هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
زار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، يوم الثلاثاء الماضي، العاصمة السورية دمشق، والتقى خلال الزيارة بشّار الأسد برفقة عدد من المسؤولين الإماراتيين في خطوة هي الأولى من نوعها منذ العام 2011. وسائل إعلام النظام احتفت بالمسؤول الاماراتي وأشارت رئاسة النظام السوري في بيان لها أن الأسد بحث مع عبدالله بن زايد العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها في مختلف المجالات، لافتةً إلى أن الأسد أكد خلال اللقاء "على العلاقات الوثيقة بين البلدين والمواقف الصائبة والموضوعية التي تتخذها أبوظبي، مضيفاً أنها وقفت دائماً إلى جانب الشعب السوري.
من ناحيتها روّجت وسائل الإعلام الإماراتية وشخصيات إماراتية عدّة أنّ الهدف الأساسي للتطبيع مع نظام الأسد هو الحد من نفوذ إيران، وذكر عبدالخالق عبدالله عدّة أهداف لزيارة المسؤول الإماراتي من بينها مساعدة الشعب السوري والمساهمة في عودة اللاجئين وتقليص الحضور الإيراني وإنهاء الاحتلال التركي على حدّ زعمه. ومن المفارقات هنا أنّه تحدّث عن "تقليص الحضور الايراني" في حين طالب بـ "انهاء الاحتلال التركي "، وهذا بحد ذاته مؤشر ينطوي على العديد من الدلالات.
الزيارة ليست مفاجئة في مضمونها، فمسار التطبيع الإماراتي العلني مع نظام الأسد بدأ في العام ٢٠١٨. وبالرغم من أنّ الأدبيات المتعلقة بموقف أبو ظبي من الثورة السورية تشير إلى أنّها دعمت الثورة في مرحلة من المراحل، إلاّ أنّ الحقيقة أنّ دعم الإمارات لنظام الأسد واستخباراته وقواته العسكرية لم يتوقف في أي لحظة خلال الثورة. علينا أن لا ننسى أنّ الإمارات استضافت عائلة الأسد ووالدته والفاسدين من المسؤولين المقربين منه في بداية الثورة.
وفي العام ٢٠١٣ ـ ٢٠١٤، قامت أبو ظبي من خلال شركات تعمل كواجهة فيها بإمداد النظام السوري بالوقود اللازم لتشغيل آلته العسكرية ضد الشعب، وذلك بشهادة السلطات الأمريكية ووزارة الخزانة. كما قامت شركات مقرّها دبي كشركة "يونا ستار" كوسيط بإمداد قوات الأسد بما يحتاجونه لاسيما سلاح الجو، والاستخبارات، ومكتب الإمداد العسكري، ومركز الدراسات والبحوث العلمية المسؤول عن برنامج النظام البيولوجي وقدراته الكيميائية.
رحّبت أبو ظبي في العام ٢٠١٥ بالتدخل العسكري الروسي وأيدّته، دعمت لاحقاً ميليشيات "واي بي جي" الكردية. وفي العام ٢٠١٧، شكّلت الإمارات أكبر سابع سوق لنظام الأسد، وبعدها بعام واحد فقط، تحدّت أبو ظبي العقوبات الدولية على الأسد وقامت بإعادة تشغيل خط الشارقة ـ اللاذقية، في أيار (مايو) ٢٠١٨، كما أنّها سمحت لـ "أجنحة الشام" ـ شركة مدرجة على لائحة العقوبات الامريكية بسبب نقلها ميليشيات وأسلحة ومعدات إيرانية لدعم نظام الأسد ـ بالعمل بين دمشق والإمارات. في نفس العام زار وفد اقتصادي مقرّب من المسؤولين الإماراتيين على رأسهم عبد الجليل البلوكي دمشق، وفي نهاية العام تمّ إعادة إفتتاح سفارة الإمارات.
بين عامي ٢٠١٨ و٢٠١٩، استمرت أبو ظبي في تقوية علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية مع نظام الأسد، واستضافت وفوداً اقتصادية سورية ترأّس بعضها شخصيات على لائحة العقوبات الأمريكية منذ العام ٢٠١١ كمحمد حمشو. أطلقت الإمارات جهود إعادة تعويم نظام الأسد وشرعنته من خلال السعي لإعادته إلى المنصّات العربية المختلفة وعلى رأسها جامعة الدول العربية. كما قامت أبو ظبي بجمع الأسد وحفتر في أجندة موحّدة لمواجهة تركيا، وتكفّلت بشكل أساسي بحسب وثائق أمريكية ودولية بتمويل مرتزقة فاغنر الروسية للقتال في ليبيا، وبتجنيد عناصر من ميليشيات موالية للأسد وإيران للقيام بنفس الأمر.
في العام ٢٠٢٠، تواصل ولي عهد أبو ظبي مع الأسد معرباً له عن دعم بلاده لحكومته بذريعة المساعدة على مواجهة كوفيد ـ ١٩، وقد ذكرت تقارير بأنّ محمد بن زايد عرض على الأسد مبلغ ٣ مليارات دولار لتقويض اتفاق إدلب بين تركيا وروسيا. أرسلت الإمارات وفدا اقتصاديا من ٤٢ عضوا إلى دمشق متحدّية العقوبات الأمريكية، كما أطلقت أبو ظبي في ذلك العام برنامج تدريب سري لطيّاري النظام السوري وعناصر الاستخبارات يتضمن إرسال عناصر النظام إلى الإمارات لتلقي التدريبات اللازمة. وقبيل الزيارة الحالية لوزير الخارجية إلى دمشق، جددت أبو ظبي دعوتها في آذار (مارس) ٢٠٢١ لإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، كما اتفق الطرفان في تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢١ على تعزيز العلاقات الثنائية وجرى اتصال ثانٍ بين الأسد ومحمد بن زايد.
إدارة بايدن التي تسير على نفس نهج إدارة أوباما لا تغضّ الطرف عن عملية إعادة شرعنة نظام الأسد وتعويمه كما يعتقد البعض، وإنما هي من أعطى الضوء الأخضر للإمارات وغيرها من الدول للمضي قدما في هذا المسار. التحرّكات العربية التي تجري الآن أتت بعد أن قامت الإدارة بتسويق مشروع ينطوي على إيصال الغاز الإسرائيلي إلى لبنان عبر مصر والأردن وسوريا.
المفارقة في الزيارة الأخيرة تكمن في التوقيت وليس المضمون. فهذه الزيارة تأتي مع اندلاع الأزمة بين السعودية ولبنان، وفي وقت سحبت فيه السعودية وعدد من البلدان الخليجية سفراءها من لبنان على خلفية تصريح وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي المحسوب على النظام السوري والمدعوم من قبل حزب الله ـ إيران. بمعنى آخر، السعودية تطرد السفير اللبناني وتسحب سفيرها على خلفية الاشتباك مع شخصيات محسوبة على الأسد وإيران، وفي المقابل تقوم أبو ظبي بتقوية علاقاتها مع هذا المحور.
أمّا الزعم القائل بأنّ الخطوة الإماراتية تهدف إلى تخفيف نفوذ إيران في سوريا، فهذا ادّعاء سخيف جداً وسبق استخدامه كذريعة لتمرير أجندات أخرى، وهو يُستخدم الآن كقنبلة دخانية لامتصاص الغضب المحتمل المتعلق بهذا الانفتاح من جهة، ولإيجاد تبريرات مخادعة لمن يريد الاعتراض عليها. لا يمكن تخفيف نفوذ إيران في سوريا من خلال دعم إيران ونفوذ إيران ورجال إيران في سوريا! يكفي متابعة تصريحات أمين عام حزب الله حسن نصرالله أول من أمس والتي أشار فيها إلى أنّ الانفتاح الإماراتي هو إقرار عربي بانتصار الأسد لمعرفة إلى أين ستؤول الأمور. وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان رحّب بزيارة ابن زايد إلى سوريا ولقائه بالأسد واصفاً إيّاها بالخطوة الإيجابية.
علاقات إماراتية قوية مع نظام الأسد هي في صلب دعم النظام الإيراني والميليشيات الإيرانية والأجندة الإيرانية في المنطقة. ماذا ستقّدم الإمارات للنظام؟ إعادة شرعنته، وإعادة بناء ما دمّره على رؤوس السوريين، وإعادة بناء آلته العسكرية والاستخباراتية، وهذه الخطوات تصب في صالح تخفيف العبء السياسي والمالي والاقتصادي والعسكري عن النظام الإيراني. طهران تحارب مع ميليشياتها وحلفائها منذ ١٠ أعوام لتحقيق هذه الأهداف، وهناك من يأتي ليُقدّمها لها على طبق من ذهب ويدّعي في نفس الوقت أنّه يريد تقليص نفوذ إيران في سوريا!
الجرم الرئيسي في إعادة إحياء نظام الأسد يقع على عاتق الإدارة الأمريكية التي تتحمّل المسؤولية الأكبر عن العبث الحاصل في الملف السوري. إدارة بايدن التي تسير على نفس نهج إدارة أوباما لا تغضّ الطرف عن عملية إعادة شرعنة نظام الأسد وتعويمه كما يعتقد البعض، وإنما هي من أعطى الضوء الأخضر للإمارات وغيرها من الدول للمضي قدما في هذا المسار. التحرّكات العربية التي تجري الآن أتت بعد أن قامت الإدارة بتسويق مشروع ينطوي على إيصال الغاز الإسرائيلي إلى لبنان عبر مصر والأردن وسوريا.
أهداف الإدارة الأمريكية، عدا عن موضوع توسيع رقعة جهود التطبيع الجارية مع إسرائيل في مقابل احتواء انتقاداتها على انخراط إدارة بايدن في مفاوضات نووية مع إيران، فإنّ إدارة بايدن تريد استخدام سوريا كورقة في مساومات مع إيران وروسيا، تماماً كما كان عليه الأمر إبّان عهد أوباما. نخفّف العقوبات عن رجلكم ونعيد تأهيله، وفي المقابل نريد من إيران العودة إلى المفاوضات والاتفاق النووي، ونريد من روسيا إنهاء الخلافات الأساسية، وبعدها يمكننا سحب قواتنا من سوريا ويمكن لإيران أن تزعم أنّها سحبت قواتها بشرط أن لا تمس الأمن الإسرائيلي برعاية روسية. الجميع يستفيد من هذا السيناريو لكن الشعب السوري ومعه تركيا سيكونان من أكبر ضحاياه في حال تحقّقه.