هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "فرونس كولتور" الفرنسي تقريرًا، تحدث فيه عن الأسباب التي تفسر صمت المجتمع الدولي والموقف السلبي للدول الغربية لاتخاذ إجراءات تجرّم الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن عددًا قليلا من الدول يدعم بوتين بشكل صريح، ومن بينها سوريا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية وإريتريا، بينما التزمت الكثير من الدول في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية الحياد.
وأبرز الموقع أن ما يقارب 40 دولة امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة لإدانة الهجوم الروسي. وباستثناء الدول الغربية وحلفائها، مثل اليابان أو كوريا الجنوبية، لم تتبن أي دولة عقوبات ضد موسكو. وهناك عدة عوامل تفسر هذا الحذر.
الجغرافيا
يمكن تفسير حذر بعض الدول بقربها الجغرافي من روسيا، وخير مثال على ذلك بيلاروسيا الواقعة شمال أوكرانيا وغرب روسيا، حيث لا يمكن لنظام ألكسندر لوكاشينكو أن يصمد دون دعم بوتين، وبالتالي هي تشكل جغرافيّا القاعدة الخلفية المثالية لغزو أوكرانيا. ومن جهتها، تلتزم دول القوقاز جنوب روسيا وأوكرانيا المجاورة على بحر آزوف الحذر، وتخشى غضب موسكو، خاصة أرمينيا. لكن بالنسبة لجميع البلدان البعيدة جدًا عن منطقة الصراع، ومن بينها الدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، ما الهدف من اتخاذ موقف محايد من هذه الحرب البعيدة؟
التاريخ
حافظت أغلب دول الاتحاد السوفيتي السابق في كثير من الأحيان على العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع موسكو، وهذا هو حال بيلاروسيا ودول القوقاز ودول آسيا الوسطى الخمس، بما في ذلك كازاخستان، حيث تلقى نظام الرئيس توكاييف المتنازع عليه دعما عسكريًا من روسيا في وقت سابق من هذا العام.
وضمن قائمة الدول التي رفضت إدانة روسيا وفرض عقوبات عليها، يوجد دولة أوروبية وهي صربيا ألكسندر فوسيتش. وفي أفريقيا، غالبا ما تظل صورة روسيا إيجابية نتيجة للدعم الذي كان يقدمه النظام السوفيتي سابقا لحركات إنهاء الاستعمار مثل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، وفي العديد من البلدان الجنوب أفريقية، على غرار أنغولا وناميبيا وموزمبيق.
وأضاف الموقع أن فلاديمير بوتين ساعد العديد من الأنظمة السياسية، وساهم في إنقاذها، وأبرزها نظام بشار الأسد في سوريا، إذ لم يكن الدكتاتور السوري ليصمد في السنوات الأخيرة لولا الدعم الجوي العسكري الهائل المُقدم من موسكو. لذلك، تدعم سوريا موسكو رسميا في حربها على أوكرانيا.
الاقتصاد
أشار الموقع إلى أن الفئة الأولى تشمل الدول التي تعتمد اقتصاديا على روسيا ولا يمكنها الاستغناء عن الصادرات الروسية، وبشكل خاص الصادرات الزراعية التي تشمل القمح والذرة والشعير وعباد الشمس. هذا هو الحال في العديد من البلدان الأفريقية، مثل السودان، موريتانيا، ومصر (التي توفر حوالي 90 بالمئة من وارداتها من القمح من روسيا). ويعني الاستغناء عن هذه الصادرات المخاطرة بحدوث توترات اجتماعية هائلة تصل إلى حد المجاعة.
اقرأ أيضا: شائعات حول صحة بوتين.. حقيقة أم حيلة روسية متعمدة؟
وبين الموقع أن امتناع بعض الدول عن إدانة الهجوم الروسي يرتبط بالمصلحة الاقتصادية، وهنا يُقصد الدول التي تريد الحفاظ على سعر النفط مرتفعا بالاتفاق مع الروس، على غرار المملكة العربية السعودية، أو البلدان التي ترحب بالأوليغارشية الروسية وثرواتها بأذرع مفتوحة، كما هو الحال بالنسبة للإمارات العربية المتحدة.
تضم الفئة الثالثة كل الدول التي تعتمد على المساعدات العسكرية الروسية من خلال عقود أسلحة ضخمة، وهي الحالة النموذجية للهند. وهذا من بين الأسباب الرئيسية التي تُفسّر الحياد الذي تبناه حتى الآن نظام ناريندرا مودي، إذ تعد روسيا المورد الرئيسي للأسلحة لنيودلهي، بما في ذلك الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي وصيانة الطائرات.
وأضاف الموقع أن موسكو تعد المورد الرئيسي للأسلحة في القارة الأفريقية، متقدمة بفارق كبير عن الولايات المتحدة وفرنسا، ناهيك عن المساعدة العسكرية غير المباشرة عبر مرتزقة مجموعة فاغنر في دول مثل مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى. وفي سنة 2019، نظم فلاديمير بوتين قمة روسية أفريقية في سوتشي بحضور 43 زعيمًا أفريقيا.
هناك ضغوط اقتصادية غير مباشرة تمارسها الصين، الشريك التجاري الرئيسي والمستثمر الرئيسي في البلدان النامية، وكذلك في دول الخليج العربي. تضغط بكين على بعض الدول للحفاظ على الحياد في مواجهة الصراع، وهي طريقة الصين لمساعدة موسكو بشكل غير مباشر.
الاتفاقيات
تلتزم العديد من الدول باتفاقيات مع موسكو، سواء كانت رسمية أم شكلية. في الفئة الرسمية، تخضع العديد من البلدان في القوقاز وآسيا الوسطى لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي التي يعود تاريخ تأسيسها إلى سنة 2002، وهي تضم روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، وتنص على وجه الخصوص على إجراء مناورات عسكرية مشتركة.
وذكر الموقع أن موسكو تجمعها ببكين معاهدة صداقة منذ سنة 2001، كما أنها عضو في منظمة شنغهاي للتعاون، التي تهدف قبل كل شيء إلى مواجهة نفوذ الولايات المتحدة. ويرتبط البلدان أيضا بالعديد من الاتفاقيات التجارية، بما في ذلك العديد من الاتفاقيات الجديدة الموقعة خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الأخيرة في بكين، وأجريا تدريبات عسكرية مشتركة في سنة 2021.
على مدار عامين، طورت موسكو اتفاقيات تعاون عسكرية مع العديد من البلدان الأفريقية، على غرار نيجيريا وإثيوبيا ومدغشقر أو مالي، كما أبرمت روسيا اتفاقية تعاون استراتيجي مع الإمارات منذ سنة 2018. أما بالنسبة لإسرائيل، فهي لا تريد أن تثير غضب موسكو، ويرجع ذلك أساسا إلى أن الروس الذين يسيطرون على الأجواء في سوريا يسمحون للإسرائيليين بضرب المواقع الإيرانية بانتظام على الأراضي السورية، حيث تمثل محاربة التهديد الإيراني الأولوية القصوى.
علم النفس وعلم الاجتماع
هناك عاملان يفسران دعم دول معينة لروسيا، أولهما القرب الأيديولوجي لبعض القادة من فلاديمير بوتين أو الانجذاب للسلطة القومية الاستبدادية والمركزية، على اعتقاد أن هذا النظام هو الأكثر فعالية. تضم هذه الفئة جميع القوى الاستبدادية، وأشدها قوة نظام شي جين بينغ في الصين، الذي رفض إدانة العدوان الروسي، وتبنى خطاب موسكو حول مسؤولية الناتو في اندلاع الحرب.
يوجد نفس القرب الأيديولوجي بين عدد لا بأس به من القادة الأفارقة وبين من يسمون الزعماء "غير الليبراليين" الذين يقاومون سيادة القانون في الديمقراطيات، مثل المجري فيكتور أوربان الذي لم يتوقف أبدا عن الدفاع عن بوتين.
وأشار الموقع إلى أن العامل الثاني الذي يفسر رفض العديد من البلدان الأفريقية أو في أمريكا اللاتينية إدانة الهجوم الروسي هو حقيقة اعتبار الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة قوى إمبريالية واستعمارية جديدة. وعلى العكس من ذلك، تريد الصين أن تقدم نفسها كمتحدث باسم ما يسمى الدول "الناشئة".
ترك الدعم الأمريكي للديكتاتوريات الماضية بصمته في أمريكا اللاتينية، على وجه الخصوص في الأرجنتين وتشيلي وفي فنزويلا والمكسيك ونيكاراغوا، التي تؤيد الحجة الروسية القائلة إن توسع الناتو هو سبب الصراع في أوكرانيا. وعلى نحو مماثل، يدين سكان الشرق الأوسط الغرب بشأن قضية اللاجئين، حيث تم الترحيب بالأوكرانيين بأذرع مفتوحة بعد أن رُفض اللاجئون السوريون والأفغان.
ستستمر هذه الدول في مراقبة تطورات الصراع في أوكرانيا من بعيد. وهذا الموقف يمثل انعكاسا لعالم متعدد الأقطاب لا يمكن اختزاله في مواجهة بين الشرق والغرب، أو تكرار سيناريو الحرب الباردة.