بورتريه

صاحب "الرسالة" رحل.. وأحلامه معلقة! (بورتريه)

استطاع أن يخترق أبواب هوليود الموصدة غالبا محافظا على انتمائه العربي والإسلامي- عربي21
استطاع أن يخترق أبواب هوليود الموصدة غالبا محافظا على انتمائه العربي والإسلامي- عربي21

منجز سينمائي وثقافي شكل حالة استثنائية في مخيلة الإنسان العربي والعالمي ما لبث أن "تبعثر وتشظى" بفعل انفجار إرهابي لم يكن يستهدفه بالأساس، ضمن 3 انفجارات ضخمة استهدفت 3 فنادق في العاصمة الأردنية عمان نفذها تنظيم "القاعدة".


يعد واحدا من أهم المنتجين والمخرجين العرب في سينما هوليوود، إذا أنتج خلال حياته نحو 13 فيلما، بينها فيلم "الرسالة"، وفيلم "أسد الصحراء" إضافة إلى سلسلة من أفلام الهالوين (8 أجزاء).


استطاع أن يخترق أبواب هوليود الموصدة غالبا بطاقته الإبداعية الكبيرة محافظا على انتمائه العربي والإسلامي.


ولد مصطفى العقاد عام 1930 في حي الأزبكية الشهير بمدينة حلب بسوريا، لأب كان يعمل ضابطا في الجمارك أثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا، وأم تركية الأصل.


ظهر عليه حب التصوير وهو بعمر 10 سنوات حين كان يصور إخوته وأصدقاءه ثم يقوم بتحميض الصور في حمام المنزل، كما أحضر جهاز سينما بدائيا كان يشغل من خلاله فيلما لأطفال الحارة.


بعد إنهاء الثانوية العامة عمل موظفا في "البنك البريطاني" ليتمكن من تجميع المال اللازم للسفر إلى الولايات المتحدة وإكمال دراسته رغم معارضة والده.


غادر بلاده متوجها إلى أمريكا لدراسة الإخراج والإنتاج السينمائي في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس بعد أن اقتنع والده بسفره وشجعه على المضي لتحقيق حلمه، وعند سلم الطائرة قدم له والده مبلغ 200 دولار والقرآن الكريم ليكون مؤنسا له في غربته.


قرن دراسته الجامعية بتدريب عملي على الإخراج ونال الجائزة الأولى في الجامعة عن إعداد فيلم عن قصر الحمراء أحد صروح العمارة الإسلامية في الأندلس. وتخرج من الجامعة عام 1958.


عمل بعد تخرجه مساعدا للمخرج العالمي الفرد هيتشكوك سيد مدرسة الرعب والتشويق والأجواء النفسية المتوترة، حيث تدرب على يديه ونال خبرة كبيرة من خلال عمله معه، مما ساعده فيما بعد على إخراج مجموعة أفلام عن الهالوين التي ساعدته في جمع مبلغ مالي كبير سيساعده فيما في إنتاج واحد من أهم الأفلام العربية والعالمية إلى جانب ما تلقاه من تمويل من جهات أخرى.


ولزيادة خبراته قام بإعداد سلسلة أفلام بعنوان "كيف يرانا العالم؟"، جاب خلال تصويرها مناطق عديدة في العالم وهذا ما أكسبه معرفة بالثقافات المختلفة والمتنوعة.


كان يراوده منذ بداية عشقه للإخراج تقديم عمل سينمائي يعرف العالم بالإسلام، وكان يريد أن يعرف الغرب بجوهر هذا الدين، فكان فيلم "الرسالة" عام 1976 الذي يتحدث عن نشأة الإسلام من خلال السيرة النبوية الشريفة بنسختين عربية بطولة عبد الله غيث ومنى واصف، وانجليزية بطولة أنتوني كوين وأيرين باباس، وبلغت تكلفة إنتاج الفيلم للنسختين العربية والأجنبية حوالي 10 ملايين دولار، وحققت النسخة الأجنبية وحدها أرباحا تقدر بنحو 100 مليون دولار.


ولم يرض اتحاد المسلمين ومقره في المملكة العربية السعودية عن هذا العمل وحاول ممارسة الضغوط على مموليه، ولكن بسبب دعم الأزهر له والتمويل الذي قدم من المغرب العربي واستضافة الرئيس الليبي معمر القذافي لموقع التصوير رأى الفيلم النور، لكنه لم يحقق نجاحا كبيرا في مبيعات شباك التذاكر الأمريكية بسبب عدم إظهار وجه النبي محمد، إلا أنه حقق نجاحا ضخما في باقي أنحاء العالم.


كما أن ما يزيد عن 20 ألف شخص اعتنقوا الإسلام بعد مشاهدة فيلم "الرسالة".


ثم جاء فيلمه الآخر "أسد الصحراء" عام 1981 بكلفة 35 مليون دولار، والذي يتحدث فيه عن عمر المختار الذي حارب الاستعمار الإيطالي لليبيا وقام ببطولته أنطوني كوين أيضا إلى جانب إيرين باباس وأوليفر ريد.


عند إخراجه لفيلم "الرسالة"، استشار العقاد علماء الدين المسلمين لتفادي إظهار مشاهد أو معالجة مواضيع قد تكون مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي. ورأى العقاد في الفيلم جسرا للتواصل بين العالم الإسلامي والغرب لإظهار الصورة الحقيقية عن الإسلام.

 

اقرأ أيضا رحيل غودار.. "بيكاسو السينما" ومحب فلسطين (بورتريه)

 

ذكر في مقابلة أجريت معه عن هذا الفيلم بأنه كان "موضوعا شخصيا بالنسبة لي، شعرت بواجبي كمسلم عاش في الغرب بأن أقوم بذكر الحقيقة عن الإسلام. هناك القليل المعروف عنه، مما فاجئني. لقد رأيت الحاجة بأن أخبر القصة التي ستصل هذا الجسر، هذه الثغرة إلى الغرب."


كان يحضر لإخراج فيلمين سينمائيين، أولهما يتحدث عن فتح الأندلس والآخر يتحدث عن القائد صلاح الدين الأيوبي، يوازيان جودة الأعمال السابقة. وكان العقاد يعتقد أن صلاح الدين كان "يمثل الإسلام تماما".

 

وكان من المفترض أن يجسد شخصية صلاح الدين النجم العالمي شون كونري رغم شيخوخته، لكنه لم يجد تمويلا لهما رغم الموافقات المبدئية من قبل جهات عدة لم تف بوعدها.


وكان يحضر فيلمين عن الصحابيين الجليلين عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، لكنه تراجع عن الفيلمين بعد أن اصطدمنا بعدم إمكانية ظهور الخلفاء على الشاشة.


وعرض على العقاد إخراج أفلام حول العديد من القادة العرب لكنه رفض ذلك، وأصر على تقديم ما يتوافق مع قناعاته وثوابته.


يقول: "بما أنني غير محتاج فبإمكاني أن أرفض أي عمل لا يفيد الأمة العربية، لذا اتجهت نحو الأفلام التاريخية التي لا تخدم نظاما معينا إنما تخدم قضايا حضارية لها إسقاطات معاصرة، ففيلم "عمر المختار" كانت القضية الفلسطينية بارزة فيه، كان الحوار في عمر المختار مركزا على أساس القضية الفلسطينية التمسك بالأراضي والعودة إلى الأرض".


أربعة مشاريع فنية كبرى كانت على أجندته لكن الموت لم يمهله لإنجازها فقد توفي في مثل هذه الأيام عام 2005 مع ابنته إثر انفجار إرهابي وقع في فندق حياة عمان لحظة وجود العقاد في بهو الفندق لاستقبال ابنته القادمة للتو من السفر لحضور حفل زفاف، توفيت ابنته ريما في الحال، بينما مات هو بعد العملية بيومين متأثرا بجراحه، في "الأربعاء الأسود" تاركا خلفه أحلاما ما زالت معلقة في انتظار من ينفض عنها غبار النسيان.

 

0
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم