كيف نتعامل مع خلافاتنا العائلية؟

مع أن العائلة بامتداداتها تعتبر عنصر قوة وتماسك في مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلا أن هذا له ضريبة كبيرة تستنزف جهد ووقت وتفكير كثيرين منا، حيث تنزل بنا في خلافات لا قاع لها.

جل هذه الخلافات العائلية في قضايا ثانوية ليست ذات أهمية تبدأ بحسابات السداد والدين في الزيارات والهدايا المتبادلة بالمناسبات الاجتماعية وما أكثرها، مرورا بسعاة الغيبة والنميمة، وليس أسوأ بعد من مزاح ينتهي بشجار، وتعليقات مداعبة تتحول لتنمر وسوء ظن وأخذ على محمل السوء، ومن ثم فصّل وحدّث ولا حرج في خلافات اجتماعية لا حصر لها.

ويبدو أن الدراما التلفزيونية ومنصات التواصل الاجتماعي زادت الطين بلة في هذه الخلافات، وجعلتها عابرة للدول والقارات بعد أن كانت حبيسة بيت دون غيره ومحيط اجتماعي دون آخر.

ولكن ما المطلوب في التعامل مع الخلافات العائلية؟ 

هناك عدة نصائح اعتقد أنها بالغة الأهمية وقد أوجزتها بخمس، وهي:

أولا ـ العائلة هدف وليست مجرد اسم

الحفاظ على وشائج الأسرة والارتباط العائلي هدف بحد ذاته حثت عليه الأديان والقيم.. وللأسرة في الإسلام مكانة عظيمة لا يستهان بها، وعليه جاء الهدي النبوي لمن هم في مقام رعاية الأسرة "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول".. وبشأن الأبناء والبنات كانت طاعة الوالدين بعد طاعة الله عزوجل، والشواهد على ذلك كثيرة.

وعموما كان التوجيه النبوي "الأقربون أولى بالمعروف".. وعليه نحن معنيون بالحفاظ على العائلة بمختلف درجات القرب والصلة الاجتماعية.

ثانيا ـ المال وسيلة وليس غاية

وعليه لا ينبغي لأجل المال، وهو الوسيلة، أن نضيّع العائلة وهي الهدف في سبيل تحقيق الغاية الكلية برضاء الله وتوفيقه وتحقيق البركة التي تسعدنا بالشيء ولو كان قليلا وتنغّص علينا الكثير حتى ولو كان مالا وفيرا.

ثالثا ـ الأقربون أولى بالمعروف

من أكثر الناس سعادة أولئك الذين يحرصون على إسعاد من حولهم، فكيف لو كانوا ذوي رحم وقرابة؟! والأمر هنا واجب شرعا بتقديم أولوية منح المعروف والصدقة والمساعدة بكل أشكالها لذوي القرابة، كم ننظر بانتقاص شديد لصاحب مال وأهله حوله فقراء.

رابعا ـ التوازن في التواصل

يقولون: "زر غبا تزداد حبا"، فالزيارة العائلية القصيرة أفضل من الطويلة، جلسة صلة الرحم العائلية لساعتين أفضل من جلسات طويلة بلا أجل ـ لا أقصد هنا بالتأكيد الأم والأب فلهما استثناء ـ ولكن العائلة الممتدة من أبناء عمومة وقرابة بدرجات مختلفة يجب علينا التوازن في صلتهم، فلا نسرف في أوقات التواصل ولا نزهد؛ وكلما طال وقت التواصل زادت احتمالية الغيبة والنميمة والخلاف والقيل والقال.

خامسا ـ لا تشتغل مع أقربائك

يقول المثل الصيني (كل واشرب مع أقربائك ولكن لا تشتغل معهم).. أذكر أن والدي عندما بنى بيته رفض إحالة أعمال البناء وهو مختص بها لعمي، رغم شهرة عمي في حينه بذلك المجال؛ وعندما سألته أجاب بأنه لا يريد أن يتسرب الخلاف بينه وبين عمي بسبب الملاحظات التي يمكن أن ترد على البناء وتفاصيله.

من المهم أن نساعد أقرباءنا ولكن علينا الحذر من الدخول بأعمال تجارية قد تسبب خلافات تنتهي بقطيعة وتؤثر على العائلة كلها.

وفي النهاية نذكر كما قيل أن العائلة مثل فروع الشجرة الكبيرة الممتدة، كل فرع منها ينمو بطريقته الخاصة ويأخذ شكله واتجاهه الخاص به، ولكن جذورها جميعا تعود لأصل واحد وساق واحد، وكلما تمسكت به كلما زادت قوة ومنعة.