هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لو كان الإسلام السياسي هو توظيف الإسلام في السياسة لكانت كل الأنظمة العربية عسكريها وقبليها وكل الأنظمة الشيعية عربيها وفارسيها، أي كل الفاشيات العربية والفارسية ممثلة للإسلام السياسي وليس الإخوان ومن شابههم وحدهم.
الإسلام السياسي الذي يمثل مستقبل الإنسانية وليس المسلمين وحدهم هو الذي حدده القرآن في تعريف الإنسان بوظيفتين كلتاهما مفقودة عند هذه الأنظمة:
ـ استراتيجية تحقيق شروط الاستعمار في الأرض أي العمل العمل على علم.
ـ استراتيجية تحقيق شروط الاستخلاف فيها أي العمل على خلق.
وهما منعدمتان، وخاصة عند نسخها التي تسمى إخوان ومن شابههم لأنهم بمنطق رد الفعل يقلدون الفاشيات الحاكمة بصورة شبه مطلقة في هذه الأنظمة وليس لهم من الإسلام مثلهم إلا توظيفه السياسي بمنطق فولتير لأنه يرد عندهم إلى العبادات والرشى التي تسمى مساعدات فتكون إسكات المحتاجين بسمكة بدل تعليمهم الصيد.
وهنا سأضرب مثال تجربتي الشخصية في محاولة العمل المستقل في "النهضة" باعتبارها ـ كما ظننتها إسلاما سياسيا ـ فوجدت أنها لا علاقة لها به بل هي مثل ما وصفت تستخدم الإسلام ولا تخدمه.
فما حضرت اجتماعا للحسم في أمر إلا وقدموا حجة نحن لا نقبل إلا من ترشحه الجماعة لا من يرشح نفسه. فتظن أنهم سيسمعون للجماعة الحاضرة للحسم الحضوري في انتخاب ما أو اختيار ما. لكنك تكتشف أن الأمر حسم سابقا وما تشهده هو مسرحية كلها كذب ونفاق.
وقد حدث ذلك في تعيين من يكتب الدستور وفي تعيين من يكون وزيرا في ماذا، ولما طلب مني رأيي في ما أريد أجبت بأني لا أريد شيئا: فلست ممن يمكن أن يكون دمية.. وقد أعلنت ذلك يوم قبول المشاركة بشرطين هما: عدم الانتساب للحزب والمغادرة إذا تعارض فعله مع ما أراه صوابا.
وبهذه الطريقة فقد تم خيار الحلفاء مع يقيني من البداية أن ذلك سيخرب المشروع بصورة حتمية. فليس لأن القائدين مناضلان ينبغي أن نتجاهل أن جل من جمعاه في الانتخابات سيكونون أهم عقبة في التجربة. وهو ما أكدته التجربة حتى قبل انفراط الحزبيين.
الإسلام السياسي الذي أتكلم عنه والذي يمثل مستقبل الإنسانية هو ثورتا القرآن الكريم اللتين غيبهما تحريف علوم الملة وتاريخها وهما المرضان اللذان حاولت تشخيصهما ببيان عللهما استكمالا لما شرع فيه رجال المدرسة النقدية العربية.
وبنفس الطريقة تمت التعيينات بمنطق إلى الآن لم أفهمه، لكأن الجماعة تتآمر على نفسها وتعمل بها ما لا يعمله العدو بعدوه لأن من ناضل وهو طالب مثلا ليس بالضرورة قادرا على إدارة وزارة ولم يدر حتى بلدية.
لا أخفي أني لم أفهم إلا متأخرا وخاصة بعد تحليل الانقلابات المتوالية التي أنسبها لقيادة النهضة بما فيها الأخير الذي يمكن أيضا نسبته إليهم، أعني وصول الدمية للرئاسة بسبب مناوراتهم في الانتخابات الأخيرة: انقلاب التخلي عن التعهد بسنة فصارت انتخابات السنة لثلاث سنوات، والانتخابات لثلاثة ترضية للقذافي المفلس الأول: له تفييشه دون ثروة ليبيا.
الموافقة على انقلاب المفسدين الذين أسقطوا الصيد ليأتوا بمن يعرف نفسه بخال أمه وكانت فرصة انتقال "النهضة" بشرف للمعارضة والخروج من ورطة تحمل كل فشل تلا انتخابات 2014.
انقلاب تغيير الأغلبية بالإبقاء على الشاهد ضد قرار الباجي تنحيته ـ حتى وإن صارت أقلية ـ من دون انتخابات سابقة لأوانها عندما ساندوا بقاء المفسد الذي ادعى الحرب على الفساد.. الانقلاب الداخلي لتغيير القوائم ومناورات انتظار العصفور النادر وتبني الدمية بوصفه هو العصفور بالإطاحة بمورو ظنا أن الدمية سيعطيهم رئاسة الحكومة.
فيكون انقلاب الدمية هو الانقلاب الخامس والقذافي المفلس الثاني من اختيار من لا عقل لهم ولا حكمة.
وإذن فهذا الانقلاب ليس الأول في مسار الانتقال الديمقراطي، وإذا واصلوا نفس السلوك ويبدو أنهم فاعلون إذا استوحينا ثرثرة اللجنة التي كلفوها بالتقييم فإن هذا الانقلاب آخر فرصة قد تضيع إذا لم نتدارك الأمر بعزل الدمية وإصلاح أمثال هذه الأخطاء.
أعترف أني كنت ساذجا حقا لما صدقت أن الإسلام السياسي يمكن أن يفهمه من يتصور الفصل بين الديني والسياسي، يعني التخلي عن مرجعيته أي الجوهري من الديني الذي يهم السياسي وليس ما يعتقده من سلطان على المساجد أو العبادات، أي ما ينتظره أي عاقل من حزب اختاره لينوبه في حكم البلاد تحت رقابته: شروط الاستعمار في الأرض وهي علمية وتقنية لسد حاجات الرعاية تكوينا وتموينا. والاستخلاف فيها وليس العبادات التي هي مهمة المؤسسات التربوية لا السياسية.
وقد قدمت محاولة لتحقيق هذا الاصلاح حتى قبل المؤتمر التاسع لكن خمسين نمالة طبت الغار. والمشكل هو ثقافة أدبيات الإخوان التي تحول دون فهم القصد بالمصالحة بين بورقيبة والثعالبي التي ناديت بها من اليوم الأول من الانتخابات التأسيسية في سيدي بوزيد.
لما تقارن ما حدث في تعيينات أبي بكر الصديق ـ مع حفظ المقامات ـ وخياراته التي اقرها من بعده الفاروق تقول إن الرجلين كان ينتقما لمن كانوا أعداء الإسلام. ولم يقع في فخ "اليسار" الذي دعا إلى الانتقام من الماضي بل تم العمل بمنطق العفو عند المقدرة تماما كما فعل الرسول بل حتى كما فعلت طالبان رغم أن من عفت عنهم قاتلوها عقدين كاملين: لأن القصد هو البناء وليس التهديم.
صحيح أن "النهضة" تخلت في الأخير عن مشروع العزل لكن شتان بين فعله عند المقدرة واللجوء إليه بعد الهزيمة. فالاول فضل والثاني ضعف.
ومن يلغي الاعتماد على كفاءات الوطن لأنهم شاركوا سابقا لا يمكن أن يكون له ذرة من عقل خاصة أن منهم من هم أكثر إخلاصا لتونس (إذ هم من بدأ معركة الديمقراطية بمحاولة إصلاح النظام البورقيبي ونكل بهم ابن علي لاحقا) مما يظنون ثوارا وخاصة من اليسار والقوميين وكل من تبين أنهم مندسون في حزب المرزوقي وابن جعفر من أعداء الوطن.
شروط قيام الدولة بما يعرفه القرآن مشروعا للإسلام السياسي أي تحقيق شرطي قيامها هما: الشرعية التي تستمد من الكفاءة المعرفية والتقنية المشروطة في تحقيق مهمة الإنسان الأولى التي تستجيب لحاجات الجماعة العضوية أي الاستعمار في الارض حتى تكون سيدة على شروط بقائها وعنفوانها.
وفي الصدر لم يتم الاختيار بمعيار مجازاة "المناضلين" بالالتفات إلى الماضي بل باختيار الأقدر على آداء المهمة التي تحقق المشروع وتضمن المستقبل: لذلك فمن قاد الفتح كان قبل إسلامه قد كاد يقتل الرسول ـ خالد ـ وأمثاله ممن قضوا على الفتنة وفتحوا العراق وأسقطوا امبراطورية فارس ومن فتح مصر والشام وشرعوا في إسقاط امبراطورية بيزنطة جلهم من لم يكونوا من المناضلين بالمعنى المتقدم على الفتح.
كان المعيار هو دعاء الرسول: "اللهم أعز الإسلام باحد العمرين". لم يكن المعيار إلا معيار اختيار الرجال أي من سماهم الغزالي في فضائح الباطنية لبناء الدول "معتبري الزمان". فهم من يحتاج إليهم من له مشروع بناء دولة وليس طلب الحكم للحكم دون هدف يحقق وظيفتي الاستعمار والاستخلاف.
فشروط قيام الدولة بما يعرفه القرآن مشروعا للإسلام السياسي أي تحقيق شرطي قيامها هما: الشرعية التي تستمد من الكفاءة المعرفية والتقنية المشروطة في تحقيق مهمة الإنسان الأولى التي تستجيب لحاجات الجماعة العضوية أي الاستعمار في الارض حتى تكون سيدة على شروط بقائها وعنفوانها.
والشوكة التي تستمد من الكفاءة القيمية والخلقية المشروطة في تحقيق مهمة الإنسان الثانية التي تستجيب لحاجات الحماية الروحية أي الاستخلاف في الأرض حتى تكون سيدة على شروط حريتها وكرامتها.
الإسلام السياسي الذي يظنه الكثير قد انتهى هو الذي وصفت في عرض ما حصل بعكس ما كان ينبغي أن يحصل وما نصحت به وليس لعبقرية مني بل لأن ذلك هو منطق الثورات التي يلتفت أصحابها إلى المستقبل.
ولان عكس ذلك يحول دون أي استقرار في تاريخ الأمم: فمن دون البدء بالمصالحة لعزل المجرمين يصبح الجميع خائفا لأن تخويفه من المجرمين بأن دوره سيأتي في مشروع الانتقام يحول دون التقدم والاصلاح. ذلك أن الثورة إذا كانت ستنتقم ممن تقدم فهي تكون قد تبنت منطقه فتكون مثله فتصبح هي بدورها موضوع ثورة عليها بنفس المنطق مع الانتقام المضاد.. ومن يقول إن الإسلام الموظف سياسيا لم يعمد لذلك إلا بالأقوال ينسى أنه لم يتمكن وإلا لانتقل إلى الأفعال.
ومع ذلك فلا يمكن الاكتفاء بهذا التفسير لتعليل ما يسمى فشلا للحركات الإسلامية، فالمهمة التي وقعت على عاتقهم لم تكن يسيرة لأنها تجمع بين أمرين يعسر الجمع بينهما:
فهي حركة إحياء ودفاع عن تراث يكاد يقضى عليه من قبل الاستعمار وورثته من عملائه وهو ما يفسر طابع الدفاع المتشنج الذي كان مآله رمي الطفل مع ماء الحمام، ومقاومة التحديث الضروري بحجة رفض المستعمر.
صارت حركة بناء الدول بعد الثورة تكاد تكون خالية الوطاب من شروط الكفاءتين اللتين ذكرت لأن المقاومة الأولى كانت بالأساس عقدية وليست تقنية ولا علمية ولا خاصة استراتيجية سياسية بمنطق السياسة الحديثة.
ولهذه العلة كان تحليلي لما حدث في المغرب ـ والحزب الإسلامي المغربي مختلف تماما عن "النهضة" والإخوان لأنه أقرب في الرؤية إلى حزب أردوغان ـأن ما حدث نكسة وليس هزيمة وأن الذي هزم هو المخزن.
وذلك ما لم يفهمه المتناولون لمستقبل الاسلام السياسي. لم يتكلموا عن الإسلام السياسي بل تكلموا على توظيف الإسلام في السياسة. فبعد فشل العسكر في الجزائر خلال العشرية السوداء في استئصال الإسلاميين ـ رغم أنه كان في البداية وفي مصر وسوريا خاصة ـ نموذج نصح به دجال عبد الناصر وفيلسوفه.
أصبحت الخطة توظيفه لخدمة الفاشيات العربية حتى يغطي على عوراتها ثم الإطاحة به على أن ذلك ثمرة التداول الديمقراطي..
كل التعليل الذي سمعته ينطلق من هذه الكذبة.
لو كان المغرب (المخزن) وإيران (الملالي) وتونس (المافيا) ومصر (الجيش) والجزائر (الجيش) إلخ... ليس فيها ما يشبه ما كان موجودا في تركيا أي الجيش الوصي على الشعب والذي يولي ويعزل لصح الكلام على التداول الديمقراطي ولكان ما حصل عقابا انتخابيا.
ولا يوجد عقاب انتخابي ينزل بأي حزب حاكم إلى عشر قاعدته خاصة وهو قد نجح فعلا في تحقيق الإصلاحات البنيوية التي يعسر القيام بها من دون شجاعة سياسية لا نظير لها ـ وقد وصف لي الأستاذ ابن كيران ما فعل ـ ونرى ثمراتها التي جعلت المخزن يستغني عنهم.
لكن الأخطر في التحاليل التي سمعتها أمران:
الأول هو توهم المعركة محلية بين الأحزاب التابعة للفاشية والإسلام السياسي وليست مرتبطة بما بين الفاشية المحلية ومستعمر الأمس الذي ما يزال مستعمر اليوم.
الثاني هو تصور المعركة المقبلة ستبقى كذلك لأنهم يتغافلون عما يجري في نظام العالم الذي بدأ يميل إلى معركة سيكون للإسلام السياسي الذي يخدم الإسلام ولا يستخدمه دور مركزي.
لا يوجد عقاب انتخابي ينزل بأي حزب حاكم إلى عشر قاعدته خاصة وهو قد نجح فعلا في تحقيق الإصلاحات البنيوية التي يعسر القيام بها من دون شجاعة سياسية لا نظير لها ـ وقد وصف لي الأستاذ ابن كيران ما فعل ـ ونرى ثمراتها التي جعلت المخزن يستغني عنهم.
فلا يمكن لأمريكا أن تخوض معركة مع الصين ما لم تفهم أمرين: علة خسرانها كل معاركها مع الاسلام على الأقل منذ أن تصورت أنها استعملته ضد السوفييت ولم تعد بحاجة إليه.
وهذه خدعة ذاتية عند الأمريكان، لم تكن الأنظمة العربية قادرة على تحريك الشباب للجهاد لو لم يكن الإسلام هو الذي لا يقبل الإلحاد السوفييتي، وإذن فالذي استعمل الآخر هم المجاهدون وليس الأمريكان.
واليوم قد تتوهم أمريكا أنها يمكن أن تستعمل الدول الإسلامية الناهضة كما توهمت أنها استعملت المجاهدين (ظنا أنهم مثل مرتزقة داعش التي أسستها مخابراتهم فلم تحارب إلا السنة وتركيا ورعاهم حزب الله وإيران في سوريا بمظلة أمريكية وروسية).
وهذه الخدعة الذاتية الثانية يمكن أن تجربها أمريكا مرة أخرى. ولا بأس منها، لأنها هي التي ستكون الفرصة لكي يتحقق بناء شروط الاستئناف. فمن حق تركيا وباكستان وأندونيسيا وماليزيا وقطر الإيهام بأنهم مستعدون للتعاون مع أمريكا.
لكن ذلك مناورة لا غير لأن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين خاصة إذا كان ليخدم الإسلام لا ليستخدمه.
وما كنت لأكتب حرفا لو كان الإسلام السياسي هو الذي يستخدم الإسلام أي كما تفهمه كل الفاشيات العربية وليس الإخوان وحدهم وكل الفاشيات الفارسية برؤية فولتيرية.
الإسلام السياسي الذي أتكلم عنه والذي يمثل مستقبل الإنسانية هو ثورتا القرآن الكريم اللتان غيبهما تحريف علوم الملة وتاريخها وهما المرضان اللذان حاولت تشخيصهما ببيان عللهما استكمالا لما شرع فيه رجال المدرسة النقدية العربية.
الإسلام السياسي هو تحقيق شروط توحيد الإنسانية بقيم القرآن الكريم التي هي جعل سياسة عالم الشهادة خاضعة لقيم سياسة عالم الغيب كما تتجلى في نظام العالم الطبيعي والتاريخي إذا قرئا بمبدأي الآية الأولى من النساء والآية الثالثة عشرة من الحجرات.