أنهى
الحراك الجزائري سنته الثانية (22 شباط/ فبراير 2019 ـ 22شباط / فبراير 2021)، وما زالت جذوته حية ومستمرة، على الرغم من ظروف جائحة كورونا، والإجراءات الاحترازية المفروضة على الشارع
الجزائري على مدار العام 2020.
يُذكر أن السنة الأولى من
الحراك سجلت تصاعداً نضاليا أبهر العالم، من حيث تنظيمه، وسلميته، ونوعية شعاراته، وصبر واستماتة أصحابه في الالتزام بأسبوعية التظاهر، والأهم إصرار المتظاهرين على عدم الدخول في سياسة شدّ الحبل مع أجهزة الأمن، ومؤسسة الجيش، وكل القيمين على حماية أمن البلاد واستقرارها. وبذلك، استطاع الحراك تحقيق مجموعة من النتائج، من قبيل إرغام الرئيس "بوتفليقة" على الاستقالة، وفتح سلسلة من الإجراءات القضائية في حق رموز من بطانته؛ أثبتت التحريات تورطهم في نهب ثروات البلاد والإثراء بغير حق، وحلحلة الوضع السياسي بانتخاب رئيس جديد، وتكوين حكومة في أعقاب الإعلان عن فوزه وتنصيبه.
السنة الأولى من الحراك سجلت تصاعداً نضاليا أبهر العالم، من حيث تنظيمه، وسلميته، ونوعية شعاراته، وصبر واستماتة أصحابه في الالتزام بأسبوعية التظاهر، والأهم إصرار المتظاهرين على عدم الدخول في سياسة شدّ الحبل مع أجهزة الأمن، ومؤسسة الجيش،
لا شك أن الحراك حرّرَ الإنسان الجزائري من عُقدة الخوف، وأمدّه بقوة الجهر بما يعتمل بداخله، أو يودُّ المطالبة به، أو التطلع إلى تحقيقه. لنتذكر أن التظاهر في الفضاء العمومي ظل شبه محظور في الجزائر منذ العام 2001، أي بعد سنتين من العُهدة الأولى للرئيس بوتفليقة.
وقد دأب الخطاب الرسمي على تخويف الجزائريين بشبح سنوات "العشرية السوداء" (1990-1999)، يهددهم باستمرار بالعودة إلى مآسيها، إن هُم أقدموا على فتح بلادهم على موجات الحراك والتظاهر، بل إن النخبة الحاكمة ذاتها كثيرا ما دافعت عن مقولة أن "الجزائر كانت سباقة لمعرفة ظاهرة الحراك قبل كل البلاد العربية منذ غضب خريف 1988"، وأنها عاشت فصولاً قاسيةً من العنف والعنف المضاد، فُقد نتيجة لهما آلاف المواطنين، أغلبهم أبرياء لا ذنب لهم.
يُذكر أيضا الحراك حرر الإنسان الجزائري من عُقدة الخوف بالجهر بما يعتمل بداخله، أو يودُّ المطالبة به، أو التطلع إلى تحقيقه. لنتذكر أن التظاهر في الفضاء العمومي ظل شبه محظور في الجزائر منذ العام 2001، أي بعد سنتين من العُهدة الأولى للرئيس بوتفليقة. وقد ظل الخطاب الرسمي حاملا سيف سنوات "العشرية السوداء" (1990-1999)، مُهدداً الجزائريين بخطورة العودة إلى مآسيها، إن هُم أقدموا على فتح بلادهم على موجات الحراك والتظاهر، بل إن الخطاب الرسمي ذاته كثيرا ما دافع عن أن الجزائر كانت السباقة لمعرفة ظاهرة الحراك قبل كل البلاد العربية منذ غضب خريف 1988، وأنها عاشت فصولاً قاسيةً من العنف والعنف المضاد، فُقدت من جرائهما آلاف المواطنين، أغلبهم أبرياء لا ذنب لهم.
ولست أدري هل صدفة أم من مكر التاريخ أن الرئيس "عبد المجيد تبون"
أعلن، بمناسبة الذكرى الأولى لانطلاق الحراك، أن يكون يوم 22 شباط/ فبراير من كل سنة "عيدا وطنيا للأخوة والتلاحم"، فأعاد التشديد في خطابه ليوم 18 شباط/ فبراير 2021، على أهمية "الحراك المبارك" بالنسبة للجزائريين، والورش التي فُتحت في البلاد على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية. ومن استمع لنص الخطاب واطلع عليه بإمعان، يستنتج، دون شك، سعي الرئيس إلى تهدئة الأوضاع، والتطلع إلى استيعاب الحراك وفق الرؤية التي تودّ النخبة الحاكمة السير عليها لإصلاح أوضاع الجزائر، أي إدخال تغييرات هنا وهناك، دون المساس بجوهر بنية السلطة وفلسفة تدبير الشأن العام.
نلمس في خطاب الرئيس، والجزائر على اعتاب نهاية السنة الثانية لحراكها الشعبي، أن هناك إصراراً على اعتماد المنهجية ذاتها التي تم التعبير عنها عند حلول الذكرى الأولى العام الماضي، أي الالتفاف على الحراك، بغية توجيهه صوب استراتيجية الدولة والسلطة العميقة
لذلك، نلمس في خطاب الرئيس، والجزائر على اعتاب نهاية السنة الثانية لحراكها الشعبي، أن هناك إصراراً على اعتماد المنهجية ذاتها التي تم التعبير عنها عند حلول الذكرى الأولى العام الماضي، أي الالتفاف على الحراك، بغية توجيهه صوب استراتيجية الدولة والسلطة العميقة السائدة منذ عقود. ولعل العديد من الباحثين، والمتابعين للشأن الداخلي الجزائري، محقون في قولهم أن كل ما حصل في هذا البلد، منذ انطلاق الحراك، لم يمس بعد "الكتلة الصلبة" المتحكمة في النظام الجزائري، وأن مسؤولين قُدموا وقوداً قصد التسويق لوجود إصلاحات حقيقية في رأس النظام؛ لا تعدو أن تكون مجرد "ذرّ الرماد في العيون"، لإبقاء الحال على ما هو عليه، والاستنكاف عن فتح الطريق أمام تغيير حقيقي في الجزائر.
والحال أنه كما لم تُقنع الإجراءات التي أقدمت عليها السلطة في حق أفراد من بطانة الرئيس "بوتفليقة" مكونات الحراك وقادته - وقد تمّ التعبير عن ذلك في حينه - فإن التعديلات التي أعلن عنها الرئيس "تبون" يوم 21 شباط/ فبراير 2021، بخصوص حل مجلس الشعب الوطني وإجراء انتخابات جديدة، وإجراء تعديل حكومي موسع، وإطلاق سراح قرابة ستين معتقلا، والإعلان عن إيلاء أهمية قصوى للاقتصاد، والشباب، والقطاعات الوزارية ذات العلاقة بالأوضاع الاجتماعية ومعيشة الناس.. لم تُرض هي الأخرى الحراك الشعبي، وقد لمس فيها الكثيرون التفافا على جوهر مطالبهم، وهروبا من فتح أفق حقيقي للانتقال الديمقراطي، وإعادة بناء شرعية سياسية جديدة للدولة والسلطة في الجزائر.
لا يبدو أن هناك إمكانية لحصول تغيير حقيقي في الجزائر مع استمرار وحود "الكتلة الصلبة" المتحكمة في مصادر الثروة والسلطة معا، تحديدا في مؤسسة الجيش، والأجهزة الأمنية المتعددة والمتنوعة في الجزائر.. فالتغيير نحو الأفضل يبدأ حتماً بتفكيك هذه الكتلة، وإعادة بناء الدولة ومؤسساتها على أساس مدني، يأخذ بقيم المشاركة النزيهة، والشفافية في توزيع الثروة الوطنية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.