هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انتقد القيادي في حزب الاستقلال المغربي محمد الخليفة بشدة تصريحات الرئيس الفرنسي حيال الإسلام والمسلمين، واعتبرها مناقضة لكل القيم بما في ذلك القيم التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية.
وأعرب الخليفة في حوار خاص مع "عربي21"، عن أسفه للجوء ماكرون إلى أسلوب مهاجمة الإسلام والمسلمين واستخدام ذلك كورقة سياسية استعدادا للانتخابات المقبلة، مؤكدا أن المسلمين الذين يعيشون في فرنسا لم يكونوا عبئا على فرنسا بل كانوا جزءا من بنائها.
وثمّن الخليفة موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الرد على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والموقف المغربي والباكستاني، كما ثمّن ردود الفعل الشعبية العربية والإسلامية معتبرا ذلك دليلا على عمق وعي الشعوب بهويتها الدينية وبخطورة ما أقدم عليه الرئيس ماكرون في تأييده لنشر رسوم الكاريكاتير المسيئة للإسلام والمسلمين.
وفي ما يلي النص الكامل للحوار:
س ـ كيف تقرأ أولا تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الإسلام والمسلمين؟
ـ بكل أسف السيد ماكرون في مواقفه الأخيرة يبدو أنه يبتعد تمام الابتعاد عن العقيدة التي تنهجها فرنسا، وهي العقيدة العلمانية، بكل أبعادها وبكل ما وصلت إليه عبر حقب طويلة من الزمان.
السيد ماكرون يخوض اليوم معركة خاسرة الآن وخاسرة في المستقبل كذلك، وبكل أسف فإنه بموقفه هذا لا يعبر عما يؤمن به الشعب الفرنسي، الذي هو مثل كل شعوب العالم يؤمن بالعدل والحرية والمساواة. ويكفي أن نعرف أن الشعب الفرننسي قام بثورة شهيرة عام 1789، والقيم التي دافع عنها هذا الشعب بكل أسف لا يمثلها السيد ماكرون اليوم.
ويمكنني أن أقول بعبارة أكثر وضوحا أنه بكل أسف إذا كان الشعب الفرنسي على ما وصفت، فإن الحكام الفرنسيين عبر التاريخ، إلا من استثني، وهم قلة، دائما كانت لهم نزعة استعمارية مغالية، وكانوا حاقدين على الإسلام وعلى قتل الشعوب وإخماد الثورات.. للأسف هذا تاريخ الحكام الفرنسيين. والسيد ماكرون يصنف نفسه ضمن هؤلاء الحكام، وما يقوم به اليوم من عداء للإسلام في دولة تضم ملايين المسلمين، ينبئ بأن السيد ماكرون لا يؤمن لا بالعدل ولا بالمساواة، ولا بالقيم التي تقوم عليها الجمهورية الفرنسية..
ولعل السيد ماكرون يريد أن يصنف نفسه، في الخانة التي صنّف فيها أعداء الإسلام من حكام فرنسا، كمثل سانلوي على سبيل المثال.. ومع كل أسف فإن ماكرون اليوم إنما ينفذ جزءا من وصية سانلوي، هذه هي الحقيقة، لأن سانلوي عندما انهزم هزيمته الشنعاء بدمياط في مصر وهو في طريقه إلى احتلال القدس، وخسر في هذه المعركة 30 ألف مواطن فرنسي، وعلى رأسهم شقيق الملك سانلوي التاسع نفسه، عندما رجع وهو منهزم ومنكسر وأدى تلك الفدية الكبيرة للخزينة المصرية من أجل إطلاق سراحه جمع كل المتطرفين من المسيحيين، وقال لهم: اليوم لا يمكن لكم ولا لجيل آخر أن يعتبر بأنه يمكن له احتلال بلاد المسلمين ما دام فيه شيء اسمه كتابهم المقدس، الذي هو القرآن، وبالتالي علينا أن نبتكر أساليب أخرى من أجل احتلال المسلمين، والأمر يطول وهناك ستة مبادئ وضعها وهي للأسف تنفذ على الأرض، وتم تنفيذ جزء كبير منها بداية من القرن الماضي.
إذن ماكرون ليس استثناء من هؤلاء الرؤساء الفرنسيين اليوم، وبكل أسف في القرن الوحد والعشرين تجد فرنسا رئيسا لها يعادي جزءا من شعبه.. هؤلاء المسلمون الموجودون في فرنسا كيف أتوا إليها؟
لقد جاء المسلمون بداية من أجل تحرير فرنسا، التي كادت اليوم أن تتكلم الألمانية ولكن بفضل المسلمين الذين أتوا من تشاد ومالي ومن المغرب والجزائر وتونس ومن كل بلاد المسلمين في إفريقيا وغيرها من المستعمرات الفرنسية، هم الذين حرروا فرنسا، وهذا باعتراف رئيس فرنسي في العصر الحديث لم تكن أخلاقه مثل أخلاق ماكرون هو الجنرال ديغول، الذي اعترف في كثير من المواقع بهذا.. وبالتالي هؤلاء ليسوا شيئا طارئا على فرنسا.. والشباب الذي دخل إلى فرنسا بما في ذلك الذين استعملوا قوارب الموت، هؤلاء كلهم إنما تبعوا ما سمعوه عن فرنسا في بلادهم من عدل ومساواة وحرية، والحقيقة التي يجب أن تقال إنهم تبعوا ثرواتهم المسروقة من بلادهم والتي بها اغتنت فرنسا.. هذا هو الجيل الآخر..
والمسلمون الموجودون في فرنسا هم كفاءات وأطر.. الشعب العربي المسلم أدى ثمن الدراسة في كل المراحل التعليمية، وعندما ذهبوا إلى فرنسا احتفظت بهم من أجل أن تدعم مستقبلها العلمي والفكري والصحي والاقتصادي والاجتماعي.. هؤلاء هم المسلمون في فرنسا..
التطرف لا يوجد في الإسلام، التطرف يوجد في فكر المتطرفين، وبكل أسف أستطيع أن أقول بأن ماكرون اليوم يُصنّف في خانة المتطرفين، لأنه لا أعرف في التاريخ الفرنسي أن رئيسا فرنسيا خطب لمدة ساعة وسط شعبه وبكل الوسائل المتاحة اليوم للهجوم على الإسلام، هذا هو التطرف بعينه.
ماذا سيقول ماكرون لكل هؤلاء الأصناف من المسلمين الذين ذكرتهم؟ ثم إذا كان التطرف هو الذي دعا إليه بهذا الخطاب النشاز، ثم في كل مرة يردد بأنه لن يتنازل قيد أنملة عن الكاريكاتير، الذي يسيء للمسلمين.. الكاريكاتير نوع من التعبير الإعلامي كل شعوب العالم تعرف قوته، ولكن للكاريكاتير حدود مثله مثل الكتابات، لا يمكن أبدا أن نستغل وسيلة من وسائل التواصل من حجم الكاريكاتير من أجل أن نشنع على نبي بين يدي الله منذ 15 قرنا..
هذه ليست حضارة، هذه همجية ووحشية، ولا يمكن قبول مثل هذا المنطق الأعرج.. إن الرسالة المحمدية كما قال سانلوي لا يمكن أن يقضى عليها وفيها القرآن الكريم.
ودعنا من هذا كله، إذا كنا نبحث عن المتطرفين، والمتطرفون هم نتاج السياسات العامة، ولم يخلق إنسان ليكون متطرفا.. وعلى ماكرون أن يراجع دروسه التاريخية وأن يراجع الأفكار التي بنيت عليها العلمانية الفرنسية ليجد نفسه أنه في الطريق الخطأ وفي الزمن الخطأ.. إذا كان هناك مسيحي متطرف أو يهودي متطرف، فهل هذا يدفع برئيس دولة أن يغلق البيع والكنائس؟
ماذا فعلت المساجد حتى يغلقها ماكرون؟ ماذا فعل المسلمون؟ هل يريد ماكرون أن يخترع إسلاما جديدا يطبقه في فرنسا؟ عليه أن يقول ذلك بصراحة كي يقول له علماء الإسلام الرد الصافي، لا يجب أن يختبئ.. لأنه يعرف أن مستقبله السياسي انتهى، فقد جاءت به الامبريالية والقوى الاقتصادية والبنكية.. نحن نعرف من أتى به ونعرف تاريخه، وهو الآن يحاول أن يتقرب من اليمين المتطرف لعله يحصل على بعض الأوراق على حساب ديانة عريقة يعتنقها الملايين من شعبه..
كفى.. يجب على كل من له ذرة من ثقافة وفكر أن يفضح هذا الأسلوب الهمجي، وعلى كل حال إنهم يختبئون وراء مفردة حان الوقت لتفكيكها.. إنهم يتكلمون عن الإسلام ويتكلمون عن الإسلاموية.. لا وجود للإسلامويين.. إن الفكر الذي يؤمن به أمثال ماكرون بكل أسف يريدون من المسلمين أن يتبعوهم ليتحدثوا عن النصراناويون أو المسيحياويون وهذا لن يقوم به أي مسلم أبدا، لأننا نعتبر سيدنا عيسى عليه السلام أحد أنبياء الإسلام، وبالتالي هذا المخطط لن يمر، وعلينا أن نعود إلى الصواب، وأن نقول بأن التطرف لا دين ولا عقيدة له، ولا وطن له.. التطرف موجود في كل الأصقاع والديانات..
والتطرف الموجود في فرنسا اليوم بعد هزيمة ماكرون من طرف السترات الصفر يريد أن يصرف حقده على فشله والذي لم تطاوعه فيه حتى عادية الزمان وفي مقدمتها كورونا، يريد أن يصرف حقده على المسلمين، هذا شيء لا يمكن قبوله، وما دام يصر على هذا الموقف، فإنه لم يفهم لا ثقافة الكاريكاتير ولا الثقافة الدينية ولم يفهم شيئا عن الإسلام الذي يحاربه ولا سر قوته، ولا يعرف المسيحية التي أتى بها سيدنا عيسى عليه السلام..
س ـ هل يمثل الشباب الشيشاني الذي مثل بجريمة القتل مسلمي فرنسا؟
ـ قبل كل شيء هذا المعلم الذي تم قتله، وقيل لنا بأنه تم قطع رأسه هو مات مقتولا غدرا، في الشريعة الإسلامية وفي الإسلام لا يجوز إزهاق النفس ولا إزهاق الروح لأي بشر ولأي شيء ذي روح فبالأحرى القتل والتمثيل.. هذا شيء مدان من الإسلام، ولكن الركوب على هذه الجريمة الشنعاء التي يستنكرها كل إنسان لا تبيح أبدا للسيد ماكرون أن يركب عليها..
والحقيقة أن هذا المعلم الذي قتل غدرا سبب قتله ودمه في عنق ماكرون، لأن هذا الأخير هو الذي جاء لكي يهاجم الإسلام لمدة ساعة في كل أجهزة الإعلام في الدنيا.. بطبيعة الحال سيكون هناك متطرف، لأننا نجاوز الملياري مسلم، وإذا كان واحد منا تفكيره وتكوينه وأسلوبه في الحياة لم يعرف كيف يرد على ماكرون وذهب إلى هذه الوحشية، فهذا لا يمثل لا قيم الإسلام ولا أخلاق الإسلام، على الشرطة أن تعتقله وعلى القضاء أن يحاكمه، فإن ثبتت في حقه الجريمة فليتم إعدامه إذا كانت القوانين الفرنسية تسمح بذلك.. أما أنه يؤخذ ملياران من البشر بتصرف إنسان تصرف ضد قيم الإسلام، فهذا لا يمكن لأي ذي عقل فبالأحرى إنسان يحكم شعبا مثل الشعب الفرنسي أن ينسبه إليه.
إن التطرف في كلمة السيد ماكرون هو التطرف الذي صنع الآخر الذي أجهز على ذلك البريء.
س ـ كيف تفسر قتل المتطرف وعدم إلقاء القبض عليه لمعرفة حقيقته وحقيقة الفكر الذي صنع منه مجرما وحشيا بتلك الطريقة؟
ـ الإسلام أوضح طريقة القصاص، هذا القاتل الذي نفذ جريمة قتل الأستاذ لا يعرف قيم الإسلام ولكن فرنسا دولة الحق والقانون لا يمكنها أن تقتل شخصا من دون أن يمر أمام القضاء.. ومن الواجب أن يتم القصاص من هذا الجاني بأقصى ما يمكن، حتى يكون عبرة لغيره.. أما قتله فهو فضلا عن أنه غيب الحقيقة، فهو أيضا يتناقض كما أشرت مع القيم التي قامت عليها الحضارة الفرنسية.
س ـ ألم يكن بإمكان التحقيقات الأمنية أن تكشف معلومات تساعد في تجفيف ينابيع التطرف؟
ـ لا ريد أن أتهم النوايا، ولا أن أتهم أحدا، ولكن سؤالك له وجاهته، وبالتالي العدل لا يمكن أبدا أن يتم إلا عن طريق القضاء، ولو تم العدل عن طريق القضاء، كان يمكن أن نخلص إلى أن هذا هو القاتل وأن الإسلام بريء من فعلته، أو أنه غير قاتل وإنما تم تقديمه كضحية.. صاحب الكلمة وقتها هو القضاء..
جريمة القتل هي أبشع جريمة في الإسلام، لا يوجد شيء يشبه القتل في الإسلام إلا الحرابة، قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، هذا من القيم الإسلامية الثابتة، ولا يمكن لمسلم أن يقتل نفسا بشرية.. ولكن مع ذلك فإن الواقع هو الذي كان، وكثير من منعرجات التاريخ تسبب فيها إخفاء الحقيقة.
س ـ كيف تنظر لردود فعل قادة العالم الإسلامي على هجوم ماكرون على الإسلام؟
ـ العالم الإسلامي بالنسبة للمسّ بقدسية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس شأنا حكوميا أو رئاسيا بل هو شأن كل مسلم، لأنه في كل تراثنا وفي قرآننا علينا أن نعزر رسول الله ونوقره، هذه مهمة كل مسلم، فلهذا علينا أن نأخذ بالجانب الإيجابي، وأن هذا الغضب العارم الذي يعم كل المسلمين من أقصى أندونيسا إلى أقصى المغرب، هذا الشعور الإسلامي، هذه المبادرات والاحتجاجات، هذا الإحساس بالمهانة في ذكرى مولد نبينا عليه الصلاة والسلام يجاهر رئيس دولة مثل فرنسا بكل هذا العداء للإسلام، هذا هو الأساس، هو ما يقوم به كل مسلم لرد الأمر إلى نصابه.
وهناك بوارق أمل، فما يقوم به السيد أردوغان جزاه الله خيرا عن الإسلام، هذا شيء يسجل في صحيفته مثل أي مسلم، وأعتقد بأن ماكرون، جر من ورائه كثيرا من الخيبات، وفي اعتقاده أن الذي جره إلى هذه الخيبات هو السيد أردوغان وخلط بين أردوغان وبين الإسلام. أردوغان لم يترك لماكرون مجالا في شرق المتوسط، ولا في ليبيا ونحن نعرف من قام بتصفية القذافي، ونعرف بأن أردوغان لم يترك لماكرون مجالا في أذربيجان، كما لم يترك له مجالا في لبنان، ولذلك ربما ذهب تفكيره إلى أن الهجوم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هو هجوم على أردوغان، وبالتالي حتى مقولة أردوغان يجب أن نأخذها في إطارها السياسي، ورغبة فرنسا في أن تلعب دورا في قضايا عالمية على نحو أكبر من حجمها..
فرنسا لا تريد أن تفهم بأن لبنان اليوم ليس هو لبنان الذي قسمه الفرنسيون والإنجليز في الاتفاقية الشهيرة، هذا لبنان آخر مرت منه الدولة العثمانية وتركت في بيروت آثارها العظمى التي استغلتها فرنسا وجعلت منها بلدية وبرلمانا ومقرا للرئاسة.. أعتقد أن على السيد ماكرون أن يتدبر الأمور بشكل أكبر، ويعرف أنه يقود شعبا عظيما مثل الشعب الفرنسي، لا يجب عليه أن يخلط بين الطموحات الشخصية الهوجاء، وبين مقارعة الحق الذي هو واضح.
ليس أردوغان وحده من دافع عن رسول الله، فالمغرب كذلك أصدر بلاغا مهما جدا، من وزارة الخارجية يستنكر استنكارا كبيرا كل ما يمس بقدسية النبي، وكذلك لاحظنا باكستان اليوم، التي أبلغت السفير الفرنسي لديها احتجاجها الصارم.. وأول الغيث قطرة ثم ينهمر..
لكن نرجو أن تتغلب الحكمة وأن يعود ماكرون إلى رشده وأن يقرأ على الأقل التاريخ الحديث الماثل أمامه، يقرأ صورة تلك السيدة التي ذهب إلى المطار ليستقبلها كمسيحية فيفاجأ بأنها مسلمة، يقرأ كل ما كتبه إليه ذلك الإنسان الذي كان يشوه الإسلام في هولندا والله هداه بعد ذلك..
س ـ الهجوم على الإسلام والمسلمين جاء من الرئيس الفرنسي لكننا لم نجد شخصية موازية ردت عليه باستثناء الرئيس أردوغان.. وهناك كتاب عرب محسبون على أنظمة عربية معروفة يقولون بأن ماكرون لم يهاجم الإسلام بل هاجم الإسلاموية.. كيف تقرأ هذا الموقف؟
ـ لا يجب أن نأخذ الأمور على ظواهرها، أنا شخصيا ضد قيام حرب دينية، أنا ضد الحروب الدينية، وموقفي مما وقع للإسلام سواء من الشرق عندما هوجم من التتار أو من الغرب عندما جندت أوروبا قواتها من أجل احتلال القدس.. أنا أعتبر أن هذا زمن مضى، وأرجو من المفكرين والكتاب المسلمين ومن كل فكر نير في العالم أن لا ينحت شيئا من الإسلام يسميه الإسلاموية، ليبحثوا عن شيء آخر ليتسمية هؤلاء المتطرفين إذا لم يكن وصف التطرف كافيا.. إن الغرب ودهاة المسيحية يتصرفون بأسلوبين: عندما يقوم مسيحي بقتل المسلمين لا توصف ديانته، وإنما يقولون بأنه مريض نفسي أو متطرف قتل المسلمين، وانتهى الأمر ولا يتحدثون عن مسحاوية، ولذلك فأنا منزعج من هذا المصطلح الإسلاموية، لأنه منحوت من الإسلام.. والذي يقوم بأي عمل متطرف ليس بمسلم..
س ـ هناك تدافع سياسي تعرفه المنطقة العربية، وهناك خصومة سياسية بين دول عربية بعينها وتيار الإسلام السياسي.. وهنالك شبه تحالف بين هذه الأنظمة وفرنسا ضد هذا التيار الإسلامي.. هل تبرر خصومة بعض الأنظمة العربية مع الإسلاميين تحالفهم مع فرنسا في هذه المعركة؟
ـ في الواقع هذا شيء مضحك ومؤلم، فالذي لا يسمح بالأحزاب والتعددية وتيارات فكرية وسياسية، لا يمكنه أن يحارب أحزابا في دول إسلامية عربية تؤمن بالتعددية وقيم العصر..
بالنسبة للذين تعنيهم، أعتقد بأن المطلوب منهم قبل أي شيء أن يدخلوا إلى العصر وأن تدخل أنظمتهم إلى عصر الحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة وتكوين الأحزاب والمجتمع المدني والانتخابات النزيهة.. عندما تقوم هذه الأنظمة على هذا الأساس، وقتها يمكنك أن تطرح علي السؤال وسأجيبك.. أما الذي يعيش بعقلية خارج الزمان كيف تريدني أن أقول له: إن هناك شيئا في العالم غير ما تؤمن به!
الآن بكل أسف ترى أن هذه الأنظمة يهمها شيئان: كيف يمكن لهم أن يدعموا ترامب للفوز بالانتخابات، وكيف يمكن لهم أن يقفوا مع نتنياهو حتى لا يحاكم.. والآن ينخرطون في الجواب عن السؤال كيف يمكنهم أن يوجدوا الطريقة الأنسب من أجل أن تتم إعادة انتخاب ماكرون.. هذا صراع قوي وكبير وله أبعاده السياسية والأخلاقية..
إذا كنا بالفعل مسلمين علينا أن نرجع فقط إلى أصول الحكم في الإسلام، أما أن نقضي على كل تيار يريد أن يعيد لهذه الأمة الوعي بحقيقة دينها تحت شعار أنهم يستخدمون الدين، فلا أعتقد أن هذا فكر رشيد يمكن أن تقوم عليه أسس دولة حديثة.. ولينظروا في العالم، وفي ألمانيا تحديدا رئيستها هي رئيسة لحزب مسيحي ولم يقل أحد في أوروبا أن هذا الحزب هو حزب ديني..
إن الذي يتخلى عن أشيائه الصغيرة ويتخلى عن كرامة أمته وعن لغة العصر، ولا يؤمن بالقيم الدينية التي جاء بها ديننا، لا يمكن أبدا أن نطلب منه أن يعطينا شيئا أكثر مما هو عليه.. وبالتالي أعتقد أن مثل هذه المواقف ربما ستعطي إشعاعا وقبسا من نور وسط المجتمعات الإسلامية..
س ـ حملة المقاطعة التي دشنها فاعلون جمعوين لتوجيه رسالة إلى القيادة السياسية الفرنسية لتغيير نهجها في التعامل مع الإسلام والمسلمين.. كيف تقرأها؟
ـ دعنا نتكلم بصراحة، الموقف الآن هو موقف شعبي على مستوى الدول الإسلامية يتعلق ببعض الأشياء البسيطة التي تباع في المتاجر.. هذا له دلالة رمزية قوية بأن الشعوب تريد أن تكون قياداتها وحكوماتها في المستوى من أجل أن تبادر من أجل تلقين هذا الدرس.. فرنسا لن تتضرر كثيرا.. نعم المقاطعة ستكون ذات جدوى عندما نقاطع السلاح الفرنسي وعندما نقاطع البوارج والعطور والملابس والموضة الفرنسية.. عندما نقاطع السياحة في فرنسا، وهذا ليس بيد الشعوب.. ولكن هذا أمر يتم تدبيره من الحكام.. علينا أن فكر جيدا في وضعنا وأن لا نحمل أيضا حكامنا ما لا يحتملون، ولكن هذه إشارة من الشعوب لها دلالتها.
وقد شعرت بذلك الحكومة الفرنسية من خلال موقف وزير الخارجية الفرنسي، الذي وصف المقاطعين بالمتطرفين، وهذا غير مقبول، لأنه لا يمكن أن نسمح بوصف تجارنا على مستوى العالم الإسلامي بأنهم جميعا متطرفون.. إن وزير الخارجية الفرنسي بموقفه هذا يريد أن ينكأ الجراح.. وعلى المسؤولين في فرنسا أن يتعاملوا مع شعوب أخرى في عصور مختلفة عن السابق..
س ـ ختاما كيف تنظر لموقفي جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي من تصريحات ماكرون تجاه الإسلام والمسلمين؟
ـ في إطار المكاشفة، أعتقد بأنه عندما استقلت كل الشعوب العربية كان من الواجب أن تتوقف ما تسمى بالجامعة العربية، وأن تنشأ جامعة أخرى للشعوب العربية، بنهج جديد وبتفكير جديد وبأسلوب جديد وبمعطيات جديدة، وبمنهجية جديدة، وبتكوين جديد حتى تكون في مستوى التحديات التي يعرفها العصر.. أما هاته الجامعة منذ سنة 1956 عندما كانت هناك أفكار لإعادة بنائها، منذ ذلك الزمان ونحن ننتظر حتى أصبحت الجامعة العربية إنما هي جامعة لمن يستطيع أن يكيفها بكل إمكانياته، حتى غدت ثقلا على الإنسان العربي..
بالنسبة لمنظمة التعاون الإسلامي كما فكر فيها الأولون وعلى رأسهم المغفور له الحسن الثاني رحمه الله، في كل مرة قضم منها فرة حتى أصبحت على ما هي عليه.. هذه منظمات إذا أردنا أن يؤمن بها الشعب العربي فعلينا أن يتداعى مفكرو العالمين العربي والإسلامي من أجل إعادة صياغتها لكي تقوم بدورها المطلوب.