مقابلات

ضيف عربي21 | رابعة و"جمهورية السيسي" مع بهي الدين حسن

بهي الدين حسن: "آمل أن تبادر المؤسسة العسكرية بعملية إعادة التقييم، لأن المخاطر ستكون رهيبة حال تفاقم أو انفجار الأوضاع"- عربي21
بهي الدين حسن: "آمل أن تبادر المؤسسة العسكرية بعملية إعادة التقييم، لأن المخاطر ستكون رهيبة حال تفاقم أو انفجار الأوضاع"- عربي21

- الإفراجات الأخيرة عن بعض المعتقلين "محدودة جدا" ولا تغير على مدى قتامة وضع حقوق الإنسان

- قرار الإفراج عن بعض المعتقلين يتم اتخاذه على مائدة التفاوض مع أمريكا وليس في داخل مصر

- استراتيجية السيسي مع المجتمع الدولي ترتكز على مساومته على مخزونه البشري من الرهائن داخل سجونه

- تقليص أو إلغاء المعونة الأمريكية سيكون إشارة سياسية للمجتمع الدولي بأن واشنطن توقفت عن دعم السيسي

- إدارة بايدن لم تُختبر حتى الآن في ما يتعلق بحقوق الإنسان بمصر.. والحقوقيون المصريون على تواصل معها

- تنفيذ الإعدامات الأخيرة سيفاقم المرارات والثارات ونوازع الانتقام.. وآمل ألا يحدث ذلك

- أدعو جماعة الإخوان إلى مراجعة موقفها المبدئي من عقوبة الإعدام للسياسيين وغير السياسيين

- مصر أشبه بقطار سكة حديد خرج عن القضبان وسائقه الوحيد يتصرف على هواه

- السيسي يتدثر بالجيش دائما لأنه "مرعوب" من كابوس اندلاع انتفاضة شعبية جديدة ضده

- جمهورية السيسي "الجديدة" قديمة لكنها أكثر وحشية وقسوة وهي محاولة للتجمّل أمام العالم

 


قال الحقوقي المصري البارز، بهي الدين حسن، إن "مجزرة فض اعتصام رابعة، التي ستحل ذكراها الثامنة بعد أيام، دخلت التاريخ الإنساني؛ فلها مكانة خاصة بين كل المجازر التي شهدتها الدولة المصرية؛ نظرا لعدد الضحايا المهول، والذي بلغ نحو 1000 مصري مدني قُتل غيلة في هذا اليوم خلال ساعات محدودة، وبشكل مخطط ومُتعمد".

وأضاف "حسن"، في مقابلة خاصة مع "ضيف عربي21": "كانت وستظل مذبحة رابعة وصمة عار في تاريخ مصر، وآمل في ذكراها السنوية أن يُكرّس أكبر عدد من المصريين داخل بيوتهم دقيقة صمت للتفكير في مغزى حدوث هذه المذبحة الأبشع في تاريخنا. هي دقيقة للتأمل والحداد، ليس فقط على الضحايا، بل على الدولة المصرية والنظام القضائي الذي بات منهارا".

ودعا المؤسسة العسكرية إلى "مراجعة خياراتها السياسية ليس فقط من انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، بل منذ عام 1952، وأطالبها بأن تقارن وتُقيم وضع مصر الاقتصادي قبل وبعد 1952، خاصة في ظل حالة الإفلاس التي تعيشها الدولة المصرية الآن، والتي حتما سيكون لها انعكاس في وقت قريب على الدولة، وحتى على مؤسسة الجيش التي لن تفلت من المخاطر حال تفاقم الوضع".

واستبعد حسن، وهو أحد أهم مؤسسي حركة حقوق الإنسان المصرية في الثمانينيات، اندلاع ثورة جديدة في ظل الأوضاع الراهنة بمصر، رغم عدم استبعاده "حدوث اضطرابات تلقائية أو ردود فعل عفوية غير منظمة"، وقال: "آمل أن يحدث أي تغيير بشكل مُنظم، والأفضل أن ينطلق من داخل النظام الحاكم نفسه، ونتمنى تغيير السيسي بشكل مؤسسي وليس بشكل انقلابي أو فوضوي".

وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة مع "ضيف عربي21":

بعد أيام ستحل الذكرى الثامنة لمجزرة فض اعتصام رابعة.. فكيف ترى تلك المذبحة اليوم؟

بكل أسف أن المذابح في مصر لم تتوقف منذ كانون الثاني/ يناير 2011 وحتى اليوم؛ فكانت مذابح ماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء، ومسرح البالون، واستاد بورسعيد، واستاد الدفاع الجوي. إلا أن مذبحة رابعة لها مغزى خاص، ليس لأنها كانت ضد إسلاميين، بل نظرا لحجم الضحايا المهول، والذي بلغ نحو 1000 مصري مدني قُتلوا غيلة في هذا اليوم خلال ساعات محدودة، وبشكل مخطط ومُتعمد.

هذه المذبحة دخلت التاريخ ليس فقط بالنسبة للمصريين، بل للإنسانية كلها. قبل مذبحة رابعة كان يُشار إلى مذبحة تيانانمن في الصين التي لم تحدث في يوم واحد، وكانت في بلد تعداده يصل إلى مليار شخص. بالطبع هذا لا يقلل من بشاعة المذبحة الصينية.

 



رغم مرور 8 سنوات كاملة على مذبحة رابعة البشعة لم يجر تحقيق واحد فيها، بل تمت محاكمة الضحايا قضائيا وسياسيا وإعلاميا، وجرت إدانتهم على غير الحقيقة والواقع. وأحكام الإعدام الأخيرة هي استمرار لنفس النهج، لأنها أحكام بقتل مَن تبقى من ضحايا مذبحة رابعة التي كانت وستظل وصمة عار في تاريخ مصر.

آمل في الذكرى السنوية لرابعة أن يقف أكبر عدد من المصريين دقيقة صمت داخل بيوتهم -لأنه من المستحيل أن يخرج أحد للشوارع والميادين فالثمن هائل- من أجل التفكير في مغزى حدوث هذه المذبحة الأبشع في تاريخنا دون أن تتم محاسبة أي شخص عليها. هي دقيقة للتأمل والحداد ليس فقط على الضحايا، بل على الدولة المصرية ونظامها القضائي المُنهار.

كيف يرى المجتمع الدولي هذه المذبحة بعد مرور 8 أعوام عليها؟

لقد اتخذ موقف نقدي حاد منذ اللحظة الأولى، ولا تزال تُسجل هذه المذبحة في العديد من التقارير الحقوقية على أنها مؤشر على مدى وحشية هذا النظام، ومدى انهيار منظومة العدالة وسيادة القانون، وستظل تُذكر بهذه المعاني دوليا ومحليا، إلى أن يجري التصحيح المناسب.

كيف تابعت الإفراجات الأخيرة عن بعض المعتقلين المصريين؟

سعدت كثيرا بما حدث، لكن للأسف كانت الفرحة لها حدود؛ فهؤلاء الذين أُفرج عنهم ما زالوا على ذمة قضايا. ثم جرى في نفس الوقت القبض على رئيس تحرير صحيفة الأهرام الأسبق عبد الناصر سلامة، لمجرد تعبيره عن رأيه السلمي. ما زال التلاعب بالقانون والقضاء ساريا حتى الآن دون تغيير، والإفراجات المحدودة جدا التي حدثت حتى الآن لا تغير في الواقع من مدى قتامة وضع حقوق الإنسان في مصر.

 

وسائل إعلام الأمريكية كشفت أن نقاشات تدور في أروقة إدارة بايدن بشأن تجميد أو تقليص المساعدات العسكرية النقدية التي تقدمها أمريكا لمصر.. فهل من الوارد تجميد أو تقليص هذه المساعدات بالفعل؟

 

هناك 300 مليون دولار مُجمّدة منذ العام الماضي، كان من المفترض أن يتم استئناف تحويلها إلى الجانب العسكري المصري خلال عام 2020، لكن تم تجميدها لاعتبارات تتعلق بحقوق الإنسان. هذا المبلغ المُجمّد يجب اتخاذ قرار بشأنه، إما استمرار أن يعود للخزانة الأمريكية أو يتم استئناف إرساله للجيش المصري، وذلك بحد أقصى في 30 أيلول/ سبتمبر هذا العام وفقا للقواعد المتبعة في الولايات المتحدة، وهذا هو الأمر الذي تجرى مناقشته حاليا.

الأمر الثاني يتعلق بتجديد المعونة الأمريكية السنوية إلى مصر الخاصة بعام 2022، والتي تبلغ 1.3 مليار دولار، وستبدأ المناقشات بشأنها في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل بشكل معتاد، وأيضا شروط حقوق الإنسان موجودة في هذا السياق، ونظرا لأن الكونغرس يجب أن يتخذ قرارا في الـ 300 مليون دولار المُجمّدة والمرتبطة بمنحة 2021، فإن هذا الأمر أجبر الحكومة المصرية على تقديم بعض الاستجابات الرمزية مثل الإفراج عن بعض المعتقلين، ومن المتوقع أن تكون هناك إفراجات أخرى خلال الفترة المقبلة قبل 30 أيلول/ سبتمبر.

وفي الوقت الذي أؤكد فيه احترامي وتقديري للبرلماني السابق محمد أنور السادات، الذي أعتبره أحد ضحايا نظام السيسي، أؤكد أن قرارات الإفراج عن معتقلين يجري اتخاذها على مائدة التفاوض في أمريكا وليس في داخل مصر.

هناك مَن يرى أن أمريكا قامت في عهد أوباما وحتى ترامب بتقليص أو تجميد بعض المساعدات العسكرية إلى مصر بينما لم يتأثر النظام المصري بذلك، وبالتالي فإن هذه الخطوة لا قيمة لها على الإطلاق.. ما ردكم؟

الأوضاع خلال الفترة الراهنة تختلف كثيرا عما كانت عليه في السنوات الماضية التي كان يحصل فيها السيسي على أموال كثيرة من دولتي الإمارات والسعودية زي "الرز" -كما قال في أحد تسريباته-، إلا أن تلك الأموال الطائلة توقفت خلال الفترة الأخيرة لأسباب مختلفة، كما أن الديون الخارجية لمصر تضاعفت كثيرا ووصلت إلى أرقام مخيفة، وبالتالي فهو يواجه أزمة اقتصادية حقيقية تتعلق بالموارد المالية وبضعف القدرات الإنتاجية للاقتصاد المصري.

وهناك اعتبار مهم جدا لا يتطرق إليه كثيرون بخصوص المعونة الأمريكية، وهو الأكثر أهمية من وجهة نظري. تقليص أو إلغاء هذه المعونة للجيش المصري سيكون بمثابة إشارة لكل أطراف المجتمع الدولي بأن الإدارة الأمريكية تتراجع أو توقفت عن بسط الغطاء السياسي للنظام الحالي في مصر. هذا هو الأمر المخيف حقا للسيسي، لأنه بدون هذا الدعم الأمريكي السياسي لم يكن لحكومته أن تتلقى كل هذه القروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من المؤسسات المالية الدولية الأخرى. وبالتالي فالأمر لا يتعلق فقط بـ 1.3 مليار دولار كما يعتقد البعض، بل إنه ربما هو المكون الأقل أهمية.

كيف استقبلتم طلب مدير جهاز المخابرات العامة، اللواء عباس كامل، للإدارة الأمريكية بسجن الناشط الحقوقي محمد سلطان استنادا إلى وثيقة تقول إن مسؤولا بالسفارة الأمريكية بالقاهرة تعهد فيها باستكمال سلطان فترة محكوميته بالسجن المؤبد في السجون الأمريكية؟

هذا أمر مثير للسخرية في الحقيقة. أن يذهب أكبر مسؤول أمني في النظام المصري إلى واشنطن حاملا ورقة مثل التي تحدث عنها يجسد خطة النظام المصري للحقوقيين المصريين. إلا أن الوجه الآخر لهذا الطلب هو الاعتراف العلني بلسان شخص بوزن عباس كامل بمدى التأثير الفعال لزميلنا الحقوقي محمد سلطان ولحلفاء الشعب المصري داخل المجتمع المدني الأمريكي، هذه هي الدلالة الأهم في تقديري.

كيف تقيمون اليوم موقف إدارة بايدن من أوضاع حقوق الإنسان في مصر؟ وهل أنتم على تواصل حاليا مع هذه الإدارة أم لا؟

هذه الإدارة لم تُختبر حتى الآن في ما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان في مصر، بل إن بعض ردود الفعل التي خرجت منها خلال الشهور الستة الماضية منذ تولي بايدن الحكم رسميا تحمل مؤشرات سلبية. هناك خطاب "إنشائي" إيجابي حول حقوق الإنسان والديمقراطية، لكن هذا الخطاب لم يُترجم إلى فعل على أرض الواقع حتى الآن.

أتصور أن الشهور القليلة القادمة ستكون بمثابة اختبار جدي لمدى توافر إرادة سياسية لدى إدارة بايدن في ما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية في مصر، وأظن أن الصورة ستتضح بشكل ملموس خلال الفترة الراهنة وحتى شهر أيلول/ سبتمبر المقبل.

وبالطبع فإن مركز القاهرة على تواصل مع الإدارة الأمريكية، ولدينا زميل مُقيم أصلا في الولايات المتحدة، وحضر بعض الاجتماعات ذات الصلة بهذا الملف في الخارجية الأمريكية.

اقرأ أيضا: صفحة منسوبة لسامي عنان تتحدث عن دور مصري بانقلاب سعيّد

أنا لا أتفق مع هذ التقييم، فلا أعتقد أنه كانت هناك عشوائية في القمع، حتى رغم وجود آلاف المعتقلين في السجون ممن لا دور أو نشاط سياسيا لهم. ما يقوم به النظام ليس عشوائيا، بل هو أمر مُمنهج ومتعمد، لأن استراتيجية السيسي الأمنية في التعامل مع المجتمع الدولي تتمثل بالأساس في احتفاظه -بكل أسف- بمخزون بشري كبير من المدنيين المصريين داخل السجون، بصرف النظر عما إذا كان بعضهم ليس له أي نشاط سياسي أو نقدي.

فهذا المخزون البشري يُمكّن السيسي في لحظات معينة من أن يعلن عن إفراجات تضم عشرات الأشخاص من أجل أن يُوهم أطرافا معينة في المجتمع الدولي بأن هناك تحسينات وتنازلات.. في مقابل ذلك يحصل على بعض المكاسب. بالطبع هذه همجية بشعة، لكنها متعمدة وليست سياسة عشوائية. فتقديم تنازلات في "المخزون البشري" من المعتقلين غير المسيسين يعفيه بشكل مؤقت من الضغوط التي تطالب بالإفراج عن الشخصيات العامة المعروفة والرموز السياسية المعتقلة داخل السجون، التي يعتبرها "كروت التفاوض" الأهم.

وفي ظل غياب أي معارضة سياسية ذات وزن، بسبب سحق السيسي لكل أحزاب وجماعات وشخصيات المعارضة المختلفة، فقد باتت دائرة العلاقات والتفاعلات السياسية لأول مرة في مصر منذ عهد السادات محصورة بين رأس النظام والمجتمع الدولي فقط. لأن المصريين ليس لهم أي وجود أو اعتبار، إلا كمخزون بشري يتم التفاوض عليه.

السيسي أعلن مؤخرا عن تدشين ما وصفه بـ"الجمهورية الجديدة المدنية الديمقراطية".. فكيف ترى هذه الجمهورية الجديدة؟

مصر عرفت الجمهورية الأولى في أعقاب الانقلاب العسكري الأول عام 1952، وهي ليست سوى نظام ملكي على رأسه رئيس، وضمن إطارها جرى استبدال التوريث في السياق العائلي بالتوريث في إطار المؤسسة العسكرية، وهو الأمر المستمر حتى الآن. إلا أن ثورة يناير هي التي حملت مشروع محاولة إيجاد جمهورية جديدة في مصر، لكن هذا الحلم قامت المؤسسة العسكرية بقيادة السيسي بإجهاضه ووأده في مهده عبر انقلابه الدموي في صيف 2013. هذا الإجهاض لم يبدأ في 3 تموز/ يوليو 2013، بل منذ الأسابيع الأولى لتنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك.

ما يسميها السيسي بالجمهورية الجديدة هي نفسها الجمهورية القديمة، لكن بشكل أكثر وحشية وقسوة. فإذا كان هناك جديد فيها فهو مستوى البشاعة والقسوة في التعامل مع المصريين. واختراع هذا الاسم هو محاولة للتجمّل وإعادة التسويق وتحسين الصورة القبيحة أمام المجتمع الدولي.

هل مصر الآن أمام حكم المنظومة العسكرية بأكملها أم مجرد حكم شخص عسكري بمفرده؟

لا يمكن استمرار أي حاكم في مصر منذ تموز/ يوليو 1952 وحتى الآن دون دعم قوي وحاسم من الجيش. هذا لا يعني أن هناك إجماعا داخل الجيش حول هذا النمط من نظام الحكم. لدينا مؤشرات بخصوص حجم الخلافات الحادة والعنيفة التي حدثت داخل المؤسسة العسكرية منذ الأيام الأولى لتموز/ يوليو 1952، حينما تم التخلص من معظم قيادات الانقلاب الأول، ثم توالت واشتعلت الصراعات فيما بينهم إلى أن انتهت بقتل أو انتحار الرجل الثاني وزير الدفاع المشير عبد الحكيم عامر.

وفي عهد السادات كانت هناك محاولة للانقلاب عليه بقيادة وزير الدفاع في أيار/ مايو 1971، وكانت هناك تناقضات بين العسكريين في عهد مبارك، وفي كانون الثاني/ يناير 2011 اتضح أن قيادة الجيش غير راضية عن استمرار نظام مبارك. هذه الصراعات العسكرية تواصلت في عهد السيسي؛ فرأينا التطهيرات العنيفة التي حدثت داخل الجيش وجهاز المخابرات العامة منذ انقلاب 2013 وحتى اليوم. فقد تم اعتقال مدير جهاز المخابرات العامة السابق، اللواء خالد فوزي في منزله، ورأينا مصير العسكريين الثلاثة الذين سعوا لمنافسة السيسي في انتخابات 2018، حيث إنه وضع اثنين منهم في السجن الحربي، وهما الفريق سامي عنان والعقيد أحمد قنصوة، والثالث كان وما زال قيد الإقامة الجبرية في منزله بعدما تم ترحيله قسرا من دولة الإمارات، وهو الفريق أحمد شفيق.

وحتى عقب إطلاق سراح عنان من السجن الحربي فإنه لا يزال هو الآخر قيد الإقامة الجبرية في منزله حتى الآن. هذه الصراعات السياسية داخل الجيش على مستوى القمة لها انعكاسات على المستويات الأدنى بالمؤسسة العسكرية، وهو الأمر الذي رصدناه حينما تم اعتقال الفريق عنان، حيث جرت اعتقالات أخرى واسعة في صفوف الضباط من أصحاب الرتب المتوسطة.

 

هل حجم الشعبية التي كان يتمتع بها السيسي داخل الجيش في 3 تموز/ يوليو 2013 لا يزال كما هو أم لا؟

 

للأسف لا توجد مقاييس علمية لقياس الشعبية في مصر، إلا أن أبرز المؤشرات على انحدار شعبية السيسي، هي خطاباته هو نفسه. فهي تظهر مدى خوفه الدائم من احتمالية اندلاع انتفاضة شعبية جديدة ضد حكمه؛ حتى ليبدو وكأنه يحلم دائما في منامه بكابوس الانتفاضة الشعبية. إذا كان السيسي يعتقد أن لديه شعبية جارفة، كما يزعم، فلماذا كل هذا القمع والتنكيل بمعارضيه؟


وفكرة تعيين ضابط جيش في كل قرية، بعدما أقرّ سابقا أن يكون هناك مُمثل لوزير الدفاع في كل محافظة إلى جانب المحافظين الذين أغلبهم من لواءات الجيش المتقاعدين، مؤشر إضافي على مدى الرعب الذي يتملك السيسي، بالإضافة إلى المؤشرات الأخرى على مدى انحدار شعبيته.

 

هناك أنباء حول اعتزام السيسي تغيير رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وعدد آخر من الوزراء.. هل ستتوقف كثيرا أمام هذا الخبر حال إعلانه رسميا؟


أي نظام ديكتاتوري يحتاج من وقت لآخر إلى تغيير الأحصنة، وتغيير "المكياج" أمام شعبه والمجتمع الدولي من أجل محاولة تحسين صورته. الجميع في الداخل والخارج على يقين تام بأن القرار ليس في يد رئيس الوزراء أو أي مسؤول مدني آخر، لأن السيسي يحتكر القرار في كل الأمور ليس فقط كرئيس جمهورية، وإنما كرئيس وزراء فعلي، وكوزير في كل وزارة، بل وكعمدة في كل قرية. هذا المستوى من المركزية الشديدة لاتخاذ القرار في مصر ليس له مثيل منذ تموز/ يوليو 1952.

 

هل تتوقع حدوث اضطرابات أو أعمال عنف في مصر خلال الفترة المقبلة أم لا؟


لا أتوقع ذلك، لكن المشكلة أن مصر أشبه بقطار سكة حديد خرج عن القضبان، وسائقه الوحيد يتصرف على هواه. لذلك لم تعد هناك دولة، وبالتالي فكل الاحتمالات واردة ومفتوحة. نحن نأمل في إعادة القطار إلى القضبان مرة أخرى دون حدوث اضطرابات أو قلاقل، وأن يجرى البحث قريبا عن سائق جديد لا يخرج عن القضبان مرة أخرى. قد يستغرق ذلك بعض الوقت، لأننا نتمنى أن يتم استبدال هذا السائق بشكل مؤسسي وليس بشكل انقلابي أو فوضوي.

 

منتصف شهر حزيران/ يونيو الماضي أيدت محكمة النقض أحكام الإعدام بحق 12 شخصاً، بينهم قيادات في جماعة الإخوان المسلمين؛ وذلك ضمن قضية اعتصام رابعة العدوية عام 2013.. ماذا لو أقدم النظام على تنفيذ أحكام الإعدام تلك؟


سيكون يوما حزينا للغاية في مصر. فتح الباب أمام إعدام القيادات السياسية بدأ مع جمال عبدالناصر، إلا أن السيسي توحّش كثيرا في هذا الأمر. آمل أن تتغلب نزعة العقل والحكمة لدى النظام، ليس فقط عبر إيقاف حكم الإعدام الأخير، بل كل أحكام الإعدام بما في ذلك الصادرة بحق السجناء الجنائيين.. لأن المشكلة الأكبر التي نواجهها هي انهيار المنظومة القضائية التي لا تتمتع حاليا بأي ثقة في الأحكام التي تصدرها لا في القضايا السياسية ولا في الجنائية، وهذه كارثة كبرى للغاية.


وفي هذا الصدد، أدعو جماعة الإخوان المسلمين إلى مراجعة موقفها المبدئي من عقوبة الإعدام للسياسيين وغير السياسيين، وأن تتبنى خطابا جديدا بشأنها، خاصة أنها العقوبة الوحيدة التي لا يمكن تصحيحها.

 

وكيف تتصور ردود الفعل الداخلية والخارجية حال تنفيذ تلك الإعدامات؟


ستكون هناك انتقادات حادة جدا على المستوى الدولي، وستكون هناك انتقادات محدودة داخل مصر، لأن أصوات المصريين مكتومة ومقموعة ومنقسمة، وبغض النظر عن ردود الفعل المحلية والخارجية، فإن هذا الأمر سيفاقم المرارات والثارات ونوازع الانتقام، وأي حاكم عاقل لا يجب أن يُقدم على ذلك.

 

السيسي قال مؤخرا إنه والجيش سيرحلان قبل حدوث ضرر لمصر في المياه.. فلماذا يصرّ السيسي دائما على ربط مصيره بمصير الجيش؟


السيسي دائما ما يتمسح بالجيش، إلا أنه ربما في هذه المرة كان أكثر وضوحا. ربما يُعبّر ذلك عن قلق دفين ليس في ما يتعلق بموقف الجيش، إنما الأمر مرتبط بمخاوفه من حدوث ردود فعل شعبية تتعلق بسد النهضة، لأنه يدرك جيدا مدى سخط المصريين على نظامه بشكل عام، وأيضا على إدارته المتخبطة لهذا الملف. هو لديه قلق واضح من رد الفعل الشعبي ضده الأمر الذي يكرر استدعاء الجيش في أحاديثه ويتدثر به، بما في ذلك تلويحه في إحدى المرات بأنه قادر على نشر الجيش في كل ربوع مصر خلال 6 ساعات. سيظل هذا الهاجس يلاحقه بشكل دائم.

 

هل تتوقع اندلاع ثورة جديدة في مصر مع استمرار تردي الأوضاع؟


لا أتوقع ثورة جديدة في ظل الأوضاع الراهنة، ربما تحدث اضطرابات تلقائية أو ردود فعل عفوية غير منظمة. آمل أن يحدث أي تغيير بشكل مُنظم، والأفضل أن ينطلق من داخل النظام الحاكم نفسه، بما في ذلك المؤسسة العسكرية.


أحث المؤسسة العسكرية على مراجعة خياراتها السياسية ليس فقط من صيف 2013، بل منذ عام 1952. وأدعوها في هذا السياق إلى أن تقارن وتُقيم وضع مصر الاقتصادي قبل وبعد 1952، خاصة في ظل حالة الإفلاس التي تعيشها الدولة المصرية الآن، والتي حتما سيكون لها انعكاس على أوضاع الدولة، وحتى على المؤسسة العسكرية ذاتها.


آمل أن تبادر المؤسسة العسكرية بعملية إعادة التقييم، لأن المخاطر ستكون رهيبة حال تفاقم أو انفجار الأوضاع، ولن تفلت المؤسسة العسكرية من هذه التداعيات والمخاطر.

 

وما مدى واقعية الدعوة التي توجهها اليوم للمؤسسة العسكرية؟


لا أستطيع أن أتنبأ على وجه الدقة، لكن ما أعرفه أن الجيش مثل أي كيان بشري آخر في مصر أو في العالم لا يمكن أن يكون كتلة صماء. هناك بعض الإشارات التي تعطي مؤشرات بواقعية دعوتي. فلدينا على سبيل المثال الفريق عنان الذي أصبح شخصا مختلفا تماما في عام 2018 مقارنة بما كان عليه عام 2011.


كما أنني أعرف أن الفريق شفيق قام أيضا بمراجعة الكثير من الأمور خلال السنوات التالية لثورة يناير 2011 والسابقة لترشحه للرئاسة عام 2018.


ولم يكن تطلع عنان وشفيق لمنافسة السيسي في الانتخابات مجرد طموح شخصي، لكنه كان يعكس أيضا رؤى مختلفة من داخل المؤسسة العسكرية لمستقبل مصر وإدارة شؤونها. ولا أستبعد أن يكون هناك الآن داخل الجيش سامي عنان أو شفيق آخرون، وبالتالي فأنا أراها دعوة واقعية وقد تحدث استجابة لها في مرحلة ما.


التعليقات (0)