أفكَار

هل تخلت "السلفية الجهادية" عن نظريتها في عولمة الجهاد؟

باحثون وخبراء يناقشون تطور نظرية الجهاد في فكر السلفيين الجهاديين  (الأناضول)
باحثون وخبراء يناقشون تطور نظرية الجهاد في فكر السلفيين الجهاديين (الأناضول)

يحتل الجهاد مكانة مركزية في البنية الفكرية والدينية لجماعات السلفية الجهادية المختلفة، باعتباره الطريق الأمثل والوسيلة الأنجع لتغيير الواقع القائم، وهو ما جعلها تنبذ الوسائل والطرق الأخرى لتحقيق أهدافها في إقامة الدولة الإسلامية، كالمشاركة في الحياة الديمقراطية، أو سلوك سبيل الدعوة السلمية الإصلاحية، أو نشر الوعي الديني والفكري، متشبثة بالقتال المسلح كخيار وحيد لتحقيق ذلك.

إلى وقت قريب كانت بعض جماعات السلفية الجهادية، كجماعة الجهاد المصرية تتبنى مبدأ قتال (العدو القريب) المتمثل في مواجهة الأنظمة العربية، وهو ما دفعها إلى خوض مواجهات دامية مع النظام المصري في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، لكن تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن قدم قتال (العدو البعيد) كأولوية على قتال العدو القريب، وهو ما شرع الأبواب لإشاعة مبدأ عولمة الجهاد باستهداف مصالح حيوية أمريكية وغربية مختلفة.

بعد تجارب جماعات السلفية الجهادية المنبثقة عن مبدأ عولمة الجهاد، وبعد ما مُنيت به تلك التيارات من هزائم وانتكاسات شديدة، كيف انعكست تلك التجارب على تفكير منظري تلك الحركات.. وهل ثمة مراجعات أوصلتهم إلى عقم تطبيق تلك النظرية في ظل المعادلات القائمة ليكتفوا بالجهاد (الوطني) ضد الاحتلال الخارجي.. أم أنهم ما زالوا يتمسكون بها إلى حين تغير الظروف التي تخرجهم من حالة الكمون إلى حالة التنفيذ؟.

يشير الخبير في حركات السلفية الجهادية، حسن أبو هينة إلى أن فكرة التحول من "قتال القريب إلى قتال البعيد، والتنظير لمبدأ عولمة الجهاد بدأت مع تنظيم القاعدة، كأولوية لمواجهة ومناهضة العولمة التي تحمل في طياتها الهيمنة الأمريكية على كثير من القطاعات الحيوية في العالم، وهو ما أدّى إلى تنامي سردية جهادية قائلة إن العدو القريب الذي تمثله الأنظمة الدكتاتورية العربية والإسلامية لا يقوم بذاته، إنما يستند إلى القوة الإمبريالية، فبدأت تتسرب أولوية القتال ضد العدو البعيد، وبدأ التنظير لعولمة الجهاد". 

 

 

 

وأضاف: "لكن التطور الأبرز الذي حدث كان بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، والذي تمثل بتبني تنظيم قاعدة الرافدين لاندماج الأبعاد، بمواجهة العدو البعيد ممثلا بالعولمة الأمريكية، وكذلك مواجهة عدو داخلي أو قريب، وبالتالي تم الجمع بين نهجي النكاية والتمكين، حتى أن فروع القاعدة الأخرى مارست ذلك في أماكن أخرى". 

وواصل أبو هنية حديثه لـ"عربي21" بالقول: "لكن بعد أن بات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هو الأكثر انتشارا وفاعلية، ما مكنه من فرض نهجه في تطبيق النهجين، مواجهة العدو القريب والبعيد في آن واحد، لكن من حيث التنفيذ فإن الأمر في النهاية منوط بالقدرة العملياتية، وهو ما يجعل أولياتهم خاضعة للظروف القائمة". 

ولفت أبو هنية الانتباه إلى أن "ابن لادن كان يركز على مواجهة العدو البعيد، ويمنع القيام بأعمال عسكرية ضد العدو القريب، مع وقوع بعضها هنا وهناك، لكن بعد احتلال العراق، وظهور تنظيم الدولة باتت الأبعاد مندمجة بين الوطني والعالمي، أما على صعيد التنفيذ فيرجع الأمر في تقدير أولياته بحسب الممكن والمقدور عليه". 

من جهته اعتبر الشرعي الجهادي الكويتي، علي العرجاني "الحديث عن فشل تجارب حركات السلفية الجهادية دون النظر لطبيعة المعركة وحجمها وأدواتها ليس من الإنصاف، لأن من أهم أسباب فشلها قوة المعركة ضدها التي شملت دول كبرى بكل طاقاتها وأدواتها، ولا ننكر في الوقت نفسه وجود أسباب فكرية وأخلاقية داخل السلفية الجهادية ساهمت بشكل كبير بفشلهم، ومنها مصادمة الشعوب، وتوسيع دائرة المعركة بما لا طاقة لهم به..". 

 


وإجابة عن سؤال "عربي21" حول الأسباب التي دعت أسامة بن لادن إلى تبني مبدأ عولمة الجهاد، قال العرجاني "من أهم الأسباب الداعية إلى ذلك مواجهة أمريكا ابتداء بسبب تدخلها في شؤون كل الدول، بل وممارستها للاحتلال على غرار روسيا وغيرها من البلاد المحتلة لبلاد المسلمين.. ولذلك قال ابن لادن في رسالته للصديق والعدو "أقسم بالله العظيم الذي رفع السماء بلا عمد لن تنعم أمريكا بالأمن، ولا شعب أمريكا حنى ننعم به واقعا في فلسطين". 

وأردف: "أما عولمة الجهاد.. فإن كان المقصود بها توسيع دائرة القتال والحرب لتشمل جميع الأعداء في وقت واحد فمما لا شك فيه بأن هذا خطأ وخسارة وفشل، ولا يقبله الشرع والعقل، وأظن أنهم تنبهوا لهذا الأمر وأبعدوا بعض الدول المجاورة لخطوط إمدادهم وتحركاتهم من المعركة كإيران وباكستان وسوريا أثناء حرب العراق، أما إن كان المقصود جهاد الكلمة والمال والدعوة فهذه لا بد أن تكون عالمية تستمد مشروعيتها من عالمية الإسلام". 

وعلى الصعيد ذاته قال الأكاديمي الشرعي السوري، الدكتور أيمن هاروش "لم يظهر من تنظيمات السلفية الجهادية كتنظيم القاعدة، أو تنظيم الدولة (داعش) أو منظري الجهادية في كتاباتهم وأدبياتهم أي تراجع عن مبدأ عولمة الجهاد، ولا يوجد في سلوكياتهم وتحركاتهم ما يشير إلى تراجعهم عنه".

 


 
وأردف: "ومن الواضح أنهم لا ينسبون فشلهم إلى فكرهم عموما وإلى مبدأ عولمة الجهاد خصوصا، وإنما يُرجعون ذلك إلى تآمر دولي كبير عليهم، وإلى خذلان الداخل القريب لهم" مشيرا إلى حالتين من تحول بعض من كان يؤمن بعولمة الجهاد إلى الجهاد الوطني، الأولى متمثلة في قادة أحرار الشام الأوائل الذين تم اغتيالهم، فقد كانوا يتبنون فكر القاعدة ويؤمنون بعولمة الجهاد، لكنهم بعد مراجعات تحولوا عن تلك الفكرة، وكتابات أبو يزن الشامي في هذا الباب وانتقاداته ومراجعاته معروفة".

وتابع لـ"عربي21": "أما الحالة الثانية فتظهر في تحول جبهة النصرة بعد فك ارتباطها بالقاعدة، وأصبح اسمها هيئة فتح الشام ثم هيئة تحرير الشام، ثم أعلنت عن أن نطاق عملها محصور في الساحة السورية، ومقتصر على الشأن السوري". 

ولفت هاروش إلى أن "المثالين مع أهميتها إلا أنهما لا يمثلان في الحقيقة تحولا عن أفكار ورؤى السلفية الجهادية، لأن هؤلاء سواء حركة أحرار الشام أو جبهة النصرة لم يكونوا من منظري السلفية الجهادية ولا من علمائها، بل كانوا من الشباب الذين درسوا هذا الفكر وأعجبوا به، والتزموا به فترة من الزمن، لكنهم حينما اصطدموا بالواقع تركوه، فهم كالتلاميذ الصغار في هذا التيار، وكذلك الجولاني وجماعته فهم لا يحملون السلفية كفكر وعقيدة، وإنما لديهم مشروع حملوا في كل مرحلة من المناهج ما يمكنهم من مواصلة الطريق لتحقيق مشروعهم". 
  
بدوره رأى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، الدكتور مروان شحادة أن "الجماعات الجهادية، وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية، والقاعدة لم تشهد تغيرات على صعيد تبنيها لمبدأ عولمة الجهاد، ولم تتخلَ عن الجهاد العالمي، ومواجهة ملة الكفر قاطبة في كل زمان ومكان". 

 



واستدرك في حواره مع "عربي21": "ولكن ثمة تحولات لدى بعض فروع القاعدة بسبب عدم القدرة والاستطاعة كما جرى في مالي والساحل، وفي الصومال واليمن، وربما سوريا تكون مثالا آخر لأنها تدمج ما بين الوطني والعالمي، ولكن الحركة الجهادية الوحيدة التي شهدت تحولا هي الجماعة السلفية المقاتلة بعد سقوط نظام القذافي فقد تحولت إلى العمل الوطني، باندماجها في العملية السياسية السلمية..". 

وخلص في ختام حديثه إلى القول "لذا فليست الحركات الجهادية على وتيرة واحدة فيما يتعلق بالوطني والعالمي، إنما تتباين درجات الاقتراب والابتعاد عن ذلك بحسب البناء العقائدي لتلك الجماعات، وبحسب البناء التنظيمي والحركي لها، وما زال التنظيمان الأكبران من تنظيمات السلفية الجهادية (تنظيم الدولة والقاعدة) يحتفظان بهذا البناء الفكري حول عالمية الدعوة والاحتساب والجهاد". 


التعليقات (0)