هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن ظاهرة حبس المدينين،
والعاجزين عن سداد قروضهم تفشت في الأردن، في شكل ينتهك القانون الدولي لحقوق
الإنسان ولا تفرضه سوى قلة من الدول.
وقالت المنظمة في تقرير لها، إنها وثقت المعاملة القاسية لغير
القادرين على سداد ديونهم، في غياب شبكة ضمان اجتماعي مناسبة، و"يجد
عشرات آلاف الأردنيين أنفسهم مجبرين على الاقتراض لتغطية تكاليف الخدمات، والبقالة،
والرسوم المدرسية، والفواتير الطبية. وغالبا ما يلجأون إلى مقرضين غير رسميين وغير
منظمين".
وأشارت إلى أنه "ينبغي للسلطات الأردنية
أن تستبدل فورا القوانين التي تسمح بالسجن، بسبب الديون بتشريعات فاعلة بشأن
الإفلاس الشخصي، وتسن تدابير حماية في الضمان الاجتماعي لدعم المعوزين".
وقالت سارة الكيالي، باحثة الشرق الأوسط في
"هيومن رايتس ووتش": "بموجب القانون الأردني، إذا حصلتِ على قرض ولم تسدديه،
ستُسجَنين. كثيرا ما يقترض الأفراد لدفع الإيجار، وثمن البقالة، والفواتير الطبية.
لكن بدلا من أن تساعد السلطات المحتاجين، فهي تسجنهم".
ولفت التقرير إلى أن عدم سداد الديون، ولو كانت
ضئيلة، يعاقب عليه بالحبس لمدة تصل إلى 90 يوما لكل دين، وما يصل إلى عام واحد
للشيك المرتجع. وأكثر من ربع مليون أردني يواجهون حاليا شكاوى لعدم سداد ديونهم.
اقرأ أيضا: بذكرى الربيع العربي.. أين وصلت مطالب الإصلاح بالأردن؟
ووفقا للإحصاءات الحكومية، فقد زاد عدد الأفراد
المطلوبين بسبب عدم تسديد ديونهم عشرة أضعاف في أربع سنين فقط، من 4,352 في 2015
إلى 43,624 في 2019. وتم حبس 2,630 شخصا تقريبا، أي حوالي 16% من نزلاء السجون في
الأردن، بسبب عدم سداد القروض أو شيكات مرتجعة في 2019.
وقالت المنظمة إن غياب اللوائح سمح بانتشار
أدوات الدين غير الرسمية والتي يسهل إساءة استخدامها. غالبا ما يأمر القضاة بحبس
المقترض بناء فقط على وجود السند المعروف بـ "الكمبيالة"، دون حتى رؤية
المقترض أو منحه عمليا فرصة للطعن في الدين أو تقديم بيّنة دفاع، رغم أن القانون
يتطلب ذلك.
تتفاقم المشكلة، خاصة بالنسبة للنساء، بسبب
الفوائد المرتفعة للغاية التي تفرضها بعض مؤسسات التمويل الأصغر. وحتى منتصف 2020،
كان لدى قرابة 25 مؤسسة تقريبا للتمويل الأصغر 466,394 مقترضا نشطا، 68% منهم من
النساء. رغم أن بعض المؤسسات الأكبر حجما التي تقدم التمويل الأصغر قد تعهدت
بحماية المستفيدين، فإن معظمها لا يفعل شيئا يُذكر للتأكد من وضع المقترضين
ومشاريعهم قبل منحهم القروض.
وغالبية النساء اللواتي تمت مقابلتهن أشرن إلى
أنهن أخذن القرض لسداد احتياجاتهن. في بعض الحالات، ضغط عليهن أفراد الأسرة لتقديم
طلب لاستخدام الأموال لتغطية نفقاتهم. غالبا ما تُوقّع النساء كضامن لقروض أولادهن
أو أزواجهن، ما يجعلهن عرضة للسجن لعدم السداد.
قالت امرأة تمت مقابلتها: "أنا مهندسة.
تخيلي ماذا سيحدث لوالديّ، كيف سينظر الناس إليّ؟ أنا لم أسرق. لم آكل حقوق الناس.
كان لدي الكثير من الالتزامات المالية والوضع الاقتصادي في البلاد سيئ".
وأشارت المنظمة إلى أن الحبس أو التهديد به بسبب
الديون قد يأتي بتأثير مدمر على دائرة واسعة من الناس إضافة للمدين. حبس رب الأسرة
يمكن أن يتركها دون أي سبيل لتأمين احتياجاتها. قال معظم الذين تمت مقابلتهم إنهم
فقدوا وظائفهم بسبب السجن أو المديونية، وشعر الكثير بأنهم مجبرون على الفرار من
البلاد، تاركين عائلاتهم لتغطية نفقاتها.
وقالت إن معظم الدول ألغت عقوبة السجن بسبب
الديون، ليس لأنها قاسية للغاية وتنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب، بل
أيضا لأنها لا تؤدي إلى السداد، خاصة من الفقراء. بدلا من ذلك، فإنه يعاقِب حبس المدين
العاجزين عن الدفع ويساعد في خلق دورات من الديون لا نهاية لها.
ويزيد الحبس بسبب الديون من الضغط على
السجون والمحاكم المكتظة التي تنقصها الموارد. وتدفع السلطات الأردنية 750 دينارا
(1,057 دولارا أمريكيا)، شهريا عن كل محتجز، وتصبح أسرهم أكثر اعتمادا على المساعدات
الاقتصادية الحكومية.
ولتجنب الازدحام خلال تفشي فيروس "كورونا"، فقد أعلن "المجلس القضائي الأردني" في آذار/ مارس 2020، عن تأجيل حبس الأفراد بسبب ديون تقل عن 100 ألف دينار (141 ألف
دولار)، وإطلاق سراح المسجونين حتى يتحسن الوضع الصحي. قالت هيومن رايتس ووتش إن
هذه الخطوة الإيجابية لا تحل المشكلة.
وطالبت المنظمة الحكومة والبرلمان باستبدال
المادة 22 من "قانون التنفيذ الأردني"، التي تسمح بسجن المقترضين
المتخلفين عن سداد ديونهم، بتشريع يوجه القضاة لاستكشاف البدائل، وتقييم قدرة
المدينين على السداد، وإعادة جدولة الدفعات على أساس القدرات المالية للمقترض. ويجب
أن يفرّق القانون بوضوح بين غير القادرين على الدفع وغير الراغبين به، وأن يعامل
مرتكبو الاحتيال وفقا لذلك.