قضايا وآراء

تونس.. بين طوباوية المنقلب وهشاشة النخب

الشاذلي بن عمر
1300x600
1300x600
في حين يتواصل تجاهل قيس سعيد لمشكلات البلاد الصادمة والمتفاقمة، تستنكر المعارضة التونسية ما دعا إليه قيس سعيد في قمة الجزائر التي عقدت يومي 1 و2 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، من ضرورة حل المشاكل الداخلية المتواصلة في عدد من الدول العربية على غرار ليبيا وسوريا واليمن، بينما نسي أن يضيف إليها البلد الذي يمثله، وهو الذي يتعمد تركه يغرق في مستنقع الخلافات والانقسام والفقر والإفلاس وسوء الإدارة، أو يعجز عن حل مشكلاته عجزا يلجئه إلى الصمت ومواصلة فصول الكارثة ببرود وصفاقة وجه.

وكمثال صارخ على الإهمال الكلي لشؤون البلاد القادحة ما حدث أول أمس الأربعاء، من إضراب لوسائط النقل الحكومية مجتمعة، الذي شل حركة البلاد شللا كاملا، ذلك أنها تشكل الغالبية العظمى من وسائط النقل في البلاد، التي يشكل فيها النقل الخاص نسبة ضئيلة لا تقارن بالنقل العام.

وجاء الإضراب جراء إهمال حكومة نجلاء بودن لمطالب قطاع النقل الحكومي لشهور طويلة لعقد لقاء مع الحكومة، للتفاهم حول مسألة الرواتب المتأخرة ومشكلة الصيانة لوسائط النقل (الحافلات والقطارات والمترو)، التي تعاني من التلف والعطب المتكرر ومن كثير من المخاطر التي بدأ الشعب يحس بها بشكل لافت وخصوصا في المترو. وقد عاد العمل في قطاع النقل يوم أمس الخميس بعد جلسة تفاوضية جمعت مسؤولي الشركة والطرف النقابي، وأسفرت عن تأكيد الوفاء بالآجال المحددة لاستلام الموظفين رواتبهم.
المثال يوضح عبثية قيس سعيد وحكومته الفاشلة في التعامل مع القضايا الملحة، التي أوصلت شركة النقل إلى المجازفة بتعطيل حركة العاصمة ومدن أخرى في سبيل الحصول على حقوق موظفيها، بعد أن ذهبت مناشداتهم ومطالبهم أدراج الرياح طوال أشهر

هذا المثال يوضح عبثية قيس سعيد وحكومته الفاشلة في التعامل مع القضايا الملحة، التي أوصلت شركة النقل إلى المجازفة بتعطيل حركة العاصمة ومدن أخرى في سبيل الحصول على حقوق موظفيها، بعد أن ذهبت مناشداتهم ومطالبهم أدراج الرياح طوال أشهر مضت.

وفي الأثناء، تستمر معاناة الشعب وتزداد أوضاعهم قتامة يوما بعد يوم، في ظل صمت سعيد وحكومته، وعدم قدرته على طمأنة الشعب الذي ضاق ذرعا بنقص المواد الغذائية وارتفاع الأسعار الجنوني، وقد وعى الشعب ما ينتظره في الشهور والسنوات القادمة إذا استمر الوضع على ما هو عليه. ويدرك البسطاء من أبناء تونس قبل النخبة بأن قرض صندوق النقد الدولي البالغ 1.9 مليار دولار، الذي سيتم تسليمه عبر أربع سنوات، لن يكون قادرا على إحداث تغيير يذكر ما دام سعيد غير واع لما يجب أن يقوم به تجاه المواطنين المعدمين، الذين يزدادون فقرا يوما بعد يوم؛ فقد ذهبت وعوده ومشاريعه الوهمية التي وعد بها الشعب أدراج الرياح، وبات مؤيدوه الذين ظنوا به خيرا ناقمين عليه وينتظرون لحظة الخلاص منه.

وفيما لو نجحت ثورة مصر التي ستنبعث شرارتها في الحادي عشر من هذا الشهر؛ فسوف تشكل حافزا قويا للشعب التونسي؛ فينقض على سعيد الذي ظهر ارتجافه بوضوح لا ريب فيه، حين قال في مؤتمر القمة؛ "إننا نعيش في عديد من المناطق حربا ضروسا في مواجهة من يريدون إسقاط الدول، ولا يمكن أن نخرج منتصرين ظافرين إلا بوحدة الصف ولم الشمل، والقضاء على كل أسباب الفرقة والانقسام والاتفاق على التكاتف". وواضح هنا أنه يحسب ألف حساب لسقوطه المدوي الذي بات قاب فصلين أو أدنى؛ ففي حين كانت الثورة التونسية 2011 محفزا لثورة يناير في مصر، فإن ثورة 11/11 المصرية ستكون في حالة نجاحها المتوقع محفزا لثورة تونسية جديدة، على منقلب أهوج يأخذ البلاد إلى الإفلاس والجوع والحرمان.
لو نجحت ثورة مصر التي ستنبعث شرارتها في الحادي عشر من هذا الشهر؛ فسوف تشكل حافزا قويا للشعب التونسي؛ فينقض على سعيد الذي ظهر ارتجافه بوضوح لا ريب فيه

وقد تعرض قيس سعيد لحملة شرسة من المعارضين التونسيين بعد خطابه الفاشل في القمة العربية في الجزائر، ذلك أن خطابه كان باعثا على السخرية من حيث طوله وأفكاره وضيق الأفق الذي صاحبه طوال حديثه الطوباوي البعيد عن الواقع، والمنطلق من نزعة التشبث بالحكم والحفاظ على مكتسباته الوهمية التي يظن أنه استحوذ عليها، وأنه ماض فيها إلى ما لا نهاية. وتلك آفة الحكم ومتلازمة السلطة التي أصابت قيس سعيد بعد سنتين من حكمه؛ فبات يشعر بأنه الحاكم بأمره، وأنه الوحيد القادر على حل مشكلات البلاد، وهو الذي يغرقها يوما بعد يوم بتسارع شديد في وحل التفاهة والهشاشة، بعيدا عن الحكمة والعقلانية وحسن التدبير.

وبناء على شروط صندوق النقد الدولي، فإن قيس سعيد سيقوم ببيع عدد من المؤسسات الحكومية للقطاع الخاص، وهو ما سيشكل إضعافا حقيقيا للهيكلية الإدارية للدولة، وتقليص أرباحها من هذه المؤسسات التي تسهم في رفد خزينة الدولة بأقدار مالية لا يستهان بها. ومن هذه الأصول التي سيتم بيعها للقطاع الخاص، بنك الكان ومصنع للتبغ، علما بأن الأرباح التي تجنيها صناعة التبغ، كبيرة وتسهم إلى حد كبير في ميزانية الدولة المتهالكة.

ويحدث ذلك في اللحظة التي يتخلى فيها المنقلب عن ملاحقة الفاسدين الذين صدع رؤوسنا بهم، فهو يؤثر السلامة ويحاول الابتعاد عن الاستحقاقات الجادة والفاعلة التي وعد بها الشعب، وبنى عليها انقلابه الأغبر الذي جرّ الويلات على البلاد، حتى وصل به الأمر إلى عجزه عن التسول من دول الخليج كما فعل أستاذه الفاشل المنقلب عبد الفتاح السيسي، فقد باءت محاولات سعيد مع دولة الإمارات والعربية السعودية بالفشل في استقطاب استثمار أو تسول بضعة ملايين، بينما لم يلجأ إلى قطر التي عدّها عدوا افتراضيا بدون مبررات مقنعة.

وعلى خطى السيسي التي ستأخذه قريبا إلى حيث سجن محمد مرسي رحمه الله؛ بدأ قيس سعيد يفكر بفرض ضرائب على أصحاب الثروات، كما صرحت وزيرة المالية التونسية، أمس الخميس، التي قالت؛ "إن تونس تدرس مقترحا لفرض ضريبة على الثروة في عام 2023، في إطار خطة حكومية لتحقيق العدالة الضريبية". وسوف تتوالى الخطط الفاشلة لإفقار الشعب وتجويعه والافتئات على ثروات التونسيين وأعمالهم، تماما كما حدث في مصر السيسي، ولا نستبعد أن يفاجئنا المنقلب بـ"صبّح على تونس بدينار" في أية لحظة. ولا أظنه سيتعلم من فشل السيسي الذي باع البلد وأخذ مصر وشعبها إلى قاع الأرض!!
لم يعد ثمة مبرر لبقاء هذا المنقلب في السلطة أكثر مما كان، وقد آن للمعارضين التونسيين أن يستحوا قليلا، وينبذوا خلافاتهم، ويلتقوا على قلب رجل واحد لإنقاذ تونس؛ فمن العار أن يظل التونسيون يفكرون في الإقصاء لطرف أو لآخر، خلافا لكل قواعد الديمقراطية التي يدّعونها

ومن الغريب، أن قيس سعيد لم يعد يتحدث إلى الشعب إلا بمناسبة الانتخابات البرلمانية التي أتوقع فشلها فشلا ذريعا؛ فهو لا يعبأ بأحوال الشعب، ولا بالغلاء المتفاقم أو فقدان المواد الأساسية، ويهرب من مواجهة الناس في الشارع كما كان يفعل في الماضي. فهو معتكف في قصر قرطاج، يأكل ويشرب حتى أصابته السمنة بشكل لافت، فقد دخل القصر نحيفا شاحب الوجه، وهو اليوم منتفخ الأوداج ممتلئ الجسم، مع بروز واضح في كرشه، بما جعله لا يجرؤ على مطالبة الشعب بالتقشف، خصوصا بعد فضيحة فاتورة اللحوم الحمراء التي بلغت 1.5 مليون دينار تونسي، التي تم طلبها للتخزين في غرف التبريد بالقصر، بينما يتضور الشعب جوعا وحرمانا!!

لم يعد ثمة مبرر لبقاء هذا المنقلب في السلطة أكثر مما كان، وقد آن للمعارضين التونسيين أن يستحوا قليلا، وينبذوا خلافاتهم، ويلتقوا على قلب رجل واحد لإنقاذ تونس؛ فمن العار أن يظل التونسيون يفكرون في الإقصاء لطرف أو لآخر، خلافا لكل قواعد الديمقراطية التي يدّعونها.

ألم يئن لكم أيها التونسيون أن تستفيقوا من غفلتكم وهشاشة مسلككم السياسي والاجتماعي وتحسوا بأوجاع الوطن؟ ألم يئن لكم أن تفكروا في مستقبل بلدكم وأبناء شعبكم؟ أليس من الأنانية المفرطة أن تجعلوا أكبر همكم مقارعة حركة النهضة، ولو ضاعت البلد وهدمت على رؤوس أصحابها، وأنتم تعلمون يقينا أنكم لن تستطيعوا بدون حركة النهضة أن تسيروا تظاهرة واحدة يشارك فيها ألف متظاهر؟ توقفوا عن كبريائكم الزائف، وقفوا معا وقفة الرجال بعيدا عن الكيد والكراهية؛ فتونس في رقابكم جميعا، والتاريخ يكتب بيد من نار وحديد، ولا يرحم أحدا.
التعليقات (3)
تونس الثورة
الجمعة، 04-11-2022 04:50 م
ما لم يستفق الشعب الان و في هذه اللحظة المفصلية فلن تقوم له قائمة فهو يئن تحت وطأة جوعه و تهميش حريته . أما سعيد الضحل فقد بدا من الواضح افلاسه الكامل فهو مجرد صورة كاريكاتورية لغراب ناعق نرجو أن لا يتواصل هذا الوضع البائس و أن يصحو ضمير الشعب قريبا
محرزية
الجمعة، 04-11-2022 04:47 م
قيس سعيد لا يعرف أي شيئ عن تسيير تونس ولا عن الاقتصاد ولا السياسة انه يريد أن يحكم الشعب فقط ويريد ان يعيش مثل السلاطين ويقبل كتاف زعماء أوروبا وامريكا كما قبل كتاف ماكرون اللعين ربنا يخلصنا منه ومن اشكالة
عبد الله احمد
الجمعة، 04-11-2022 03:10 م
لكم الفضل ايضا في تشجيع انطلاق شرارة الثورة في مصر و كانت بشرة خير لنا و ان شاء سنكون بشرة خير لكم لكن عن النخبة الهشة تصور هل يصنع الديكتاتور نخبا جيدة صلبة لا طبعا اكيد سيكون المنتج عبير موسى