هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أن يزور رئيس النظام السوري بشار الأسد دولة الإمارات العربية المتحدة، فهذا ليس أمرا مفاجئا في سياق العلاقة بين الدولتين من جهة، وفي سياق الرغبة الإماراتية الملحة في الانفتاح على النظام السوري وإعادته إلى الجامعة العربية من جهة أخرى.
لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه، لماذا في هذا التوقيت؟
يوحي التوقيت بأن الزيارة متفق عليها بين أطراف عدة، لا تقتصر فقط على الثنائي السوري ـ الإماراتي، بل ربما، وعلى الأغلب، لتشمل روسيا وإسرائيل.
في التوقيت، جاءت الزيارة في ظل حدثين:
الحدث الأول، تزامنت زيارة الأسد مع ذكرى اندلاع الثورة السورية منتصف آذار (مارس) عام 2011، مع ما يحمله ذلك من ترميز سياسي طالما النظام استغله للتأكيد بأن مرحلة الثورة انتهت وأن النظام باق، وعلى الأطراف الإقليمية والدولية التعامل مع دمشق من منطلق العلاقات الدولية القائمة على المصالح.
على الصعيد المحلي أيضا، ثمة رسائل للقاعدة الشعبية للنظام، مفادها أن الانفتاح العربي على سوريا مسألة وقت، وأن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب السوري في الداخل قاربت على الانتهاء.
الحدث الثاني، تزامنت الزيارة في وقت تشهد فيه روسيا أزمة سياسية واقتصادية وعسكرية بسبب غزوها لأوكرانيا.. وبالتالي ليست في وضع تحسد عليه.
بناء على ذلك يمكن بناء فرضية سياسية لأهداف زيارة الأسد إلى دولة الإمارات، تقوم على اعتبارات عدة، ليس من بينها ما أعلنه مستشار الشؤون الدبلوماسية لرئيس الإمارات، أنور قرقاش، من أن بلاده تسعى إلى تكريس الدور العربي في الملف السوري، وانتهاج سياسة واقعية تجاه خفض التوترات وتعزيز الدور العربي في مقاربة عملية لإيجاد حلول لأزمات المنطقة.
ليست زيارة الأسد إلى دولة الإمارات إلا مقدمة لخطوات أخرى باتجاهين: زيارات مرتقبة للأسد إلى دول عربية أخرى من جهة، وتوسيع الزيارات الرسمية العربية إلى دمشق من جهة أخرى، لحين حسم موضوع عودة النظام إلى جامعة الدول العربية، وهي مسألة ما تزال محل خلاف عربي ـ عربي،
1 ـ استغلال الانشغال الدولي بالحدث الأوكراني، ما يجعل زيارة الأسد مسألة ثانوية، وهذا مطلب إماراتي، إذ يبدو التوقيت مثاليا لاستغلال الموقف الأميركي المحتاج لدعم خليجي فيما يتعلق بأسعار النفط.
2 ـ تأتي الزيارة في سياق حراك دبلوماسي عماده دولة الإمارات، فقبل يوم واحد من زيارة الأسد لأبو ظبي، التقى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد نظيره الروسي سيرغي لافروف في العاصمة الروسية موسكو، وبعد ثلاثة أيام من زيارة الأسد، عقدت قمة ثلاثية في شرم الشيخ، جمعت ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إسرائيل نفتالي بنيت.
تسعى الإمارات والسعودية ـ غير المرتاحتين من الاتفاق النووي الإيراني، ومن التراجع الأمريكي في أخذ المصالح الخليجية على رأس السياسة الأميركية ـ إلى توسيع مروحة التحالفات الإقليمية والدولية، وهذا ما يفسر توجه الرياض وأبو ظبي خلال السنوات القليلة الماضية نحو موسكو وبكين.
في ظل هذا المناخ الدولي، تأتي أهمية الانفتاح على النظام السوري وإعادته إلى الحاضنة العربية، من حيث إنه سيكون البوابة الرئيسية للحوار الخليجي ـ الإيراني.
3 ـ سعي إماراتي وسعودي للتفاهم مع النظام السوري حيال الدور والتموضع الإيراني في سوريا.
4 ـ سعي إمارتي إلى لعب دور بارز في الملف السوري، بعدما تراجع حضورها في الإقليم بشكل حاد لصالح الدور القطري البارز على الصعيدين الإقليمي والدولي.
5 ـ تفاهمات روسية إماراتية بأن تلعب الأخيرة دورا اقتصاديا في سوريا في المرحلة الحالية والمرحلة المقبلة، بما يعوض الدعم الروسي للنظام السوري.
باختصار، يشكل التراجع الأمريكي حيال حلفائها، فرصة للسعودية والإمارات لتلمس خيارات بعيدة عن الولايات المتحدة، وسيكون الملف السوري أولى هذه العلامات، وما زيارة الأسد إلى الإمارات إلا مقدمة لخطوات أخرى تعمل عليها دول أخرى داعمة لأبو ظبي، وفي مقدمها مصر والجزائر والعراق علنا، والسعودية سرا.
لقد تحول الملف السوري من ملف كان يحظى بإجماع دولي إلى ملف متروك لخيارات الدول ومصالحها فيما يتعلق بالشأن السياسي فقط، دون الاقتصادي الذي ما يزال محاصرا بالعقوبات الغربية.
غير أن ضغوط بعض الدول العربية للانفتاح على النظام السوري، ما كان لها أن تحدث لولا أن تلمست هذه الدول وغيرها التراخي الأمريكي في هذه المسألة، ويبدو تصريح الخارجية الأمريكية مؤخرا كما غيره من التصريحات السابقة، مؤشرا على هذا التراخي "لا تدعم واشنطن جهود إعادة تأهيل الأسد، ولا تؤيد قيام الآخرين بتطبيع العلاقات معه".
ليست زيارة الأسد إلى دولة الإمارات إلا مقدمة لخطوات أخرى باتجاهين: زيارات مرتقبة للأسد إلى دول عربية أخرى من جهة، وتوسيع الزيارات الرسمية العربية إلى دمشق من جهة أخرى، لحين حسم موضوع عودة النظام إلى جامعة الدول العربية، وهي مسألة لا تزال محل خلاف عربي ـ عربي، مع رفض دول عربية قليلة إعادة تعويم النظام السوري، طالما أن الأسباب التي قادت إلى إبعاده من الجامعة العربية لا تزال قائمة.
*كاتب وإعلامي سوري