قضايا وآراء

تونس.. أي حاضر؟ وأي مستقبل؟ (3)

الشاذلي بن عمر
1300x600
1300x600
تتهيأ تونس لتغيرات كاسحة، وأوضاع لم تكن تعرفها من قبل، ولم يتوقعها كثير من التونسيين البسطاء الذين تتوالى على رؤوسهم المصائب تترى وهم في غفلة من القادم، فكثير من أنصار المنقلب ومن البسطاء المحايدين أو المتأرجحين لا يتصورون أنهم ذاهبون إلى جهنم قيس سعيد في الأيام والأشهر القادمة، بل إن بعضهم لم يزل يراهن عليه، ويعتقد أنه سيأخذهم قريبا إلى فردوس قرطاج الأعلى، بينما الحقيقة أن تونس ذاهبة نحو مصير غير مجهول؛ فالمقدمات واضحة والنتائج أوضح؛ إنها ذاهبة نحو كارثة اقتصادية واجتماعية وأخلاقية غير مسبوقة.

ومن أكثر هذه المقدمات إثارة للسخرية اتفاق اتحاد الشغل مع الحكومة على زيادة المعاشات بنسبة 3.5 في المئة خلال ثلاث سنوات ابتداء من العام 2023. فإذا كانت النسبة العامة للزيادة في الأسعار حاليا لا تقل عن 20 في المئة حسب تقديري الشخصي، بناء على دراسة ميدانية لمجمل الزيادات؛ وإذا أصبح من المؤكد أن ثمة زيادات قادمة ربما تقفز بالنسبة إلى 35 في المئة خلال الأشهر القليلة القادمة؛ فماذا ستفعل هذه الزيادة المؤجلة للمطحونين وأشباه المطحونين وممن بقي صامدا في الطبقة الوسطى حتى اليوم؟ إنها زيادة مؤجلة وفضفاضة ولن يكون لها أثر على المواطن بحال من الأحوال. فماذا ستفعل هذه الزيادة لموظف يتقاضى 700 دينار، حين يصبح راتبه بعد الزيادة 724.5 دينارا؟ هذا إذا تم صرفها فعلا؟!

وفي ظل تواضع مصادر الدخل بالنظر إلى الحاجات الأساسية التي لا غنى عنها لأي أسرة، وفي ظل تسارع وتيرة الغلاء بين اليوم والآخر، وانحسار القدرة الشرائية بشكل لافت يحس به الجميع، وتشكو منه غالبية الشعب؛ فإن ذلك مما سيفاقم متاعب الناس، ويقضي على آمالهم بالعيش الكريم الذي وعدهم به زعيم الانقلاب كذبا وزورا، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى انفجار اجتماعي قد يكون وشيكا.
من المقدمات القبيحة اعتداء المنقلب على الحريات والاعتقال العشوائي والاتهامات الباطلة ونبش ملفات قديمة تنطوي على اتهامات لحركة النهضة

ومن المقدمات القبيحة، اعتداء المنقلب على الحريات والاعتقال العشوائي والاتهامات الباطلة ونبش ملفات قديمة تنطوي على اتهامات لحركة النهضة، كتهمة تسفير الشباب إلى سوريا مرة، واتهامات بوجود تنظيم سري مرة، واتهامات بتجاوزات مالية وفساد مرة أخرى، حتى لكأننا نحس بأن حركة النهضة وراء كل مصائب تونس، وأنها كانت تعمل ضد مصالح الأمة التونسية. وهو أسلوب رخيص يريد به المنقلب ضرب أربعة عصافير بحجر واحد، فهو أولا يظن أن ملاحقة النهضة سيكسر شوكتها ويضعف موقفها، ويسيء لها أمام الشعب؛ مما يفسح له المجال لمواصلة مشروعه بمعارضة ضعيفة، وهو ثانيا ينتقم لنفسه من النهضة التي ربما أهانته هي وحليفها ائتلاف الكرامة، قبل الانقلاب، ولم تمكنه من صلاحيات أعلى مما ألزمه به دستور 2014، وثالثا استرضاء الناقمين على النهضة في محاولة لإسكاتهم وجرهم إلى صف إجراءاته. أما رابعا، وهي النقطة الأهم: فهي سعي المنقلب لإشغال الناس عن الأوضاع الاجتماعية التي تعصف بهم، ورشوة بعضهم بمعاداة النهضة التي أدى اليسار دورا محوريا في تشويهها منذ وصولها للسلطة.

أما المقدمة الثالثة، فهي سوء أحوال الناس وطابور المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، الذين ازدادت نسبتهم بشكل كبير بعد الانقلاب جراء الحالة التي أدخل بها قيس سعيد البلاد منذ 25 تموز/ يوليو العام الماضي، والتي أطلق عليها التونسيون قوارب الموت، بعد أن فقدت الأسر التونسية آلاف الشباب الذين يقعون بين مفقود ومقتول.

المقدمة الرابعة: أزمة الصناعات الغذائية بسبب نقص المواد الخام وجفاف الموارد المالية: وهو ما أثر على المصانع؛ فأغلق بعضها أبوابه، وبعضها اضطر إلى تسريح أعداد من الموظفين، وتخفيض رواتب بعضهم الآخر، وهو ما شجع بعض التجار على استيراد المواد المفقودة وبيعها بسعر أعلى؛ مما أسهم في انخفاض القدرة الشرائية بشكل كبير، في حين تعود بواخر الحبوب والوقود وغيرهما من المواد الأساسية من الموانئ التونسية محملة بأقوات التونسيين وحاجاتهم الرئيسية، حين تكتشف أن الدولة مفلسة وغير قادرة على سداد أثمان حمولاتها.
فقدان الثقة بشخص الرئيس لدى قطاع كبير من الشعب، ويرجع سبب ذلك إلى التصريحات الغوغائية والشتائم وتكرار ذات الكلام عن الفساد واللصوص دون أن يفعل شيئا إزاء ما يدعي، إضافة إلى أن تصريحاته المعادية لقطاع كبير من الشعب شجعت بعض مناصريه من العوام ومليشيات الداخلية على معاداة أبناء وطنهم

أما المقدمة الخامسة، فتتمثل في فقدان الثقة بشخص الرئيس لدى قطاع كبير من الشعب. ويرجع سبب ذلك إلى التصريحات الغوغائية والشتائم وتكرار ذات الكلام عن الفساد واللصوص دون أن يفعل شيئا إزاء ما يدعي، إضافة إلى أن تصريحاته المعادية لقطاع كبير من الشعب شجعت بعض مناصريه من العوام ومليشيات الداخلية على معاداة أبناء وطنهم، فانقسمت البلد بين مناصر له وحاقد على معارضيه، وبين المقاومين للانقلاب، حتى باتت الاتهامات والشتائم والإهانة العلنية جزءا من ثقافة لم يعرفها التونسيون من قبل، والفضل يعود لقيس سعيد المثقف الذي ألهم شعبه ثقافة السلم الاجتماعي وأخلاق الحوار!!

والمقدمة السادسة؛ وهي الأهم وتتمثل في قوة منطق المقاومين لإجراءات المنقلب وازدياد عدد المشككين والرافضين لوجوده، إضافة إلى حالة الفراغ السياسي والإداري بسبب ضعف الحكومة وارتهانها كليا لإرادة المنقلب الذي يوجهها كيف شاء، ولا إرادة حقيقية لها.

ومع أن جزءا من النخبة التونسية اختارت التواطؤ بناء على التوجهات الأيديولوجية في الغالب، إلا أن صوتها لا يكاد يسمع؛ لأنها غير واثقة من نفسها وتحس بأن المعارضين يعرفون كذبها وضعف موقفها، إلا أن الصوت الأعلى هو صوت المعارضة؛ لأن كلامها يأتي في سياق منطقي يدعو إلى الحرية والديمقراطية التي لا يرفضها إلا نفر قليل من التونسيين إما نكاية أو جهلا، ولأن المعارضة تحذر من القادم المر الذي ينتظره التونسيون بالأرقام والدلائل وبكثير من المصداقية، التي لا تخفى إلا على نفر من المغرضين والمتواطئين.
السيناريوهات المتوقعة بناء على هذه المقدمات كثيرة، ولها صلة بالداخل والخارج، إلا أن أكثرها منطقية هو ثورة شعبية تحرق الأخضر واليابس حين يحس التونسي بعمق المشكلة، ويتأكد بنفسه من كذب المنقلب وزيف ادعاءاته، ويصبح غير قادر على إطعام أبنائه وتوفير لقمة عيشهم الكريمة

السيناريوهات المتوقعة بناء على هذه المقدمات كثيرة، ولها صلة بالداخل والخارج، إلا أن أكثرها منطقية هو ثورة شعبية تحرق الأخضر واليابس حين يحس التونسي بعمق المشكلة، ويتأكد بنفسه من كذب المنقلب وزيف ادعاءاته، ويصبح غير قادر على إطعام أبنائه وتوفير لقمة عيشهم الكريمة. ومعروف عن التونسي أن رغيفه خط أحمر، وأن حياته في كفة وعيشه الكريم في الكفة الأخرى.

ما هي إلا شهور قليلة حتى تبدأ موجة الغضب تتصاعد تزامنا مع الارتفاعات الجديدة المرتقبة للأسعار في ظل ثبات المعاشات، خصوصا إذا رافق الاحتجاجات الأولية قمع بوليسي، وهو أمر متوقع، بل مؤكد. فقيس سعيد يمثل أبشع أنواع الدكتاتورية، فهو لا يتحمل الاعتراض، ويعد كل صوت رافض خائنا وعميلا، وما دام الأمر كذلك؛ فالخونة والعملاء يستحقون الموت!!

ربما أختلف مع كثيرين حول توقيت المعركة مع المنقلب، وحول نتائجها، لكن على من يرغب بالتخمين بما يمكن أن يحدث أن ينزل إلى الشارع ويتحدث مع الناس ويستمع إلى ما يقولون، ليعرف مدى الغليان الذي يحتدم في صدورهم يوما بعد يوم، ويسمع كلامهم وهم يحاولون تفهم سر هذا الغلاء، وحواراتهم العفوية في المتاجر والحوانيت وأسواق الخضار.
التعليقات (0)