الذي منعه من الوفاء بوعده الانتخابي بضم الضفة الغربية والذي استخدمه لجذب أصوات
اليمين المتطرف. فنتائج الضم ستكون خسارة للعلاقات المزدهرة المفيدة للطرفين بين إسرائيل
وأنظمة دول الخليج والتي لم تصبح رسمية بعد، وتدهور العلاقات مع الأردن وربما انتفاضة
أخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكانت
سياسة نتنياهو على مدى السنوات هي الضم الزاحف للضفة الغربية، دون جعل ذلك رسميا، لمنع
قيام دولة فلسطينية ويتجنب في نفس الوقت الاستياء العالمي وردة الفعل الفلسطينية، وكانت
الأخيرة سوف تكسر حوالي عقدين من الهدوء منذ أن أخمد الجيش الإسرائيلي الانتفاضة الثانية
في 2002.
وبعرضها
التطبيع مع إسرائيل قامت الإمارات برمي حبل نجاة لنتنياهو: فبدلا من الوفاء بوعده الانتخابي
بضم الضفة الغربية يمكنه التلويح بغنيمة السلام. وبتصويره اتفاقية التطبيع على أنها
نجاح دبلوماسي باهر يمكنه صد الانتقادات ضده بشأن سوء التعامل مع جائحة كورونا والتي
تسببت بغضب كبير وتراجع لشعبيته في الاستطلاعات ومظاهرات مستمرة خارج سكنه الرسمي.
وفي نفس الوقت ولإرضاء قاعدته سارع نتنياهو إلى التوضيح بأن الضم لأجزاء من الضفة الغربية
لم يُلغَ ولكنه أجِّل.
وبالنسبة
لترامب، فإن الصفقة تعتبر نجاحا فريدا في السياسة الخارجية في الوقت الذي يستمر فيه
بإساءة إدارة التعامل مع كوفيد-19 وفي التخلف عن المرشح الديمقراطي جو بايدن بفروق
كبيرة. وادعى ترامب أن الصفقة تحظى بشعبية بين اليمين المسيحي الذين يشكلون أكثر مؤيديه
ولاء وقطاع مهم من قاعدته. حيث يعتبر المسيحيون الإنجيليون متعصبين جدا في تأييدهم
لإسرائيل لأسباب عقائدية.
وبينما
سيجد معظم الأمريكيين صعوبة في أن يحددوا موقع الإمارات على الخارطة فإن الصفقة تمثل
خرقا رئيسيا في عزلة إسرائيل الرسمية في الشرق الأوسط. كما أن أي تداعيات سلبية للضم
ولو واجهت إسرائيل شجبا واسعا أو اندلاعا في العنف، فإن ترامب كان في الغالب سيلام
على ذلك، وخاصة أن "صفقة القرن" تضمنت الضم. وبالاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية،
يمكن لكل من نتنياهو وترامب أن يتجنبا الاتهام بأنهما جعلا إسرائيل أقل أمنا أو أكثر
عزلة.
وبالنسبة
للإمارات فإن الصفقة تضمن بأنهم سيتمكنون من الحصول على أسلحة متقدمة تكنولوجيا من
أمريكا. كما أنها ستسهل التجارة بتكنولوجيا التجسس والتي استخدمتها الإمارات في تعقب
المعارضين. وسيكون بإمكان الشركات الإسرائيلية التي كانت تضطر لحد الآن إلى إنشاء واجهات
أوروبية لها للتعامل مع دول الخليج أن تتعامل معها بشكل مباشر وتعقد الصفقات مع الزبائن
الإماراتيين. وبالإضافة للتكنولوجيا التي تحتاجها الإمارات للسيطرة البوليسية على شعبها
تحتاج أبو ظبي إلى تكنولوجيا معلومات، وفي الوقت الذي تستطيع الإمارات الثرية أن تشتري
هذه المنتوجات إلا أن خريجي الجامعات الإماراتيين لا يزالون يفضلون العمل في القطاع
العام المتضخم على أن يقوموا بإنشاء شركات تكنولوجيا.
كما
أن الإمارات تسعى للتزلف لواشنطن، حيث أيد الحزبان الاتفاق، وبغض النظر عمن يفوز في
انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر فإن شعور الإمارات بالقرب من إسرائيل والشعور بأن اللوبي
الإسرائيلي القوي بجانبها مفيد جدا للإمارات. فحلفاء إسرائيل يحصلون على خدمات الضغط
السياسي مجانا. فمثلا قامت ايباك بالضغط على الكونغرس لسنوات لزيادة الدعم المادي للأردن.
ومع أن الإمارات ليست بحاجة للدعم المادي، إلا أن بإمكانها الاستفادة من دعم إحدى أقوى
جماعات الضغط في واشنطن في السعي لتبرير تدخلها الدموي في اليمن وفي ليبيا أو لعملها
كمركز لغسيل الأموال للمقربين من النظام الإيراني والنظام السوري.
كما
أن سحب الضم عن الطاولة يبرر أيضا العلاقات الإماراتية مع إسرائيل. وكان ذلك واضحا
عندما نشر السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة مقالا في صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية،
أحد أكثر الصحف الإسرائيلية انتشارا، حذر فيه من أن الضم سيزعزع استقرار المنطقة ويقوض
اتفاقيات السلام مع دول الجوار ويؤدي إلى تجميد التطبيع مع دول الخليج. وأتبع السفير
ذلك بتسجيل فيديو لصحيفة ذي ناشيونال الإنجليزية في الإمارات قال فيه إنه كتب ذلك المقال
لمصلحة المنطقة والفلسطينيين. ولو قامت إسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية، وخاصة
بعد مقاله، لما كان بإمكان الإمارات تقديم حجة مقنعة لاستراتيجيتها تجاه إسرائيل أمام
الجمهور العربي الذي يتعاطف بشكل كبير مع القضية الفلسطينية.
وجاء
توقيت الاتفاقية متزامنا مع جهود نتنياهو للبقاء في السلطة. ويحتاج نتنياهو إلى أي نجاح لتعزيز
مكانته في استطلاعات الرأي. فبقاؤه السياسي وحتى حريته الشخصية على المحك، فقد تم توجيه
تهم الفساد لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول خدمة وهو ما جعله يدعو لثلاثة
انتخابات على مدى العام الماضي في محاولة يائسة لتشكيل ائتلاف حاكم يسن قانونا يحصنه
من المحاكمة بينما هو في منصبه. وفي حملته للانتخابات الثانية وللحصول على دعم اليمين
المتطرف وعد بأن يضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، فنقل الفكرة من هامش الطيف السياسي
إلى التيار الرئيسي وجعلها تبدو احتمالا واقعيا. وبعرض الاعتراف الدبلوماسي مقابل التراجع
عن الضم واحتمال استخدام الفرص لإخراج العلاقات السرية الطويلة بين البلدين إلى العلن
قدمت الإمارات لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس ترامب بعض رأس المال السياسي
حيث أن كليهما يخسر التأييد الشعبي بسبب سوء تعاملهما مع كوفيد-19. فربما سرعت الظروف
الإعلان عن صفقة كانت قيد الصنع.
وستكون
التداعيات شاملة، فقد كسرت الإمارات محظورا دام فترة طويلة بين الدول العربية بالموافقة
على إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل دون الحصول على تنازلات عن أراض محتلة
(كما فعلت مصر في اتفاقية كامب ديفيد عام ) 1978 ولا حتى وعودا شفوية بخصوص الدولة الفلسطينية
(كما فعل الأردن عام 1994). فبهذه المبادرة تمهد الإمارات الطريق أمام الدول العربية
الأخرى التي لها علاقات شبه علنية مع إسرائيل –مثل البحرين والسودان وعمان– للحذو حذوها.
ويترك الفلسطينيون ليشاهدوا إسرائيل تشدد قبضتها على الضفة الغربية بينما يتبدد أي
ضغط كانوا يعتمدون عليه.
واجتمع
القادة العرب الذين كانوا يرفضون الوجود الإسرائيلي سابقا في بيروت عام 2002 بعد المبادرة
السعودية التي عرضت على إسرائيل عرضا غير مسبوق: تطبيع كامل مقابل انسحاب كامل من الأراضي
المحتلة وحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. وفي وقتها ظن المجتمع الدولي أن العرض
أفضل من أن يصدق، ورفضته إسرائيل تماما في وقتها مدعية أن المبادرة مجرد خدعة تهدف
إلى تدمير الدولة العبرية بإغراقها باللاجئين الفلسطينيين. وبعد 18 عاما يمكن لنتنياهو
أن يتفاخر بأنه أثبت أن بإمكان إسرائيل أن تحصل على كعكتها وتأكلها أيضا.
كما
أن الصفقة تبلور وتزيد من تصلب الخطوط في الشرق الأوسط، فلن يعود تقسيم الدول في الشرق
الأوسط بحسب موقفها من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وقربها أو بعدها من الغرب ولكن
من موقفها من إيران والإسلام السياسي. وإسرائيل في موقع مريح حيث ترى في كل من إيران
والإسلام السياسي تهديدا لها ومعها الإمارات والسعودية والسودان والبحرين والأردن ومصر
والمغرب.
نتنياهو
مرتاح تماما مع كل الحكام المستبدين الذين يحكمون تلك البلدان ويعبرون علنا عن ازدرائهم
للقيم الليبرالية ضد الأعداء الداخليين الذين يفترض أنهم يخططون ضدهم. ومرة واحدة تقوي
الصفقة الإماراتية الإسرائيلية اليمين السياسي الإسرائيلي وتساعد على تقوية الحكم العسكري
على الفلسطينيين وتقوي التحالف الإسرائيلي مع حكام الملكيات غير الديمقراطيين. والمنتصر
الحقيقي هي اللا-ليبرالية.
اقرأ أيضا: عريقات يكتب عن ميلاد "الصهاينة العرب" بعد تطبيع الإمارات