قضايا وآراء

أنت هو الخطر الداهم..!!

الشاذلي بن عمر
1300x600
1300x600
بحجة الخطر الداهم، قام قيس سعيد بالانقلاب على الدستور والقانون والوطن، معتمدا على الفصل 80 من الدستور؛ لتمرير إجراءاته الاستثنائية، ومع أن الفصل 80 ينص على أن يبقى مجلس النواب في حالة انعقاد دائم، إلا أنه لم يعر الأمر كبير اهتمام؛ فهو من البداية مدلس ومحتال. وتنص المادة 80: "لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة، ورئيس مجلس نواب الشعب، وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب".

لم يكشف لنا بعد الانقلاب عن مواطن هذا الخطر، ولم نر أي إجراءات لمقاومة هذا الخطر المزعوم؛ فنحن حتى اليوم لا نعرف ما هو الخطر الداهم..!! علما بأن الدولة لم تكن في حالة خطر داهم، ولا يستطيع أحد أن يحدد بشكل قانوني ودستوري أين كان الخطر الداهم.. وما تجاوز المنقلب لمجلس النواب ورئيس المحكمة العليا وإهانته لرئيس الحكومة وإجباره على الاستقالة وسكوته حتى اليوم، إلا دليل على أن إجراءاته كلها باطلة بطلانا لا يقبل المناقشة؛ ذلك أن الانقلاب قام على الكذب والافتراء والاحتيال.

بعد ذلك، لم يستطع سعيد ملاحقة محتكرين مزعومين، ولا ضبط متآمرين مفترضين، ولا اعتقال عملاء للخارج. كانت تصريحاته المهزلة ولم تزل تثير السخرية، بل الشفقة أحيانا؛ فهو لا يزال يردد ذات الكلام منذ نحو عام ونصف العام، ولم يحس بعد بعار أكاذيبه وانتهاكها كل قواعد اللباقة واللياقة. وما زال مستمرا على ذات الأكاذيب، ويرددها ولا يجد شيئا غيرها ليقوله للناس.
الخطر الداهم الذي يتحدث عنه هو الوضع القائم حاليا، وليس ما كان قبل الانقلاب. الوضع الداهم هو الظلم الواقع على المعارضين، والمحاكمات الزائفة التي يتعرضون لها

الخطر الداهم الذي يتحدث عنه هو الوضع القائم حاليا، وليس ما كان قبل الانقلاب. الوضع الداهم هو الظلم الواقع على المعارضين، والمحاكمات الزائفة التي يتعرضون لها، وكان آخرها أمس الخميس؛ حيث استدعي رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي للتحقيق بتهم جديدة، منها الإساءة لمقام المنقلب، وقرر قاضي تحقيق تونسي إخلاء سبيله، بعد مثوله للتحقيق لأكثر من 14 ساعة..

الخطر الداهم هو المجاعة المفتوحة التي تعاني منها الغالبية العظمى من الشعب، وفقدان المواد الغذائية الأساسية منذ شهور، حتى صار الحصول على عبوة حليب مكسبا وطنيا عظيما، تلحظه في الفرحة والابتسامة العريضة على وجه أم استطاعت أن تحصل على لتر من الحليب لأولادها. أما السكر وغيره من المواد المفقودة التي يزداد عددها يوما بعد يوم؛ فحدّث ولا حرج!!

ولا يزال المنقلب يكرر الحديث عن مسؤولية منافذ التوزيع عن نقص بعض المواد الغذائية، وهو أمر غاية في الغرابة والغباء، فأين المنقلب من منافذ التوزيع؟ وأين هو من المحتكرين؟ وأين هو من اللصوص؟ وأين هو من الخونة والعملاء؟ بل من هم هؤلاء الخونة والعملاء؟ ولماذا لم يسمهم بأسمائهم حتى الآن؟!

لم يزل قيس سعيد يتحدث في المقاربات القانونية والقوانين والتشريعات، فهي كل ما يتحدث فيه منذ زياراته المتكررة قبل الانقلاب لبعض مناطق البلاد ردا على شكاوى المواطنين وحتى اليوم، فهو يعلق كل مشكلات البلاد على شماعة القانون والعدالة القضائية، ولا يعرف شيئا غير هذا، ولا يستطيع أن يجد شيئا جديدا يقوله أو حلّا عمليا يتكئ عليه، فلا حلول لديه لأي مشكلة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية؛ فلا هو وفر للناس حاجاتهم الأساسية، ولا هو استطاع أن يوقف نزيف الغلاء الفاحش الذي يزداد يوما بعد يوم، ولا هو استطاع أن يجد وظيفة لمواطن معدم، ولا هو استطاع أن يقلص نسبة التضخم التي تتفاقم بين الحين والآخر، تزامنا مع ضعف القدرة الشرائية بشكل سافر.
تعاني البلاد من غياب رؤية اقتصادية للمنقلب وزبانيته المقربين الذين لا يمتلكون المعرفة ولا الدراية بالشأن الإداري أو الاقتصادي، وكل ما يميزهم ولاؤهم الأعمى للمنقلب ليس أكثر من ذلك، في حين تغرق البلاد في الفقر والحرمان والمرض والإفلاس

تعاني البلاد من غياب رؤية اقتصادية للمنقلب وزبانيته المقربين الذين لا يمتلكون المعرفة ولا الدراية بالشأن الإداري أو الاقتصادي، وكل ما يميزهم ولاؤهم الأعمى للمنقلب ليس أكثر من ذلك، في حين تغرق البلاد في الفقر والحرمان والمرض والإفلاس. ولسنا بحاجة إلى دليل على جهل المنقلب بالشؤون الاقتصادية، وربما لا يكون ذلك عيبا كبيرا فيما لو استعان بأصحاب الرؤية والاختصاص، فهو يصر على إدارة شؤون البلاد بنفسه، ولا يترك شاردة ولا واردة إلا ويدس أنفه فيها، تماما كما يفعل السيسي الذي أضاع مصر وجوّع المصريين، وقضى على مستقبل البلاد بالديون.

كذلك، فإن قيس سعيد لم يذكر مطلقا أن الوضع الاقتصادي في البلاد مرتبط في جزء منه بالوضع الاقتصادي العالمي؛ فهو مغيب عن الواقع، وغير مدرك لما يقول ويفعل، وكأنه في حالة دهشة ذهنية لا تسعفه بلحظة عقلانية، يدرك فيها أبعاد الأزمة وأسبابها، التي منها الوضع العالمي الجديد بعد جائحة كورونا والحرب الأوكرانية. وفي هذا غباء مستفحل وقلة دراية وهشاشة فكر ووعي.

إن كل ما يسعى له قيس سعيد يتلخص في تثبيت نظامه الرئاسي الفاشل، وانتخاب أعضاء برلمان تابعين للأجهزة الأمنية كما في مصر السيسي، واختصار الحالة السياسية في البلاد في شخصه المريض بالسلطة، مستخدما أسلحته التي عبأها بالقوانين المجحفة التي سنّها بناء على مزاجه الشخصي، بعيدا عن أي استحقاقات ذات صلة بالتشريع.

إن المشكلة الحقيقة في تونس ليست قيس سعيد فقط، بل بعض أطياف المعارضة، خصوصا تلك التي تناصب النهضة العداء المبدئي؛ فقد أوقع هؤلاء في أذهان البسطاء أن النهضة هي سبب كل عيب وقصور وفشل، فهم يعانون من ازدواجية قميئة في النظر إلى ما آلت إليه الحال في ظل سعيد، وما كانت عليه قبل الانقلاب، ذلك أنهم ضد إجراءات قيس سعيد، لكنهم يركزون أكثر على مرحلة ما قبل سعيد، في محاولة لتشويه حركة النهضة وتشويهها وإخراجها من المشهد السياسي بكل طريقة ممكنة، بعيدا عن الصندوق الانتخابي، وتلك قمة الانتهازية وسوء الأخلاق. ومصالح الوطن لا تدار بالحقد والكراهية الأيديولوجية.
الديمقراطية عند هؤلاء فاشلة ما دامت لم تجلب لهم المشاركة في صناعة القرار وحصد مقاعد في البرلمان وتبوؤ المناصب السيادية، وقد فشلوا فشلا ذريعا في مقارعة النهضة من خلال صناديق الاقتراع؛ فبدؤوا بحربهم غير النظيفة معها، فهم يمارسون الدكتاتورية الفكرية والصوت النشاز والتآمر على الوطن، فقط لحقدهم على حركة النهضة

هؤلاء أنفسهم يؤيدون الرئيس المصري المجرم عبد الفتاح السيسي، مع أنه ظلم الشعب وقضى على آماله وتطلعاته. فالمسألة عندهم لا تتعلق بمصالح الشعب والوطن، بل بمحاربة كل من لا يدين لهم بالولاء ويسير في ذات الطريق الذي اختاروه لأنفسهم، وبالقضاء على الخصوم وإزاحتهم من المشهد. حتى لو جاؤوهم بالذهب، فلن يرضوا عنهم. وسيظلون على عداء معهم ويضعون العصي في دواليبهم.

الديمقراطية عند هؤلاء فاشلة ما دامت لم تجلب لهم المشاركة في صناعة القرار وحصد مقاعد في البرلمان وتبوؤ المناصب السيادية، وقد فشلوا فشلا ذريعا في مقارعة النهضة من خلال صناديق الاقتراع؛ فبدؤوا بحربهم غير النظيفة معها، فهم يمارسون الدكتاتورية الفكرية والصوت النشاز والتآمر على الوطن، فقط لحقدهم على حركة النهضة. فهم مستعدون لحرق تونس في مقابل إقصاء النهضة، مع أنهم لا يشكلون أكثر من صفر في صناديق الاقتراع، والشعب لا يريدهم.

تونس واقعة بين رئيس أهوج جاهل وبين معارضين صوريين، لو أمكنهم مشاركة قيس سعيد في الإمساك ببعض مفاصل الحكم لما كانوا في المعارضة، وتلك حقائق تعلمها حركة النهضة جيدا، وقد آن للأخيرة أن تتوقف عن المهادنة وطلب الود من ذئاب لا تعرف الرحمة ولا تعترف بالأخلاق، وليس لها من هدف سوى محاربة الديمقراطية والقفز على صناديق الاقتراع لتحقيق مآربها الجبانة.
التعليقات (3)
سعاد اللطيف
الجمعة، 11-11-2022 04:45 م
الله لا توفقه سعيد الشعب جاع ما نعرفش الى متى باش نبقاو ساكتين
أمينة ساسي
الجمعة، 11-11-2022 04:42 م
مقالة مختلفة عن مقالاتك السابقة. هذه المقالة تكشف الأكاذيب والأباطيل التي قامت عليها دولة قيس سعيد بتجديد الكشف عنها، والتذكير بالتدليس والكذب الذي قام به قيس سعيد بهشاشة وغباء كما ذكرت أستاذ الشاذلي. للأسف تونس تمر اليوم بمرحلة تدل على كارثة متحققة وكارثة أكبر قادمة، ونحن شعب مستكين للأسف ونعطي الفرصة للظالم لمزيد من ممارسة الظلم والإرهاب. لكن لكل ظالم نهاية. وحسبنا الله ونعم الوكيل
تفاؤل ع ك
الجمعة، 11-11-2022 04:30 م
لكن ما الحل أخي الكاتب الكريم، فقد شرحنا الحالة كثيرا وفضحنا المنقلب بما فيه الكفاية، لكن ما الحلول للخروج مما نحن فيه؟ هذه ثورة مصر التي كنا نأمل فيها خيرا تفشل، فكيف بتونس؟ لن نستطيع الثورة على الحاكم ما دمنا نخاف الاعتقال ونخشى التنكيل.