هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يشتد الخناق
على اللبنانيين يوما بعد آخر في ظل انعدام الحلول وغياب الرؤية الواضحة للخروج من
نفق أزمة مالية واقتصادية ومعيشية وسياسية، لم يشهد لها لبنان مثيلا منذ زمن
المجاعة إبان الحرب العالمية الأولى بين عامي 1915-1918، ولم يعد همّ اللبناني سوى
تأمين قوته اليومي، وسط غياب الكماليات ووسائل الترفيه التي تمتع بها سابقا كثير من
اللبنانيين، قبل أن تتفجر الأزمة وتدخل البلاد في مرحلة انهيار شامل، فالكهرباء
مقطوعة ومغيبة والبدائل عنها (مولدات الأحياء) تفتقد الوقود فأطفئت هي الأخرى، والدواء مفقود تماما والمياه شحيحة لأنها مرتبطة بالكهرباء وكذلك الإنترنت، أما
الأفران فدقت ناقوس الخطر... فهل دخل لبنان فعليا زمن المجاعة الثانية؟
حتى سياسة
الدعم ومنها المحروقات وبعض المنتوجات الأساسية التي كان قد خصصها مصرف لبنان، تم إيقافها بقرار من حاكمه رياض سلامة، وسط جدل وانتقاد له
وتبرم من رئيس الجمهورية بأنه تجاوزه ولم يضعه في صورة القرار قبل اتخاذه. غير أن
القرار اتخذ ويبقى التنفيذ مسألة وقت ليس إلا.
الدعم كارثة
ورأى الخبير
الاقتصادي الدكتور عماد شمعون، أن الاستمرار في سياسة الدعم يشكل كارثة بكل المقاييس، ومن ثم فإن رفع الدعم ضرورة وحاجة"، موضحا في تصريحاته لـ"عربي21":
"الدعم المقدم من مصرف لبنان المركزي ليس سوى إهدار لأموال المودعين، وبمعنى
أدق نهب لها على اعتبار أن الدولة اللبنانية لا تمتلك مالا لتقديم أي دعم، وهذا
يمثل سرقة موصوفة وممنهجة لحقوق المواطنين".
ولفت شمعون
إلى أن "الدعم لا يصل بشقه الأكبر إلى اللبنانيين في ظل احتكار التجار
وتهريبهم للوقود والبضائع المدعومة إلى سوريا لبيعها بسعر مرتفع، وهذا يدلل على مدى
استفحال النصب والاحتيال والفساد في لبنان، في ظل عجز وغياب دور الدولة في حماية
المواطن وحقه في العيش الكريم"، مبينا أن "السلطة الحاكمة تسعى إلى
تمديد أمد الدعم قدر الإمكان لتخفيف الضغط الشعبي عليها، والسخط المتصاعد من قبل
الشعب المنهك بفعل أزماته الحياتية".
وشدد على أن
تخفيف حالة الغضب الشعبي تكون من خلال تأمين السلطة لموارد مالية وتفعيل دورها
وجلب المال وفق الآليات الصحيحة بما فيها الضرائب، من ثم توجيه الدعم عبر مصادره
الصحيحة وليس من خلال أموال المغبونين، المصادرة من قبل الدولة نفسها"، منوها إلى أن الحملة التي تشن على سلامه والتظاهر أمام منزله، هو فعل مدبر لأنه لم يستجب
لأركان السلطة، ولو استمر في سياسة نهب أنوال المودعين في المصارف، لكان المديح قد انهال عليه من الطبقة الحاكمة نفسها".
وعن نية
الطبقة السياسية، قال: "يسعون إلى تدمير ما تبقى من مقدرات البلاد من خلال
استمرارهم على المنوال القديم نفسه والتنازع على الحصص في الوزارات والإدارات، ولم
يحاولوا تغيير مسارهم رغم كل الهزات التي ألمت بنا... وهذا يدلّل على أن هذه الطبقة ميؤوس منها ولا يمكن
عقد آمال الإنقاذ عليها".
وعن ارتباط
قرار حاكم مصرف لبنان برفع الدعم بغطاء دولي وربما أمريكي، قال: "لا أستبعد
حدوث هذا الأمر، فاتخاذ حاكم مصرف لبنان هذا القرار في ظل عزلته وفتح مواجهة مع
الطبقة السياسية، يدلّل على أنه تلقى دعما وجرعات تنشيطية للوقوف في وجه رئيس
الجمهورية والأقطاب بمن فيهم حزب الله".
وأبدى شمعون
تأييده المطلق لرفع الدعم؛ لأنه يوقف سياسة النهب ويمنع استمرار استغلال التجار
للوضع الراهن والمضي في احتكارهم وتهريبهم للبضائع المدعومة إلى سوريا، وفي الوقت
نفسه سيجد المواطنون ومنهم العسكريون أنفسهم في مواجهة أسعار مرتفعة للمحروقات
والبضائع الضرورية التي تتخطى رواتبهم بأرقام كبيرة... غير أن المتاح حاليا فقط هو
رفع الدعم لإيقاف هذا النزيف وحالات النهب القائمة التي أشرت إليها".
اقرأ أيضا: دعوة إسرائيلية لتدخل سياسي في لبنان بجانب الردع العسكري
وأوضح أن
احتجاز أموال المودعين لم تتسبب به المصارف، وإنّما الدولة اللبنانية التي اقترضت
الأموال من خلال الضغوطات والمساومات والتلويح للمصارف بوضع العراقيل لها،
ومن ثم فإن الأموال المحجوزة هي في ذمة الدولة ولا بد في حال استنهاضها وترميم
الوضع القائم من إعادة الدولة لحقوق الناس، من خلال تسديد المبالغ المستدانة من
المصارف".
وحذر من مغبة
إدخال لبنان في النظام المالي الشيوعي "كما يريد حزب الله"، وأوضح:
"عندما تصادر أموال الناس في المصارف التي تفرغ من أموالها، فإن ذلك شكل من
أشكال الشيوعية المالية التي تقوم على تأميم الأموال والأملاك، غير أن الأسلوب
مبطن كي لا تثار الانتقادات صوب السلطة"، ونوه إلى أن حزب الله لطالما دعا إلى الاستفادة من الصين وتجاربها والتواصل معها، وهو ما يؤكد محاولة تحويل لبنان إلى منظومة اقتصادية ومالية شيوعية".
ثمن سياسات
وحمل النائب
السابق الدكتور فارس سعيد حزب الله مسؤولية التدهور الحاصل في لبنان، وأكد في
تصريحات لـ"عربي21" أن "لبنان يدفع ثمن سياسات حزب الله السابقة
والحالية التي سلخت لبنان من واقعه العربي، وأخرجته من الشرعية الدولية ووضعته في
حالة عزلة عن محيطه وامتداده، ومن ثم فإن رفع الدعم من عدمه هو جزء من سياق كبير، عنوانه هيمنة حزب الله على مقدرات لبنان وقراره السيادي"، وعن دلالة اتخاذ
قرار الدعم في الشكل والمغزى والتوقيت، كشف سعيد عن وجهتي نظر في هذا المجال،
الأولى تذهب إلى أن سلامة أبلغ المجلس الأعلى للدفاع بنيته اتخاذ هذا القرار، ومن ثم فإن رئيس الجمهورية والمسؤولين المعنيين على علم بهذا القرار، بينما تذهب وجهة
النظر الثانية إلى أن سلامة اتخذ القرار بمفرده ومن دون علم رئيس الجمهورية
والمعنيين"، وتابع: "بغض النظر عن شكل اتخاذ القرار، فإنه ليس مجرد إجراء
إداري تقليدي، وإنما هو خطوة تشكل محطة من سلسلة انهيارات وأزمات متلاحقة شهدناها
في الآونة الأخيرة".
وحول سبل
الخروج من الأزمة، أكد أن "الطريق الوحيد يأتي من خلال تشكيل حكومة قادرة
أولا ومن ثم ترميم مؤسسات الدولة"، موجها انتقاده إلى رئيس الجمهورية الذي
وصفه "بأنه غير قادر لأن يكون جزءا من الح،ل لا بل أصبح في وجهة نظر معظم
اللبنانيين جزءا من المشكلة، مع استمرار المراوحة الحكومية وعدم تشكيل حكومة إنقاذ
في ظل عدم اجتماع مجلس النواب"، وأردف: "في حال استمرار الازدواجية في
تسيير الأمور من خلال رياض سلامة ماليا وقائد الجيش جوزيف عون أمنيا من دون إيجاد
حلول جذرية، فإننا لا شك واصلون إلى الانهيار الشامل".
وحذر من أن
استمرار التعنت السياسي سيؤجج الوضع المالي والاقتصادي، وسيكون له تداعياته التي لا
يمكن معالجة آثارها بسهولة، داعيا إلى "احترام "الدستور اللبناني ووثيقة
الوفاق الوطني وقرارات الشرعية العربية والدولية، وأي حديث عن مؤتمر تأسيسي للبنان
لن يكون في محله، بل المطلوب التمسك بالدستور ومضامينه في هذه المرحلة التي يقع
فيها لبنان تحت الهيمنة الإيرانية".
وحول مطالبة
البعض بوصاية خارجية في ظل الترهل السياسي والفساد المستشري، أعرب سعيد عن رفضه
للحديث عن أي وصاية خارجية مهما كانت الأسباب والمسببات؛ لأن التمسك بالدستور هو
طريق الخلاص الوحيد، مع محاولة إعادة لبنان إلى محيطة العربي والعمل على استعادة
ثقة المجتمع الدولي بسلطته".