هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشير دلائل متزايدة على أن المرتزقة الأجانب، خاصة شركة "فاغنر" الروسية، يواصلون تعزيز تواجدهم أكثر في ليبيا وتحديدا في وسط البلاد، حيث منابع النفط.
ورغم انتفاء سبب بقاء تلك القوات، في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار بين الأطراف الليبية في جنيف منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فإنها ما زالت تتمركز في سرت والمناطق المحيطة بها، بل وتعزز مواقعها هناك، ما يشي بأنها تخطط للاستمرار.
وينص اتفاق وقف إطلاق النار على مغادرة المرتزقة والمقاتلين الأجانب، من ليبيا كلها في غضون 90 يوما من تاريخه، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
وقاتل هؤلاء المرتزقة الذين قدموا بشكل أساسي عبر شركة فاغنر الروسية، والجنجويد السودانيين، ومناطق سيطرة النظام السوري، إلى جانب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التي شنت هجوما فاشلا على العاصمة طرابلس في نيسان/ أبريل عام 2019، وكانوا على الجبهات المحيطة في العاصمة، قبل أن ينسحبوا أخير إلى وسط البلاد، في سرت والجفرة.
اقرأ أيضا: وصول مراقبين دوليين إلى ليبيا.. ما علاقتهم بملف المرتزقة؟
ورغم أن التقديرات كانت تشير في البداية إلى أن عدد المرتزقة كان يقترب من نحو ثلاثة آلاف، إلا أن تقارير أممية حديثة، إضافة إلى تصريح للمبعوثة الأممية، ستيفاني ويليامز، كشفت أن هؤلاء بلغ عددهم نحو 20 ألفا، ما يعني أن العدد زاد عقب انتهاء الهجوم على طرابلس، ما يطرح تساؤلا كبيرا حول أسباب تعزيز تواجدهم على الأراضي الليبية.
المرتزقة والنفط
موقع "خدمات الاستخبارات الجيوسياسية" كشف أن قوات حفتر ومرتزقة فاغنر حفروا خندقا بطول 70 كيلومترا بين سرت والجفرة.
وأضاف الموقع الاستخباراتي في تقرير له أن حفتر ومرتزقته استغلوا الهدنة المستمرة منذ أشهر لإعادة التسلح والتموضع على الأرض، وهو أمر لا يبشر بإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد كما نص اتفاق وقف إطلاق النار في 23 أكتوبر الماضي، خاصة مع استمرار وجود حوالي 20 ألف مرتزق في ليبيا.
وقالت خدمات الاستخابارت الجيوسياسية، إن الأطراف الخارجية وعلى رأسها روسيا والإمارات استغلت غياب الولايات المتحدة في ليبيا على مدى السنوات الأربع الماضية لمتابعة مصالح اقتصادية واستراتيجية متضاربة، وأوضح أن التدخل الأمريكي سيكون ضروريا لإعادة التوازن في ليبيا وتجنب انهيارها.
المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب نشر صورا تؤكد وصول أعمال الحفر بين سرت والجفرة التي تقوم بها مليشيات حفتر إلى بوابة النص (خشوم الخيل) بطول 70 كيلومترا.
وأضاف المركز في بيان له أنه تحصل أيضا على مواقع ونقاط تمركز مرتزقة فاغنر في المنطقة بين الجفرة وسرت، إحداها على بعد 42 كيلومترا من ودان باتجاه مدينة سرت، مشيرا إلى أن أعمال الحفر قد تكون لمد أنبوب داخل الخندق لنقل النفط من الجنوب إلى الشمال ثم شحنه بحرا ضمن تنازلات منحها حفتر لمرتزقة فاغنر للوصول إلى الموارد النفطية.
عودة إلى سرت
وأكد الناطق باسم غرفة عمليات سرت-الجفرة العميد الهادي دراه، الجمعة، عودة مرتزقة فاغنر والجنجويد إلى سرت بعد انسحابهم منها قبل انعقاد جلسة منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية.
وأضاف دراه لقناة ليبيا الأحرار أن الروس عادوا إلى معسكر القرضابية والجالط في سرت بصحبة مجموعة كبيرة من المرتزقة الجنجويد على متن 12 حافلة، موضحا أن انسحابهم السابق كان لمسافة ستة كيلومترات فقط، وقد عادوا إليها عقب انتهاء جلسات مجلس النواب.
في سياق متصل، أكد موقع "ميدل إيست مونيتور" إن مرتزقة فاغنر الذين يقدر عددهم بنحو 2000 مرتزق يواصلون العمل في شرق وجنوب ليبيا مدعومين بطائرات مقاتلة أرسلتها روسيا، رغم أنه كان من المفترض أن يغادروا البلاد الشهر الماضي.
بالتزامن، نشرت قوات بركان الغضب مشاهد تُظهر هبوط طائرة شحن عسكرية روسية في قاعدة الجفرة الجوية المحتلة الخميس، كما أنها نشرت أيضا مشاهد أخرى لمناورات روسية في سماء الجفرة وسط البلاد.
وأضاف الموقع البريطاني في تقرير الأربعاء، ترجمته "عربي21"، أن موسكو غير مستعدة حتى الآن للنظر في انسحاب مرتزقتها الذين يقاتلون في صفوف حفتر وفق ما تم الاتفاق عليه في أكتوبر الماضي، مشيرا إلى أن وصول وفد من مراقبي الأمم المتحدة إلى سرت يشير إلى احتمال إرسال قوات حفظ سلام أممية إلى منطقة وقف إطلاق النار بين سرت والجفرة.
مرتزقة من مناطق النظام
وكدليل آخر على تواصل إرسال المرتزقة إلى ليبيا، كشفت شبكات إخبارية محلية الشهر الماضي من دير الزور (شرق البلاد)، عن مواصلة روسيا تجنيد الشباب بغية إرسالهم إلى ليبيا.
وأكدت شبكة "فرات بوست" الشبكة المختصة بنقل الأخبار من شرق سوريا، أن روسيا كثفت عمليات تجنيد المرتزقة، مشيرة إلى تورط ضباط للنظام في التنسيق للتجنيد.
وأوضحت أن عمليات تجنيد المرتزقة تجري عبر ضباط من قوات النظام يعملون كوسطاء وسماسرة، بالتنسيق مع القوات الروسية والشركات الأمنية التابعة لها، مقابل حصولهم على مبلغ مالي عمولة لقاء تجنيد كل عنصر، وتتراوح تلك العمولة ما بين 100 و150 دولارا.
وأضافت أن الشركات الأمنية الروسية تشترط أن يتراوح عمر المقاتل ما بين 25 و45 عاما، وأن يكون خاليا من الأمراض، قبل نقله إلى مقر القوات الروسية في حميميم مقابل رواتب شهرية.
وحول الرواتب التي تخصصها روسيا للمرتزقة، فقد أكد الصحفي في شبكة "نهر ميديا" عهد الصليبي، من دير الزور، أن الرواتب الشهرية تتراوح ما بين 1000 و1200 دولار أمريكي.
وقال في حديث سابق لـ"عربي21" إن روسيا تركز على ريف دير الزور الغربي لتجنيد الشباب، واليوم يتواجد الكثير من أبناء الريف الغربي في ليبيا.
اقرأ أيضا: بذكرى الثورة.. ما مصير مرتزقة ليبيا بعد التوافقات الأخيرة؟
وبحسب الصليبي، فإن روسيا تستغل حالة العوز الاقتصادي، وضعف الأجور التي يمنحها النظام للمليشيات التابعة له (دفاع وطني/شبيحة)، وكذلك المليشيات الإيرانية، لتجنيد أكبر عدد ممكن من أبناء دير الزور.
وكانت وكالة "الأناضول" التركية، قد شككت في وقت سابق بأن تتنازل روسيا بسهولة عن مشروعها الهادف إلى إقامة تواجد عسكري دائم في جنوب البحر المتوسط، لمحاصرة الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي "الناتو" من الجنوب.
واستبعدت الوكالة في تحليل إخباري رصدته "عربي21"، انسحاب مرتزقة فاغنر من ليبيا، وقالت: "يبدو أمرا مستبعدا جدا، لأن لديها أجندتها الخاصة، وثمة من يشكك بقدرة حفتر على إجبار "فاغنر" على الخروج من ليبيا إن قرر ذلك".
لن يحسم داخليا
الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور الطاهر بن طاهر، قال إن ملف المرتزقة في ليبيا بات أكبر من حسمه داخليا، بعد دخول مجموعات خارجية محسوبة على دول.
وأوضح ابن طاهر لـ"عربي21"، أن التوافقات الليبية تكررت، لكن هناك الكثير من العقبات التي كانت تفجر الخلافات ومنها مسألة المرتزقة، الذين استقدمهم حفتر للمشاركة في الحرب التي شنها.
وأضاف أن مرتزقة "فاغنر" الروس، أمر إخراجهم من الساحة الليبية في غاية الصعوبة، خاصة أنهم يسيطرون على مساحة واسعة من البلاد، فضلا عن تمركزهم في منطقة الهلال النفطي الحساسة.
وشدد على أن توافق الليبيين على مؤسسات واحدة، يدفع باتجاه إنهاء وجود تلك القوات، لأن إخراجهم حاليا يتطلب ضغطا دوليا على روسيا.
وعلى صعيد محاسبة هذه المجموعات المسلحة، والتي تتحدث العديد من التقارير عن "جرائم" ارتكبتها، فقد شدد ابن طاهر على أهمية توثيق ما قامت به لمحاسبتها دوليا في لحظة ما لأن الليبيين بحاجة إلى يد دولية في المسألة.
يشار إلى أن البعثة الأممية في ليبيا كانت أعلنت في 4 آذار/ مارس الجاري عن وصول “فريق صغير إلى ليبيا” مكون من 10 أشخاص لإنشاء آلية لمراقبة وقف إطلاق النار، وجمع المعلومات التي يطلبها مجلس الأمن الدولي، وتقديم تقرير إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.