تجعلنا
الغارات
الإسرائيلية على مواقع النظام السوري نكتشف ما بحوزة الاحتلال الإسرائيلي ونظام
الأسد من مشتركات، مكنته من إبقاء سطوة القوة والقتل على المجتمع السوري. هذه
اللعبة من التمايزات الدائبة في التبرير، وميوعة التعاطي معها، والمتعددة الخطوات
في جميع الاتجاهات داخل
سوريا، تمكّن النظام والمحتل من تلميع صورة باهتة عن
السيادة ومحاربة الإرهاب.
مجزرة
جديدة أضافها النظام السوري وحليفه الروسي، لسجل الاجرام المثقل به منذ العام
2011، فبعد ساعات قليلة من تنفيذ
طيران الاحتلال الإسرائيلي غاراته الاعتيادية على
مراكز تابعة لجيش النظام جنوب العاصمة دمشق فجر الجمعة الماضية (22 تموز/ يوليو)،
ذخّر النظام طائراته كالعادة لتنفيذ
مجزرة جديدة ضد السوريين، هذه المرة ضحاياها
ثمانية أطفال بينهم أربعة من عائلة واحدة، فضلا عن جرح عشرات المدنيين.
تنجو
طائرات الاحتلال وعدوانه من الرد والعقاب كما العادة، يتلقى السوريون ردا من آلة
النظام العسكرية بعد عقود طويلة من المتاجرة بمؤسسته العسكرية، وببنائها لتكون
حائط صد يحمي الوطن، لتتحول إلى شريك أساسي وفعلي لإنجاز ما تعجز عنه كل غارات الاحتلال
على السوريين وعلى حواضرهم الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية.
تنجو طائرات الاحتلال وعدوانه من الرد والعقاب كما العادة، يتلقى السوريون ردا من آلة النظام العسكرية بعد عقود طويلة من المتاجرة بمؤسسته العسكرية
الموقف
من رواج الغارات على السوريين، إسرائيلية كانت أم تركية أم روسية أم دولية أم أسدية،
حسب بوصلة استهدافها، تتمتع بوجه واحد من الابتزاز السياسي والأخلاقي، وهي تمثل
مظهراً من مظاهر الدفاع عن محتل وطاغية لديهما نفس الأسباب من التزوير والتبرير
للدفاع عن المذابح بكل المنابر، مواقف تحتل مكانة في سياق التهكم المستمر على ما
يدعيه النظام بشأن خشيته على اختراق السيادة السورية، تارة من الشمال والجنوب أو
من الشرق والغرب، والتي كان لسلوك النظام فيها الفضل الكبير، بتحطيم الأسس
السيادية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية التي تعني السوريين ومستقبلهم
وتطلعاتهم.
بخلاف
صيحات بعبعة إعلام النظام السوري عن العدوان الإسرائيلي وطرق الرد عليه على أجساد
السوريين، ومحوره الممانع المتنكر دوما وأبدا لجرائم مماثلة يقوم بها جيش الأسد
وجحافل مليشياته، يتكرر المشهد نفسه بعد كل جريمة إسرائيلية وقبلها.
في
التفسير الأول: تتكدس أكوام الجثث والحطام والصراخ والآهات للضحايا، تختفي ردود
الفعل الدولية المنافقة، وتحضر المواقف العربية الرسمية المتملقة لبعضها البعض،
بالحديث عن حرصها على السيادة الوطنية، ووحدة التراب لذاك البلد وغيره. في
فلسطين
حيث يقيم الاحتلال، ويمارس العدوان اليومي والاستيطان والسطو والتهويد والإعدام
الميداني لنشطاء فلسطين، تختفي حتى البعبعة والصراخ العربي الذي يتدثر به النظام
العربي الحريص على بقاء تماسكه القمعي والأمني لمواجهة الشعوب.
في فلسطين حيث يقيم الاحتلال، ويمارس العدوان اليومي والاستيطان والسطو والتهويد والإعدام الميداني لنشطاء فلسطين، تختفي حتى البعبعة والصراخ العربي الذي يتدثر به النظام العربي الحريص على بقاء تماسكه القمعي والأمني لمواجهة الشعوب
في
التقويم الفلسطيني، المزدحم بكل ألوان العدوان كل صباح من نابلس الى جنين والقدس وغزة
والجليل والمثلث والنقب، ما زال المجتمع الدولي مصاباً بضعف المعايير واختلالها،
لأسباب كثيرة يعرفها أي مسن وشاب وطفل في فلسطين وخارجها.
التقويم
السوري في عقده الماضي مليء بالمذابح والجرائم، والتعمية على جرائم الأسد وحليفه
الروسي تُستكمل بإضافة غارة إسرائيلية أسبوعية أو يومية، ناجمة عن التواطؤ المفضوح
بين قوى الاحتلال المتقاسمة للسيادة السورية، من حميميم والجولان الى السيدة زينب
وريف دمشق ودير الزور وإدلب والقامشلي وحلب وعفرين، والتي تعطي شيئاً من التفسير
المتعلق بطبيعة الأمور حول نجاة نظام الأسد من المحاسبة بفضل الحماية القصوى التي
يتمتع بها بفيتو مزدوج روسي- صيني بمجلس الأمن.
والتقويم
السوري غير بعيد عن تقويم الضحايا الأشقاء في فلسطين وتسجيل رواية الفاجعة
والخذلان والتآمر في مفكرة العقود السبعة، وحماية نكبة ضحايا الاحتلال الإسرائيلي
تمت برعاية فيتو أمريكي وتآمر دولي وإقليمي مشابه لما يحصل اليوم.
التفسير
الثاني الذي اكتشفه السوريون منذ تسعة أعوام، مرتبط بمواقف عربية وغربية ودولية، مما
تعرضوا له من جرائم حرب وإبادة. وهنا جوانب متشعبة سنقتصر على إيجاز أهمها: على
الرغم من معرفة كل المؤسسات الدولية والإنسانية حتى صناع القرار بمسؤولية نظام بشار
الأسد عن هذه الجرائم، كما يدرك معظم النظام الرسمي العربي لهذه المسؤولية، إلا أن
الجميع متفقون على تبرئة ساحة المجرم، والدعوة للتطبيع معه بترويج نظرية تحقيقه
"انتصارات كبرى".
يبقى السؤال في كل المشهد العربي والسوري، الذي قدم الإجابات الهادرة عن المصلحة المشتركة للاستبداد العربي مع الاحتلال الإسرائيلي ومشاريعه في المنطقة، وكمية التسهيلات التي منحتها أنظمة التحطيم والقتل والتهجير والقمع العربي، لمشاريع السيطرة للاحتلال، مقابل أبدية الاستبداد وربطها بمشروع الاحتلال؟
وغني عن
التفصيل هنا تسجيل المواقف الرسمية العربية نحو النظام السوري، والتعمية عن
الجرائم وربطها بطرف وحيد مرتبط برواية وبروباغندا النظام عن محاربة الإرهاب، لكن
يبقى السؤال في كل المشهد العربي والسوري، الذي قدم الإجابات الهادرة عن المصلحة
المشتركة للاستبداد العربي مع الاحتلال الإسرائيلي ومشاريعه في المنطقة، وكمية
التسهيلات التي منحتها أنظمة التحطيم والقتل والتهجير والقمع العربي، لمشاريع
السيطرة للاحتلال، مقابل أبدية الاستبداد وربطها بمشروع الاحتلال؟ وهل في التشكيل
المعاد على أرضية القمع والتحطيم، يمكن الحديث عن مشروع مقاومة للتطبيع مع المشروع
الصهيوني؟
وهل
ستجد حركة التحرر العربي من الاحتلال، في نظرية تحالفها المفيد مع الاستبداد تحقيق
"الأماني" الكبرى؟ بالطبع أجوبة كثيرة سال فيها حبر على أطنان من الأدبيات
والدراسات المناهضة لهذه الأسئلة بأجوبة صريحة، هرب منها البعض حتى من وضع ألف باء
شعار الثورة والأدب التثويري، وتدثر بتلعثم الطاغية العربي عن "المقاومة
ومحاربة الإرهاب وقوى الظلام" وكشف ظهر الشعب وأمسك بسياط الجلاد.
أخيراً،
تزودنا هذه النظرية البديلة عن المبادئ والأخلاق في التخلي عن ضحايا الاستبداد
والاحتلال، بتفسير جزئي للتساؤلات عن فقدان النخب العربية والأحزاب والحركات
السياسية المنزلة الكبرى التي كانت معتادة عليها في شرنقات التنظير والتأهيل
والتثوير، والتي عكس فيها الربيع العربي وقوة الاستبداد وتحالفه مع الاحتلال؛
الاختلاف العميق بين الأفكار والمعايير التي تم تبنيها بعدم نجاعة مقاومة الطغاة،
وعدم أهمية مقاومة الاحتلال حتى بالمشاعر التي ترفض التطبيع والتطويع.
twitter.com/nizar_sahli