هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
صعد اسم دولة الإمارات العربية المتحدة في الشرق الأوسط بسعيها الدؤوب ضد الثورات العربية والربيع العربي المندلع عام 2011، لتقود الإمارات جبهة الممالك والدول العربية المنزعجة من التغيير وما قد يأتي به من انفتاحٍ في الحياة السياسية. ولم تكتف الإمارات بقيادة جهود «الثورة المضادة» داخل المنطقة فحسب، بل نقلت المعركة للخارج، لأهم عاصمة سياسية في العالم: واشنطن.
لكنّ «الحج الإماراتي» لواشنطن مختلف عن غيره، فاللوبي الإماراتي من أكبر لوبيات الشرق الأوسط حجمًا وأكثرها إنفاقًا، وإن كان من اللوبيات الجديدة في واشنطن، فتأسيسه الفعلي لم يبدأ إلا قبل الربيع العربي بسنواتٍ قليلة.
عمل فريق «ساسة بوست» على قراءة وتحليل أكثر من 766 وثيقة تخصُّ دولة الإمارات في قاعدة بيانات وزارة العدل الأمريكية التابعة لقانون «فارا»، وتكشف الوثائق عن تفرُّعات اللوبي وتحرُّكاته، وعن تحالفات الإمارات مع أطرافٍ مختلفة مثل اليمين الأمريكي المُتشدِّد والمعادي للإسلام، ومع الجماعات المناصرة لإسرائيل.
وبحسب الوثائق فمنذ عام 2011 بلغت مدفوعات اللوبي الإماراتي «المُعلن عنها» في واشنطن 132 مليون و716 ألف دولار أمريكي. دفعت مقابل خدمات ضغط سياسي، أو حملات علاقات عامة لتحقيق المصالح الإماراتية في واشنطن.
مدفوعات اللوبي الإماراتي المُصرح عنها في واشنطن خلال العقد الماضي (2010-2020) وصلت إلى 132 مليون و716 ألف دولار.
* وفقًا لوثائق وزارة العدل الأمريكية
في هذا الموضوع نرسم صورةً عامة وشاملة – قدر الإمكان – عن اللوبي الإماراتي، نبدأها بالتأسيس الفعلي له عام 2008، ونستعرض أهم وجوه اللوبي والعاملين فيه، وشركاته الكبرى وأجندتها وأسلوب عملها. وباختصار هذا الموضوع هو مُوجز عمل اللوبي الإماراتي في واشنطن خلال العقد الأول للربيع العربي.
تنويه: مسمى «اللوبي الإماراتي» في هذا التقرير يشمل الأفراد والشركات، والجهات الإماراتية الحكومية والخاصة، وجميع من مثّلوا مصالح دولة الإمارات في الولايات المتحدة.
لم يكن هناك لوبي إماراتي حقيقي قبل تعيين يوسف العتيبة سفيرًا للإمارات في الولايات المتحدة. جاء التعيين في يوليو (تموز) 2008، وقبله كانت معظم عقود الإمارات في أمريكا عن طريق إمارة دبي ومؤسساتها المالية والسياحية، إما لإنجاز صفقاتٍ استثمارية أو لخدماتٍ ترويجية للسياحة في دبي.
قبل قدوم العتيبة، حاولت الإمارات الاستحواذ على ستّة موانئ أمريكية، من خلال شركة موانئ دبي، فقاد السيناتور الديمقراطي شاك شومر حملةً ضارية في الكونجرس لتصنيف هذه الاستحواذ باعتبارها «خطرًا قوميًا» على الولايات المتحدة، وحوَّلَ النقاش بشأنها لتصبح قضية أمن قومي. وضغط الكونجرس ضدّ الصفقة التي دافعت عنها إدارة جورج بوش الابن، ولكنّ الكونجرس ضغط حتى تراجعت شركة موانئ دبي، وكانت هذه أولى معارك اللوبي الإماراتي في أمريكا وأقساها.
ومع دخول الاقتصاد العالمي في أزمة عام 2008 وانشغال وضعف دبي بأزمتها وديونها، اتّسع نفوذ ولي عهد إمارة أبوظبي، محمد بن زايد، وبدأت الإمارات خطةً لإعادة التموقع في المنطقة، وبالتالي في واشنطن.
وفي هذه اللحظة يحلّ العتيبة سفيرًا في واشنطن لينفذ الرؤية الجديدة ويبدأ بحملة توظيف موجّهة لالتقاط مواهب وشخصيات تعرف مداخل واشنطن وأساليبها، فوظّف العديد من الشركات الكبرى في مجال اللوبيات منذ وصوله، بعضها يعمل حتى اليوم لصالح أبوظبي، وفيما يلي موجزٌ سريع عن الشركات والشخصيات التي رافقت العتيبة منذ وصوله:
توقيع يوسف العتيبة، السفير الإماراتي إلى واشنطن، وبجانبه توقيع هاجر العوض، واحدة من أنشط العاملين في اللوبي الإماراتي، والعقد لشركتها مع السفارة الإماراتية. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.
للاطلاع على تفاصيل عمل شركة أكين جامب للإمارات من (هنا).
بعد وصوله لواشنطن سفيرًا، انتقى يوسف العتيبة بعنايةٍ فائقة فريقه الذي سيعمل معه في السنوات التالية، وشكّل فريقًا من الشباب والخبراء لإدارة الملفات السياسية للإمارات في واشنطن، وعلى سبيل المثال بعد وصوله لواشنطن عيّن العتيبة أمي ليتيل توماس، التي كانت مسوؤلة في وزارة الخارجية في عهد جورج بوش الابن، لتعمل في السفارة الإماراتية مسؤولة للبروتوكول.
وفي الشؤون التشريعية والعسكرية، اعتمد على هاجر العوض، السودانية الأمريكية الشابّة آنذاك، والتي بدأت العمل في السفارة في عمر 28 عامًا، وشملت مهامها التواصل مع الكونجرس والتنسيق مع الجهات الأمريكية.
ومن خارج السفارة، اعتمد العتيبة على مُحرّك اللوبي الإماراتي، ريتشارد مينتز، المدير الإداري في مجموعة هاربور للضغط السياسي، والخبير في شؤون العلاقات العامة.
وأثناء تأسيس اللوبي عام 2008، اعتمد العتيبة بشكلٍ كبير على شركتين، الأولى شركة المحاماة العالمية التي ركزت على إتمام الاتفاقيات الثنائية مثل البرنامج النووي السلمي، والثانية مجموعة هاربور للعلاقات العامة والتي شبّكت مسؤولين في الحكومة الإماراتية مع مراكز الأبحاث الأمريكية، وجهات إعلامية، والمنظمات المناصرة لإسرائيل.
في 2017 خرجت هاجر العوض من السفارة لتؤسس شركتها الخاصة لتعمل الشركة لصالح اللوبي الإماراتي، وعملت فيها ثلاث سنوات لتعود عام 2020 للعمل في شركة أكين جامب، لصالح الإمارات مجددًا.
لكنّ اللوبي الإماراتي لم يقتصر على توظيف شركات الضغط فقط، بل مثَّلت جهات أخرى المصالح الإماراتية مثل «مجلس الأعمال الإماراتي الأمريكي» الذي لعب دورًا مهمًا في هندسة وإنجاز الاتفاقيات الثنائية بين البلدين. وتأسس المجلس عام 2007 بعد لقاء جمع جورج بوش الابن ومحمد بن زايد لإنهاء أزمة شركة موانئ دبي العالمية، ويترأس المجلس داني سيبرايت، الذي عمل سابقًا في وكالة الدفاع الاستخباراتية، وهي وكالة استخبارات تابعة للبنتاجون، ولسيبرايت ملفٌ عامر بالعمل في الشرق الأوسط، إذ نسَّق صفقات سلاحٍ إسرائيلية أمريكية.
وعادة ينسّق المجلس لقاءات مع أعضاء في الكونجرس أو موظفين في الحكومة الأمريكية، مثل عشاءٍ مع السيناتور الجمهوري روي بلانت، بمناسبة انعقاد الألعاب الأولمبية الخاصة العالمية في أبوظبي عام 2019، وحضر هذا اللقاء داني سيبرايت وهاجر العوض.
ونذكر أسلوبًا آخر يتّبعه اللوبي الإماراتي يميزه عن باقي اللوبيات الخليجية والعربية عمومًا، بتجهيزه لبحوثٍ من بيانات وأرقام عن العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين الإمارات والولاية التي يمثلها السياسي الذي يريد اللوبي التواصل معه، سواءٌ مسؤول حكومي أو عضو كونجرس يمثّل هذه الولاية، وتكون هذه التقارير أداةً للتركيز على المصالح المشتركة المباشرة بين الطرفين، واستفتاحًا للضغط على هؤلاء السياسيين لتأييد الإمارات في الكونجرس.
وببساطة تتحدث الأرقام: كلما زادت الاستثمارات زادت فرص العمل، وكان للسياسي أن يباهي بإنجاز جديد في سيرته ليكسب ناخبين جددًا.
ومن أهم أنشطة اللوبي تواصله المكثّف والحثيث مع مختلف المراكز البحثية في واشنطن على اختلاف توجهاتها السياسية، والعمل على تنسيق رحلات لباحثيها لزيارة الإمارات والتجوّل فيها.
«تكشف الوثائق عن تفرعات اللوبي وتحركاته، وعن تحالفات الإمارات مع أطراف مختلفة مثل اليمين الأمريكي المتشدد والمعادي للإسلام، ومع الجماعات المناصرة لإسرائيل»
وعملت الإمارات خلال السنوات الماضية على بناء شراكات بحثية مع بعض هذه المراكز، بتمويل مشاريعها المختصّة بالشرق الأوسط أو الشؤون العربية، ولهذه المراكز أهمية خاصة لأنها العقل المفكّر لبعض التيارات داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبعضها يغذّي مؤسسات الدولة الكبرى، مثل «مؤسسة راند – RAND Corporation»، المؤسسة البحثية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية.
تواصل اللوبي الإماراتي خلال العقد الماضي بشكل مركّز مع ست مراكز بحثية، نضع بين أيديكم نبذة مختصرة عنهم جميعًا في النقاط التالية:
مع صعود خطر النووي الإيراني، استطاعت الإمارات إقناع إدارة جورج بوش الابن في نهاية عهدته الثانية ليوافق على تطوير برنامجٍ نوويّ سلمي إماراتي، ووقعوا «اتفاقية تفاهم» مبدئية لتطوير هذا البرنامج عام 2008.
وكان ديفيد سكوت رجل الإمارات لإنجاز الاتفاقية، وسكوت رجل مفتاحيّ؛ إذ عمل في إدارة بوش الإبن مديرًا لشؤون «شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا» في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، وبعد خروجه منه ترأَّس مؤسسة الإمارات للطاقة النووية.
ومع قدوم إدارة الرئيس باراك أوباما للبيت الأبيض، أراد أوباما تطوير نموذجٍ لبرنامج نووي سلميّ ليكون نموذجًا لباقي دول المنطقة، خاصةً مع دخول دول خليجية في حالة النفير والسعي للحصول على برامج نووية موازية للإيراني لتأمين نفسها.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2009، وقَّعت الإمارات اتفاقية تطوير برنامجها النووي السلمي، موقعةً على «قانون 123» من قانون الطاقة الذرية لعام 1958، ويشترط هذا القانون على الدول المُطورة الالتزام بالمعايير «السلمية» المحددة، وعدم تخصيب اليورانيوم لإنتاج الوقود النووي أو استخدام الطاقة النووية في أي شكل غير سلمي.
وأحدثت اتفاقية البرنامج النووي الإماراتي جدلًا في الكونجرس بين مؤيدٍ ومعارض، وتساءل خبراء الطاقة عن جدوى البرنامج خاصةً مع تراجع سوق الطاقة النووية، ولأن الإمارات دولة يعتمد اقتصادها على النفط. وردّ اللوبي على المعارضة بتقديم سردية أخرى بأنّ الإمارات ستواجه نقصًا في الطاقة الكهربائية مستقبلًا، وأنّ الاعتماد على الطاقة النووية سيعوِّض حاجتها المستقبلية.
وبعد طرحٍ مناقصة لتنفيذ المشروع، اختارت الإمارات المفاعل النووي لشركة كوريا للطاقة الكهربائية «كيبكو»، مع تصميم نظام الشركة الأمريكية «ويستنج هاوس 80+». وفي عام 2012، أسَّست محطَّة البراكة النووية في أبوظبي، وأعلن في سبتمبر (أيلول) 2020 عن وصول المفاعل أولى محطة البراكة النووية إلى 50% من طاقته الإنتاجية.
فيما يلي نُلخِّص لك بنقاطٍ سريعة جهود اللوبي الإماراتي لتطوير البرنامج النووي السلمي:
ووظّفت الشركة الإماراتية «مجموعة كامستول» الأمريكية، وهي من أهمّ أجزاء ترسانة اللوبي الإماراتي، يديرها مسؤولون كبار عملوا سابقًا في وزارة الخزانة وتحديدًا في قسم الجرائم المالية و«الإرهاب المالي»، ويُذكر أنهم عملوا لصالح الإمارات فورَ خروجهم من الوزارة.
وتكشف وثائق الشركة عن تواصلها مع صحافيين أمريكيين ذوي اتجاهاتٍ يمينية، لكتابة مقالات تشويهية عن قطر والإخوان المسلمين، ومنذ 2012 بلغت مدفوعات الإمارات للشركة 41 مليون دولار، لتكون الأعلى كلفة بين شركات اللوبي طوال العقد الماضي، ورسومها كلّفت تقريبًا ثلث مدفوعات اللوبي الإماراتي خلال العقد الماضي.
يمكنك الاطلاع على تفاصيل الضغط من أجل البرنامج النووي الإماراتي من (هنا).
«علاقاتنا العسكرية مع الإمارات استثنائية ويحيطها الاحترام المتبادل، وتاريخ طويل من التشارك العملياتي»
* جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي (2017-2019)
الإمارات من أهم زبائن السلاح الأمريكي، وقد وقَّعت خلال العقود الماضية العديد من الصفقات الدفاعية مع الولايات المتحدة، وللإمارات مثل غيرها علاقاتٌ مباشرة مع الشركات الدفاعية الأمريكية الكبرى.
وعلى سبيل المثال، تعود علاقتها مع شركة لوكهيد مارتن، كبرى شركات الدفاع الأمريكية، لما قبل الألفية، ووقعت الإمارات معها عام 2000 صفقةً بقيمة 6.4 مليار دولار لبيع 80 مقاتلة «إف-16» للإمارات، بموافقة الإدارة الأمريكية. وتبعتها صفقاتٌ أخرى لشراء الطائرة، مثل التي تمَّت عام 2014، وفيها اشترت الإمارات 30 طائرة أخرى.
ولم تقتصر الصفقات على الطائرات، فقد استطاعت الإمارات إقناع إدارة جورج بوش الابن ببيعها منظومة «ثاد» الدفاعية الصاروخية، وتُصنِّعها نفس الشركة الأمريكية، إلا أنّ الصفقة تعطَّلت حتى وافق عليها الكونجرس نهاية عام 2011، في الموجة الأولى من الربيع العربي، لتكون أول صفقة بيع خارجي للمنظومة الدفاعية القادرة على تدمير الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى.
وقبل التصديق على صفقة السلاح لعام 2011، قابل وزير الدفاع روبيرت جيتس ولي العهد الغماراتي محمد بن زايد في قصره في أبوظبي، وكان يوسف العتيبة حاضرًا في هذا الاجتماع.
جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي السابق (2017- 2019) في «مجلس محمد بن زايد» بالإمارات.
وبعدها بأسابيع قليلة، سافر وفدٌ إماراتي على رأسه بن زايد للقاء الرئيس أوباما لنقاش «الاستقرار ومحاربة التطرُّف في المنطقة»، وفي هذه الزيارة نسَّق الوفد عشاءًا حضر فيه آنذاك، وزير الدفاع روبيرت جيتس، والأدميرال مايكل مولين رئيس هيئة الأركان، وليون بانيتا «رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي ايه)»، والذي أصبح بعدها بشهور وزيرًا للدفاع، وضمّ الاجتماع أيضًا جيمس ماتيس، قائد قيادة القوات المشتركة، ووزير الدفاع الأول لترامب.
وفيما يلي نقاطٌ موجزة عن العمل الإماراتي في الملفات الدفاعية الأمريكية طوال العقد الماضي، وبعضًا من جهود اللوبي:
وكان بانيتا أحد الحاضرين في المنتدى الإستراتيجي العربي لعام 2016، وهو المنتدى الذي يروّج في مؤتمراته السنوية لما أسماه بـ«التكاليف المباشرة لفوضى الربيع العربي»، وقيمتها بحسب المنتدى تصل إلى 833 مليار دولار.
من اتصالات شركة أكين جامب مع وزارة الدفاع الأمريكية، وتحديدًا مع وزير الدفاع ليون بانيتا (يوليو 2011 – فبراير 2013). المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.
وبعد خروج بانيتا من منصب وزير الدفاع سافر لأبوظبي لإلقاء محاضرة قال فيها أنّ أمام دول الخليج ثلاث إلى خمس سنوات لقيادة وتصويب مسار العالم العربي وإلا ستسير الأمور في الاتجاه الخاطئ، ونصح بانيتا الإمارات والسعودية ببناء قدراتهم العسكرية لمواجهة إيران.
وفي مارس (أذار) عام 2012، تواصلت شركة أكين جامب مع بانيتا «لطلب مساعدة من الجيش الأمريكي»، وتواصل اللوبي الإماراتي مع بريان موريسون، نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون مجلس النواب (منصب تنسيقي بين البنتاجون والكونجرس)، لمناقشة احتمالية صفقة دفاعية إلى الإمارات.
وفي نفس الفترة نسقت هاجر اجتماعًا لوفد من وزارة الدفاع الإماراتية لرابطة الجيش الأمريكي «AUSA» وإدارة أمن تكنولوجيا الدفاع «USG/DTSA»، وحضر هذا الاجتماع بيدكي مايكل، مستشار إقليمي للشرق الأوسط في وزارة الدفاع، وناتاليا دين، تعمل في مكتب الشراكات الدفاعية في السفارة الأمريكية في أبوظبي.
كانت الإمارات من أوائل الدول المُنضمّة للتحالف السعودي في حرب اليمن عام 2015، ودخلتها بتركيزٍ على المناطق الساحلية والموانئ، ولكن ظلّت الحرب مُهدَّدةً بالتعطّل مع كل تشريعٍ قدّمه الكونجرس لوقف الدعم الأمريكي لحرب اليمن، فماذا يعني وقف الدعم؟
إذا حظرَ الكونجرس دعم التحالف في حربه في اليمن، قد يقرّر منع استخدام الأسلحة الأمريكية في الحرب، مثل الطائرات أو الصواريخ أو العتاد والذخيرة الأمريكية، وستُمنَع أجهزة الاستخبارات الأمريكية المختلفة عن التعاون في اليمن مع دول الخليج المنخرطة في الحرب، عدا عن الخطر الأكبر: وقف صفقات السلاح لهذه الدول.
وبالطبع لو صَدَرَ من الكونجرس قرارٌ يمنع أمريكا من المشاركة في الحرب لأزال الغطاء الأمريكي عن الحرب، ولخطورة هذا الملف أطلق اللوبي الإماراتي معركته الخاصة في واشنطن للتأكُّد من استمرار الدعم الأمريكي للحرب.
وفي بداية 2016 أسَّس العتيبة قسمًا في السفارة الإماراتية للشؤون السياسية والعسكرية، وعيّن هاجر العوض (مساعدة العتيبة ووجه اللوبي الإماراتي في الكونجرس) رئيسةً للقسم، وبعد خروجها من السفارة لتأسيس شركتها «هاجر العوض وشركائها» للضغط السياسي، عملت هاجر على تلميع دور الإمارات في اليمن، ومعارضة أيّ مشروع قانون يُقدَّم في الكونجرس ضدّ الحرب، أو القوانين المقدمة لتعطيل صفقات السلاح للسعودية والإمارات.
تروِّج الإمارات في واشنطن لمساعداتها الإنسانية في اليمن جزءًا من حملتها الأوسع للضغط ليستمر الدعم الأمريكي للحرب. الصورة من جزيرة سقطرى اليمنية التي تسيطر عليها قوات إماراتية. مصدر الصورة: emirates247
واستأجرت شركة هاجر العوض شركة «أمريكان ديفينس إنيترناشونال – American Defense International» للضغط على الكونجرس والتواصل مع جهات دفاعية أمريكية لضمان تمرير صفقات السلاح.
وفيما يلي نُوجز أهم جهود اللوبي الإماراتي للضغط لاستمرار الحرب في اليمن:
وعملت هاجر على تلميع صورة الإمارات في حرب اليمن بتواصلٍ مستمر مع «وكالة التنمية الدولية الأمريكية (USAID)» للحديث عن أنشطة الإمارات «الخيرية» هناك.
ويُذكر أن العوض اجتمعت مع أحد مساعدي النائب الأمريكي، ولاحقًا اجتمع به خلدون المبارك، رئيس شركة «مبادلة»، وفي شركة الاستثمارية الإماراتية، وناقش في الاجتماع استثمارات الإمارات والشركة في ولاية كاليفورنيا التي يمثلها رو خانا.
في فبراير (شباط) 2021 صرّح النائب خانا لموقع «ذي إنترسبت» بأن العتيبة صرخَ عليه في أحد الاجتماعات، وردّت العتيبة على هذا التصريح قائلًا أنّ ما ذكره خانا لا يتسّق مع أسلوبه المُعتاد في التواصل مع الآخرين، ودعا خانا للمشاركة معه في بودكاسته الخاص ليخوضا «نقاشًا هادئًا ومباشرًا» عن القضايا التي تهمهمها. وردّ النائب خانّا بالموافقة على العرض بشرط أن تطلب الإمارات من المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني، المدعوم من أبو ظبي، أن يُفرج عن الصحفي اليمني عادل الحسني.
وفي النصف الثاني من عام 2019 قدّم السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز مشروعًا يعارض صفقة أسلحة للسعودية والإمارات، وكثف اللوبي الإماراتي جهوده لتعطيل القانون وعملت هاجر العوض على حملةٍ ترويجية تصوِّر دور الإمارات بشكل إيجابي في حرب اليمن، ولكن خرج ترامب مرة أخرى وعطّل القانون باستخدام حق النقض الرئاسي.
وهنا يظهر أثر المال السياسي واللوبيات بوضوح على السياسة الأمريكية؛ أموالٌ عربية تُدفع لتأمين الدعم الأمريكي لحربٍ أدخلت اليمن في ظرفٍ إنساني مأساوي.
بحثت الإمارات عن شركاء لها في واشنطن تتقاطع مصالحها معهم بأي شكل من الأشكال، فسعت للتواصل مع اليمين الأمريكي بتياراته المختلفة، فاليمين يؤيد التحرك العسكري ضدّ إيران، ويؤيد التجريم الكامل لحركات المقاومة الفلسطينية ويدعو لوضع جماعة الإخوان المسلمين على «قوائم الإرهاب»، ولا يهمّ كثيرًا أبناء التيار ما تفعله إسرائيل في الضفة الغربية ولا في غزة.
هذه العلاقة الحساسة لدولة عربية بأغلبية مسلمة مع المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، تخدم الإمارات بعدة أشكال، من أهمها العداء المشترك لقطر التي لعبت دور الوسيط لسنوات في القضية الفلسطينية، واستضافت المكتب السياسي لـ«حركة المقاومة الإسلامية (حماس)».
وتُظهر وثائق وزارة العدل الأمريكية توظيف الإمارات لشركة «مجموعة كامستول – Camstoll Group»، التي يعمل فيها مسؤولون سابقون في الخزانة الأمريكية، ومعظمهم عملوا في ملفات العقوبات الاقتصادية و«تمويل الإرهاب»، وبعضٌ ممن يعملون في الشركة لهم تاريخ من العمل مع قادة الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة، بحسب ما نقل موقع «ذا انترسبت» الأمريكي.
جزء من وثائقي إماراتي يهاجم قطر ويستضيف باحثين من مراكز بحثية مختلفة يتواصل معها اللوبي الإماراتي باستمرار.
ومع فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة صعدَ نجم مستشاره ورئيس حملته ستيف بانون، أحد زعماء اليمين الشعبوي الأمريكي ومن أهم قادته، وهو من المؤمنين بفكرة الصراع بين «الحضارة المسيحية- اليهودية» والحضارة الإسلامية. وبانون من مُهندسي ومؤسسي فكرة الشركة الشهيرة «كامبريدج أنالتيكا» التي اتُهمت بالتلاعب بسلوك الناخبين الأمريكيين في الانتخابات الأمريكية عام 2016 وفي انتخابات في دول أخرى حول العالم، ولقدرات بانون ومكانته في اليمين الأمريكي طلبه اللوبي الإماراتي ليوظف إحدى شركاته للترويج لمواد دعائية ضد قطر.
وفيما يلي موجزٌ سريع لعلاقة اللوبي الإماراتي مع شبكات اليمين الأمريكي:
لاحقًا وُزع هذا الوثائقي في مؤتمر نظمته مؤسسة هدسون البحثية تحت اسم «مواجهة التطرف العنيف: قطر وإيران والإخوان المسلمون»، وتحدث في المؤتمر سياسيون أمريكيون عن دور قطر في «دعم الإرهاب»، ومن بينهم ستيف بانون.
قدّمت دول الحصار قائمةً من المطالب لتفكّ حصرها عن قطر كان من أبرزها إغلاق قناة الجزيرة، ومع الحصار انطلقت معارك اللوبيات في واشنطن، وبدأ اللوبي الإماراتي حملةً شرسةً ضد القناة، وضدّ منصة «AJ+»، المنصة الإعلامية المنتشرة في الولايات المتحدة والتي اشتهرت بتغطيتها المختلفة في الإعلام الأمريكي للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، ودخلت المنصة في مساحات شائكة ووفرت تغطية إعلامية غير مسبوقة عن حركة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، «بي دي إس – BDS».
أرادت الإمارات أن تُسجّل الجزيرة باعتبارها وكيلًا أجنبيًا يُمثِّل مصالح الحكومة القطرية، تبعًا لقانون تسجيل الوكلاء الأجانب المعروف اختصارًا باسم «فارا».
ولكنّ ما معنى تسجيل منصة «AJ+» بصفتها وكيلًا لدولة قطر؟ سيلزم قانون فارا المنصة بالإفصاح عن كافة تحركاتها في الولايات المتحدة وعن الأموال التي تأخذها من قطر، وهنا ينتقل خصوم قناة الجزيرة للمرحلة التالية باتهام القناة بـ«العمل لصالح قطر».
وأثمرت هذه الحملة بأن أمرت وزارة العدل الأمريكية قناة الجزيرة أن تسجِّل «AJ+» وفقَ قانون فارا، ومن اللافت للنظر أن القرار جاء في 14 سبتمبر 2020، أي قبل يومٍ من توقيع اتفاقية التطبيع الإماراتي البحريني مع إسرائيل في البيت الأبيض، واستنكرت قناة الجزيرة القرار وقالت أنّه كان جزءًا من اتفاقية التطبيع.
وهذا الأمر من وزارة العدل يضع الجزيرة في مصاف قنوات تروّج للحكومات التي تموّلها، مثل قناة «روسيا اليوم» المملوكة للحكومة الروسية، وقناة «تي أر تي» المملوكة للحكومة التركية، وقنوات صينية أخرى تملكها الصين.
ومن الجدير بالذكر أن شركة هاجر العوض وزّعت «على نطاق واسع» مقطعًا عنونته بـ«فيديو للجزيرة يُنكر أحداث الهولوكوست»، في إشارة لفيديو نشرته النسخة العربية من منصة «AJ+» يتحدث عن المحرقة ويقول إن دولة إسرائيل استفادت منها. وللمفارقة، تحدث الإعلام الإماراتي والسعودي عن حذف الجزيرة للفيديو مؤكدًا على «انصياع الجزيرة» لإسرائيل وأن القناة «تطرد موظفين.. من أجل إسرائيل».
صورة من مراسلات شركة هاجر العوض العاملة لصالح الإمارات، تُظهر إرسال الشركة لمقطع فيديو لقناة الجزيرة عن الهولوكوست وتوزيعه على «نطاق واسع». المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.
الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، أكبر المنظمات الحقوقية الأمريكية، اعتبر قرار وزارة العدل تهديدًا لحرية الصحافة، وقال مسؤول في الاتحاد أن مواطني الولايات المتحدة يعتمدون على الإعلام ذي المصداقية ليعرفوا آثار سياسات حكومتهم على العالم، وقال: إنّ الحكومة الأمريكية لا يصحّ أن «تسيء استعمال مفهوم قانون الوكيل الأجنبي الغامض لتستهدف مؤسسات الإعلام لغايات سياسية»، وفي النهاية أمرت وزارة العدل الأمريكية بتسجيل المنصة.
وفيما يلي نذكر لكم الخط الزمني للحرب ضد الجزيرة وصولًا إلى قرار وزارة العدل:
«دولة الرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: شكرًا لك لاختيارك السلام ووقف ضمّ الأراضي الفلسطينية مما يعزز إرادتنا المجتمعة لتحقيق مستقبل أفضل للأجيال القادمة»
* عبد الله بن زايد، وزير الخارجية الإماراتي
«بيت العائلة الإبراهيمية»، مشروع أعلن عن افتتاحه نهاية عام 2019 في الإمارات، يجمع معابد لثلاث ديانات سماوية، المسيحية واليهودية والإسلام، وجاء خطوةً في مشوار الإمارات منذ سنوات للتطبيع مع إسرائيل، وعلى واجهة هذا التطبيع تضع الإمارات عبارات التسامح وتقبّل الآخر، دون ذكرٍ للآخر الفلسطيني ولا لحقوقه التي تسلب كل يوم في الأراضي المحتلة.
عمل اللوبي الإماراتي في العقد الماضي على تعميق العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، وساعدت في تحقيق الهدف جماعات الضغط المناصرة لإسرائيل في أمريكا.
وبدأت رحلة التطبيع من واشنطن، بالتطبيع الناعم والتطبيع الثقافي، وبالتشبيك المكثّف مع المنظمات المناصرة لإسرائيل، وقد قادت مجموعة هاربور هذه الجهود، وعلى رأسها ريتشارد مينتز.
يتمتّع اللوبي الإماراتي بعلاقة وثيقة وقوية مع اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، ولعله من أقرب اللوبيات العربية له، وفيما يلي موجزٌ لأهم أنشطة الإمارات في هذا الصدد:
بعد التحرُّك العسكري في مصر وإطاحة الرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013، دعا بعض أعضاء الكونجرس الرئيس أوباما للاعتراض على ما حصل وضغطوا ليصف تحرك الجيش بـ«الانقلاب»؛ ما سيلزم إدارة أوباما قانونيًا بقطع كامل المساعدات عن مصر، وقيمتها على الأقل مليار و300 مليون دولار تذهب للجيش المصري.
ومن أبرز هؤلاء السيناتور الجمهوري جون ماكين الذي صرَّح بأنّ على أمريكا تعليق المساعدات إلى حين «وجود دستور جديد وانتخابات عادلة وحرة» في مصر، وفي الكونجرس أصوات أخرى أقل حدة من ماكين وأكثر قلقًا على أمن إسرائيل، مثل السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية آنذاك، والذي اكتفى بالمطالبة باستعمال المساعدات الأمريكية للضغط على الجيش المصري لينقل السلطة لحكومةٍ مدنية.
وفي يوليو 2013، تواصل اللوبي الإماراتي مع مكاتب الشيوخ بوب مينينديز، وزميله السيناتور الديمقراطي جاك ريد، الذي كان يتساءل عن جدوى قطع المساعدات عن الجيش المصري، وتواصل اللوبي الإماراتي في تلك الفترة مع مراكز أبحاث لمناقشة التطورات في مصر.
وكشف موقع «ذا إنترسبت» بتسريبات من إيميل العتيبة أنّ الإمارات دفعت 3 ملايين دولار نيابةً عن مصر في عقد ضغط سياسي لصالح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وفي نهاية عام 2019، تعاقدت شركة موانئ دبي مع آري بن ميناشي، الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وكان الهدف الأساسي من العقد هو الحصول على عقد لمدة 20 عامًا للاستحواذ على الميناء الجنوبي في بورتسودان في السودان. نصَّ العقد على أنّ بن ميناشي سيضغط على الحكومة والاستخبارات الأمريكية لحصول الإمارات على هذا العقد. وجديرٌ بالذكر استئجار المجلس العكسري الانتقالي السوداني لآري بن ميناشي، وكذلك نبيل القروي المرشح الرئاسي التونسي السابق، وكذلك حليفة حفتر وعقيلة صالح.
لقراءة كامل تفاصيل هذا التعاقد اضغط هنا.
استأجر يوسف العتيبة شركة «تيراكيت إل إل سي – Terakeet LLC» المتخصِّصة في خدمات الـ«إس إي أو – SEO»، لتحسين نتائج البحث عنه في محرِّك «جوجل»، بعد أن تصدّرت عناوين صحافية ناقدة له نتائج البحث عن اسمه في المحرك، واستطاعت الشركة بالفعل أن تغيّر ترتيب النتائج عن السفير، لتبرز في البداية صفحة العتيبة في موقع السفارة الرسمي، ثم موقعه الشخصيّ، وثم حسابه على منصة «لينكدإن».
ومقابل هذه الخدمات دفع العتيبة 350 ألف دولار أمريكي، ويُذكر أن مدير الشركة هو ماك كامينكز، مدير الشؤون المالية والإنترنت للحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون عام 2008.
وتظهر وثائق اللوبي الإماراتي تعاقدًا مع شركة «تي جي آر أدفايزوري للخدمات – TRG Advisory Services»، ومالكها ديفيد روثكوبف، المدير التنفيذي السابق لمجلة «فورين بوليسي» ورئيس تحريرها من عام 2012 حتى 2017. وبعد خروجه من المجلة وظّفته الإمارات ليُقدِّم خدمات استشارية وإعلامية منها تنسيق إنتاج «بودكاست» يدير جلساته السفير يوسف العتيبة، وحتى كتابة هذه السطور تلقت الشركة مليونًا و330 ألف دولار مقابل خدماتها.
من تعاقد السفير الإماراتي يوسف العتيبة مع شركة «تي جي آر» المملوكة للصحافي الأمريكي ديفيد روثكوبف، رئيس تحرير مجلة فورين بوليسي ومديرها التنفيذي سابقًا بين 2012- 2017. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.
اقرأ أيضا: تحقيق.. البحرين شكلت أول لوبي مضاد للثورات في واشنطن
اقرأ أيضا: تحقيق.. اللوبي المغربي الأكثر إنفاقا واستغلالا لسفراء أمريكا