هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشهد مصر حدثا يتصدر، منذ أيام، العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام حول العالم، وسط تساؤلات حول سبل إنهاء الأزمة، وتداعياتها على الاقتصاد العالمي.
لكن خطورة حادث "السفينة الجانحة" لم تدفع بعد رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى الظهور في مشهد التطورات، فضلا عن غيابه في جميع الحوادث المؤلمة، التي ازدادت وتيرتها في البلاد مؤخرا.
ولم يظهر السيسي في موقع الحادث بقناة السويس، أو في أي لقطة من المشهد الذي أثار اهتمام قادة العالم.
وعقدت هيئة قناة السويس، السبت، أول مؤتمر صحفي لها، غاب عنه السيسي أيضا، الذي ظل مشهد افتتاحه لتفريعة قناة السويس عام 2015، من على متن يخت "المحروسة" الملكي، وسط حضور قادة عرب وأفارقة وأوروبيين، عالقا في أذهان العالم.
ورغم توالي الكوارث في البلاد على مدار اليومين الماضيين، التي كان أشدها وقعا تصادم قطاري الصعيد عصر الجمعة، ومقتل 32 شخصا وإصابة نحو 160 آخرين، وانهيار عمارة سكنية شرق القاهرة وسقوط عشرات القتلى والجرحى فجر السبت؛ فإن السيسي ظل غائبا.
وغاب أيضا مع توالي الأزمات، السبت، بعد سقوط عمود جسر تحت الإنشاء فوق السيارات والمارة غرب القاهرة، وحريق بأحد فنادق الإسكندرية، وآخر قرب محطة قطارات الزقازيق، وتفحم جرار وسيارة نقل على طريق الغردقة، وحريق سيارة بنفق الأزهر بالقاهرة، وآخر بمصنع بمدينة العاشر من رمضان.
ولم يظهر السيسي أيضا في مقر أي واقعة من تلك الكوارث، التي شهدت حضورا متأخرا من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي فقط في تصادم قطاري سوهاج بصعيد مصر.
"حضور هنا وغياب هناك"
وبدا غياب السيسي لافتا عن جميع الأزمات والكوارث التي حلت في مصر خلال سنوات استيلائه على السلطة، بداية من أزمة انفجار طائرة الركاب الروسية 31 تشرين الثاني/ أكتوبر 2015، التي اهتز لها العالم، وراح ضحيتها نحو 227 شخصا.
كما لم يظهر السيسي بموقع حريق محطة مصر، الذي أودى بحياة نحو 26 مصريا حرقا، وأصاب أكثر من 40 آخرين في شباط/ فبراير 2019، واكتفى بالمتابعة وحضور مدبولي، رغم فداحة المشهد.
وغاب السيسي أيضا عن موقع أكبر كارثة بعد فوزه بانتخابات الرئاسة عام 2014، حيث تفحم 18 طالبا مصريا وأصيب قرابة 20 بمحافظة البحيرة، في تصادم باص بسيارة وقود، تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، وقائمة طويلة من الحوادث المؤلمة طوال السنوات الماضية.
وفي المقابل، يظهر السيسي في اللقاءات والمؤتمرات المؤمنة، ومواقع العمل بالجسور والعاصمة الإدارية، ومنشآت الجيش، محاطا بالحراسة المدنية والعسكرية.
اقرأ أيضا: وزير النقل بمصر يتهم سائق قطار سوهاج بتجاوز إشارات الوقوف
وطالما حاول الظهور في صورة الرئيس الحاني على شعبه، التي كان آخرها ظهوره باحتفال عيد الأم 21 مارس/ آذار، باكيا ومقبلا رأس بعض المصريات.
وأذاعت الفضائيات المصرية، في 19 آذار/ مارس الجاري، مشهدا لمقابلة السيسي مع سيدة قيل إنها أوقفت موكبه في الشارع لتشتكي له من قانون الأحوال الشخصية.
كما ظهر السيسي في مقطع فيديو 6 آذار/ مارس الجاري، يوقف سيارته بالشارع ليشتري فاكهة من أحد الباعة ذوي الاحتياجات الخاصة، ويأمر بعلاجه على نفقة الدولة.
"خائف لهذه الدرجة"
وفي تقديره لأسباب غياب السيسي الدائم عن مواقع الكوارث والأزمات في مصر، يقول الناشط السياسي والباحث المصري، عباس قباري، إن "الحاكم المنقلب لا يظهر إلا في الإنجازات الوهمية، وينسب له من حوله كل إنجاز، ولما تحضر المصائب يختفي ويتبخر، ويلقي بالمسؤولية على غيره".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أعرب قباري عن اعتقاده أن "كل ما في الأمر أن الحاكم الذي تولى مسؤولية بعد انقلاب غير الذي تولى مسؤوليته وفق الانتخاب الحر المباشر من الناس".
يوضح قباري، أن "الأول لا يأبه بالناس، وكل همه الحفاظ على أركان حكمه وأسلحة الردع وأذرع إعلام الشؤون المعنوية التي تسبح بحمده ليل نهار، أما الثاني فيضع نصب عينيه رضا الناخبين، ويعيش ألمهم، ويسعى للإنجاز من أجلهم".
وحول مدى خوف السيسي من استهدافه في مثل هذه الأوقات التي يزيد فيها الاضطراب، قال: "السيسي بالطبع يخاف من التجمعات؛ حتى لا يسمع الصوت الحقيقي من الناس بدلا من تقارير أجهزته ومقابلاته المفبركة المرتبة سلفا".
وتابع: "وإلا فإنه سيتعرض لما تعرض له وزيره المفضل كامل الوزير، بلقاء مباشر مع الناس في أزمة قطاري الصعيد الجمعة، الذي انتهى برحيل الوزير على وقع هتافات (الأهالي الغاضبين): (ارحل)".
ويختم الناشط والباحث المصري حديثه بالتأكيد على أن "السيسي بالطبع يخاف لدرجة مقابلته الجنود داخل الكلية الحربية فجرا من وراء ساتر زجاج مضاد للرصاص".
"غلبة الثقافة الأمنية"
وبدوره، قال السياسي والبرلماني المصري السابق، محمد عماد صابر، إن "غالبية جنرالات العسكر الذين لم يخوضوا المعارك الواقعية لا يملكون قدرة المواجهة، فيكون الهروب وتصدير غيرهم للأزمات كالوزير المسؤول، والذي بدوره يصدر الأزمة لغيره، كما هو الحال بجنوح السفينة وحادث القطار، وغيرهما".
وأضاف "صابر" في حديث لـ"عربي21"، أن السيسي، "المسؤول الأول ورئيس السلطة التنفيذية، يصدر التوجيهات الخاصة بالتحقيقات والعقوبات والتعويضات، والأمور التي يبدو فيها صاحب عطاء وليس مقصرا ومذنبا، وفق تعليمات الأجهزة المخابراتية والأمنية".
وبخصوص ظهور السيسي، متحدثا مع مواطنين كبائع للفاكهة من ذوي الاحتياجات، وسيدة تقود سيارة ميكروباص، وغيرهما في الشارع، ويقال إنها لقاءات المصادفة، يجزم صابر بأن "هذه مشاهد مسرحية هزلية واضحة للجميع".
ويشير إلى أن السيسي يعلم حجم كراهية الشعب له؛ لذا يتجنب مواجهته بشكل مباشر ودون إعداد مسبق، جازما بأنه "يشعر من داخله بأن الشعب الحقيقي الذي يعاني الفقر والمرض وقلة الحيلة يبغضه، ويوما ما يثور عليه، ولذلك هو دائما متوتر قلق يصدر الكذب للجماهير".
ويخلص صابر إلى أن "وظيفة السيسي هي قمع الشعب وإفشال الدولة، والنظام الناجح وفقا للعقول الاستعمارية الغربية الداعمة للاستبداد والفساد، الذي يهيمن على شعبه، ويرعى المصالح الغربية، بغض النظر عن حالة الشعب وكيف يعيش، المهم أنه تحت السيطرة".
ويختم بالقول: "عندما يغيب السيسي عن مواطن الأزمات والكوارث؛ فهذا أمر منطقي، لأنه ونظامه غير معنيين بحل الأزمات، ولا يملكون ثقافة الحل، فقط يملكون الثقافة الأمنية".