قضايا وآراء

أبو الفتوح وعزت والمزاجية في التضامن!

عصام تليمة
1300x600
1300x600

منذ بضعة أيام أصدرت محكمة مصرية حكمها على رموز مصرية كبيرة بأحكام في غاية الغرابة، لا تنطلق من قانون، ولا شرع، ولا حكم سياسي رشيد، فقد حكمت على الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور محمود عزت، وآخرين، بالحبس خمسة عشر عاما، وعلى الأستاذ محمد القصاص وآخرين بالسجن عشر سنوات، والتهمة تدور بين نشر أخبار كاذبة، أو الاشتراك في تنظيم إرهابي، كعادة معظم الأحكام.

اللافت في النظر في الأحكام، ورد فعل الناشطين والمتفاعلين من المصريين نحو الحكم، أنه جاء متفاوتا بشكل ينم عن عقليات تحتاج لمراجعة على عدة مستويات، أهمها: الاتساق مع النفس في الموقف من مبدأ حقوق الإنسان، ويأتي بعدها مراجعات في نواحي أخرى لا تقل أهمية عن ذلك.

النقطة الأولى الغريبة والعجيبة في الحكم، أنه على مدار تاريخ مصر، لم يعرف تهمة يحاكم بها الإنسان، ثم يحبس بالمؤبد، (15) عاما، وهي تهمة نشر الأخبار الكاذبة، وحيث إن القضية لم تبين ما نوع هذه الأخبار؟ وبم تتعلق؟ وما الأخبار الصادقة الحقيقية التي تكذب هذه الأخبار الكاذبة؟ وما نص العقوبة في القانون على نشر أخبار من هذا النوع؟ 

كما كانت سابقة معاقبة مذيع الجزيرة الأستاذ أحمد طه بنفس عقوبة أبو الفتوح، سابقة قضائية، لا تستغرب بلا شك في زمن قضاة السيسي، حيث تمت معاقبة شخص أخرس، وكانت تهمته أن كان يهتف في مظاهرات ضد الانقلاب! فكيف يعاقب مذيع يبدأ دوره وينتهي عند السؤال للضيف، والإجابة هنا يتحمل مسؤوليتها الضيف المتحدث، إن كان في كلامه ما يستحق عليه المحاسبة القانونية.

ولأنها كانت أحكاما لا تتسم بالمنطقية القانونية، ولا بالرشد العقلي، فكانت مختلفة من جميع النواحي، بما في ذلك رد الفعل من حيث التضامن مع المحكوم عليهم ظلما، فقد رأينا التضامن مع جميع المتهمين المظلومين، ولكن التضامن كان على حسب التصنيف، وعلى حسب المجني عليه يتبع أي فصيل سياسي؟

 

أسوأ ما في مشهد محاكمة أبو الفتوح، هو ما سبقه من فبركة ورقات كتبها بعض عديمي الخلق في معركة ما بين الفريقين في الإخوان، فإذ ببعض الذباب الإلكتروني المحسوب على الدكتور محمود حسين، يفبرك رسالة يدعي فيها أن أبو الفتوح ذهب للندن وقت لقاء الجزيرة مباشر، للتآمر على محمود حسين وفريقه.

 



فرأينا معظم التوجهات التي توصف بالمدنية، تتضامن مع أبو الفتوح والقصاص ومن معه، ولكنهم أسقطوا اسم محمود عزت من هذا التضامن، لأنه محسوب على الإخوان، وهو من أكبر رموزها، رغم سن الرجل، ورغم انتقامية الحكم، وعدم صحته، فكان هذا الموقف لافتا للنظر.

حاول بعد ذلك بعض الذين تنبهوا لهذا الخطا استدراكه، لكن أيضا من استدركوا كانوا قلة قليلة، لا تعبر تعبيرا حقيقيا عن هذا الفصيل في توجهه، والذي كان دائما في تبنيه للملف الحقوقي لا ينظر لانتماء الشخص، لكن بعد الانقلاب في مصر وجدت هذه التفرقة للأسف.

وبدأ الإسلاميون الذين كانوا يتهمون بهذه التهمة، يتجنبون الوقوع فيها، فرأينا معظم من يحسبون عليهم يعلنون تضامنهم مع عزت وابو الفتوح والجميع، ويقرن اسم معظم المظلومين في خطاب تضامني واحد. وإن وجد بعض النشاز أيضا عند بعض أشخاص في الإسلاميين، وبعض الإخوان تحديدا، كان في خطاب بعضهم شماتة في أبو الفتوح وآخرين، بحجة أنهما شاركوا في انقلاب الثالث من يوليو.
 
وهي مسألة تختلط على كثيرين، فلم يعرف عن أبو الفتوح مشاركة في الانقلاب، بل شارك في حوارات فيما بعد الانقلاب، وقد لمنا عليه ذلك وقتها، وبرر الحضور بأنه لا يترك لهم الجلوس لتقرير ما يتم في البلد وحدهم منفردين، وكان من أسباب لومنا عليه: كيف تجلس وقد أقام العسكر هذه الحيلة المهينة لك ولتاريخك، فتجلس مع عملاء الإمارات في تمرد، وقد جعلوهم رأسا برأس معك، بل أعلى، فإذا تم تصويت جعلوهم ثلاثة أصوات مقابل صوتك، ولكن كان للرجل اجتهاده في ذلك، ولكن بعد أن حدثت مذبحة الحرس الجمهوري في الثامن من يوليو أعلن أنها مذبحة واستنكر بكل وسائل الإنكار.

مشهد المزاجية والانتقاء في التضامن مع المظلوم، للأسف يتكرر كثيرا مع رموز الإخوان، رأيناه في هذه المرة مع محمود عزت، ونراه في قضايا كثيرة يحكم فيها على المهندس خيرت الشاطر ظلما، وينكل به وبأسرته، ولا نرى هذا التضامن، وهو للأسف تنكر يقوم به كثير من الإخوان قبل القوى السياسية الأخرى!

أسوأ ما في مشهد محاكمة أبو الفتوح، هو ما سبقه من فبركة ورقات كتبها بعض عديمي الخلق في معركة ما بين الفريقين في الإخوان، فإذ ببعض الذباب الإلكتروني المحسوب على الدكتور محمود حسين، يفبرك رسالة يدعي فيها أن أبو الفتوح ذهب للندن وقت لقاء الجزيرة مباشر، للتآمر على محمود حسين وفريقه. وهو ما تلقفه مخبر أمني مصري يقدم للإعلام بوصفه خبيرا في الحركات الإسلامية، وهو يعلم كذب ما حدث، معلنا أنه استقاها من جروبات لمجموعة محمود حسين تروج الرسالة.

 

مشهد المزاجية والانتقاء في التضامن مع المظلوم، للأسف يتكرر كثيرا مع رموز الإخوان، رأيناه في هذه المرة مع محمود عزت، ونراه في قضايا كثيرة يحكم فيها على المهندس خيرت الشاطر ظلما، وينكل به وبأسرته، ولا نرى هذا التضامن، وهو للأسف تنكر يقوم به كثير من الإخوان قبل القوى السياسية الأخرى!

 


وهو ما جعل كثيرين يرفضون هذا الكلام، وكتب كثير منهم يبينون علاقة أبو الفتوح بالإخوان، مما حدا برئيس تحرير إخوان أون لاين السابق المستقيل من الجماعة الأستاذ عبد الجليل الشرنوبي، أن يكتب شهادة مفصلة عن موقف الجماعة من أبي الفتوح وموقفه منها، بأحداث تبين الموقف منه، وكيف كان يتم إقصاؤه قبل تركه الجماعة، وانقطاع صلته تماما قبل ثورة يناير بالتنظيم، وبقيت شكلية محدودة.

كل هذه المواقف التي ترصد بسهولة، تبين أنه لا يزال لدينا مراهقة سياسية وخلقية في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، والتضامن مع المظلومين، في كثير من الفصائل السياسية المصرية للأسف، رغم أننا كإسلاميين يعلمنا ديننا أن نقف مع المظلوم ولو كان كافرا، ورغم أن التيارات السياسية المدنية كانت أسبق في التعامل المنضبط في هذا الملف لكن للأسف انتقل لها هذا الداء، فبتنا ننتقي في التضامن، وبتنا نعتبر من منا أولى بالحرية والتضامن، ومن ليس منا فهو يستحق ما يجري له، أو يهمل حتى لا نتهم به، وهو منطق أعوج، يتسم بالمزاجية والهوى.

[email protected]


التعليقات (0)