بعدَ واحدٍ وتسعين عاماً من العمر والعمل والتّعب
رحلت
الآنسة منيرة التي يحلو لمريداتها مناداتها بـ"أمّ الشّام". لم تترك من
ورائها ابناً يرثها فهي التي لم تتزوّج؛ لكنّها تركت وراءها عشرات الآلاف من
بناتها الرّوحيّات اللّواتي ينتسبن لها انتساب الأمّ لابنتها.
ليسَ لمنيرة قبيسي أيّة صورة في أيّ محفلٍ من المحافل
على الإطلاق، وليس لها أيّ تصريح صوتيّ أو مكتوب أو منقول مما جرى في
سوريا منذُ
عام 2011م إلى اليوم، فهي قعيدةٌ تماماً في بيتها في حيّ الرّوضة الدّمشقيّ بسبب
مرضها وتعبها الشّديد النّاتج عن تقدُّم السنّ منذ أكثر من ثمانية عشر عاماً،
ولكنّ هذا لا يعني أبداً أنّها كانت غائبةً أو مغيّبةً عن متابعة أمور الجماعة
وترتيباتِها، فشخصيّةٌ قياديةٌ مثلها لا تستقيلُ من العمل ولا تفقدُ دورها وأثرَها
تحتَ وطأة الظّروف والضّغوط، ولا تُقدِم الجماعةُ على أيّ موقفٍ دون الصّدور عن
مشورتِها ورأيها وربّما قرارِها المُباشر.
ليسَ لمنيرة قبيسي أيّة صورة في أيّ محفلٍ من المحافل على الإطلاق، وليس لها أيّ تصريح صوتيّ أو مكتوب أو منقول مما جرى في سوريا منذُ عام 2011م إلى اليوم، فهي قعيدةٌ تماماً في بيتها في حيّ الرّوضة الدّمشقيّ بسبب مرضها وتعبها الشّديد النّاتج عن تقدُّم السنّ منذ أكثر من ثمانية عشر عاماً، ولكنّ هذا لا يعني أبداً أنّها كانت غائبةً أو مغيّبةً عن متابعة أمور الجماعة وترتيباتِها
إنّ الحديثَ عن تحالفٍ عضويّ بينَ أيّ نظامٍ سياسيّ
والقبيسيّات، أو عن كون القبيسيّات ذراعاً وظيفيّةً لنظام سياسيّ سواء في سوريا أو
غيرها، أو عن إعطاء الجماعة شرعيّةً لأيّ نظامٍ، هو نوعٌ من التّفسير السّهل
للمشهد، وعدم تكلّف عناء قراءة سيرورة الأحداث والمنافع المتبادلة بين الأنظمة
السّياسيّة والجماعات الدّعويّة عموماً، وكثيرٌ من هذه القراءات محكومٌ بتقييماتٍ
مسبقةٍ أو تصوّراتٍ رغائبيّةٍ أو تحيّزات أيديولوجيّة.
رحلت الآنسة منيرة وقد تركت وراءها جماعةً لم يشهد
التّاريخ الإسلاميّ شبيهاً لها من حيثُ طبيعتها المقتصرة على المرأة والمُغلقة
عليها، أو في امتداداتها النّسائيّة العابرة للحدود، وهذا سيجعل منها موضع حديثٍ
مستمرّ وقراءاتٍ متعدّدة الزّوايا ردحاً من الزّمن.
سيكون السّؤال الأوّل الذي يخطرُ في بال المُريدات من
بنات الجماعة أو المتابعين لها من خارجِها عن خلافة الآنسة منيرة في قيادة
الجماعة، وعمّا إذا كانت ستقعُ فيها الانشقاقات والاختلافات التي اعتادتها كثيرٌ
من الجماعات الدّعويّة بعد وفاة الرّأس المؤسّس.
من نافلة القول أنّنا حين نتحدّث عن القبيسيّات فلا
نتحدّث عن جماعةٍ داخل سوريا فحسب؛ بل عن جماعة ممتدة في عدد من الدول، ولئن كان اشتهر من الدّول التي توجد فيها الجماعة؛
الأردن باسم الطباعيات أو بنات فاديا ولبنان باسم السّحريات وفلسطين باسم بنات
فدوى والكويت باسم بنات البيادر؛ فهذا لا يعني على الإطلاق اقتصار وجود الجماعة في
هذه الدّول بل هي موجودة بصورة منظّمة في عددٍ من الدّول بشكلٍ أكثر من هذه الدول
عدداً وامتداداً وتنظيماً، ومنها السّعوديّة ومصر وأمريكا والمغرب وكذلك بريطانيا
وتركيا وغيرها كثير.
حين نتحدّث عن القبيسيّات فلا نتحدّث عن جماعةٍ داخل سوريا فحسب؛ بل عن جماعة ممتدة في عدد من الدول
ليسَ للقبيسيّات هيكليّة تنظيميّة بالمعنى المتعارف عليه
في التّنظيمات والأحزاب والحركات؛ فليس لديها لوائح داخليّة أو نظام أساسيّ، ولا
تخضع لآليّات واضحة في التّصعيد القيادي أو التّدرّج في المراتب، ولكنّ هذا لا
ينفي وجود هيكليّة تحكم عمل الجماعة ضمنت لها الحياة والاستمرار
والانتشار وعدم الذّوبان، وتجعل الحديث عن موت الجماعة أو اندثارِها بموتِ مؤسِّسَتها
محض تخمين لا يستقيم بحال.
لن تكون هناك انتخاباتٌ لاختيار رئيسة الجماعة، وليس
هناك مرشحات ولا برامج انتخابيّة ولن تحدث الكولسة التي اعتادتها التّنظيمات
الإسلاميّة عند كلّ صراعٍ انتخابيّ، ولا توقعات للاختلاف بين الآنسات الكبيرات
فيمن ستكون الخليفة، فقد حُسم الأمر بعدَ أن عهدت الآنسة منيرة قبيسي بخلافة
الجماعة إلى أقرب رفيقاتِها إليها، وأبلغت بذلك حلقة الآنسات الكبيرات؛ فرئاسة
الجماعة آلت بعد وفاة الحجّة الكبيرة إلى الآنسة خيريّة جحا المعروفة في أوساط
الجماعة بالآنسة خير.
والآنسة خير تنحدر من ريف دمشق وتحديداً من عين ترما في
الغوطة الشرقيّة، غير أنّها مقيمةٌ منذ شبابها المبكّر في مدينة دمشق، وهي رفيقة
الآنسة منيرة في التّأسيس وتعدّ من أبرز الشّخصيّات المركزيّة والتّنفيذيّة على
امتداد تاريخ الجماعة.
تختلف الآنسة خير عن الآنسة منيرة في أنّها تتّسم
بالشدّة والضّبط الكبير داخل الجماعة، ومشاعر الشّابات تجاهها ليست بالقدر ذاته من
الشّعور بأمومة الآنسة منيرة التي كانت أكثر قدرة على الاستيعاب والعطاء العاطفيّ،
ففي الوقت الذي كانت فيه الآنسة منيرة تمثّل عنوان الحنان والاحتواء والاستيعاب
للطالبات؛ فإنّ الآنسة خير هي رمز الشّدّة والسّيطرة والمحاسبة الدّقيقة.
الآنسة خير في بداية الثّمانينيات من العمر، وهي خريجة
كليّة الشريعة جامعة دمشق وغير متزوجة على نهج أغلب الآنسات الكبيرات في الجماعة،
وهي تتمتّع بثراءٍ ماديّ نتيجة انتمائها لأسرةٍ ثريّة من الأصل، فثراء الآنسات
القبيسيّات عادةً ليسَ نتيجةَ الانتماء للجماعة بل على العكس، فإنّ أموالهنّ توضع
في خدمة العمل الدّعويّ ومشاريع الجماعة.
خمسة تحديات رئيسة؛ وهي ملء الفراغ الذي تركته الآنسة منيرة، والحفاظ على كيان الجماعة قائماً، والاستمرار بالعمل الدّعوي للقبيسيّات داخل سوريا في الجماعة الأم، وإدارة العلاقة مع النّظام الأمنيّ والسّياسيّ القائم في البلاد، والحفاظ على انتماء الجماعة في البلدان المختلفة للجماعة الأم وارتباطها بها
لن أتحدّث هنا عن مستقبل جماعة القبيسيّات فلذلك مواضعه
الأخرى؛ غير أنّ استلام الآنسة خير رئاسة الجماعة في ظلّ هذه الظّروف المعقّدة
داخل سوريا وخارجها يطرح أسئلةً عن قدرتها في مواجهة التحديات القادمة.
إنّ أهمّ التحديات التي تواجه الآنسة خير على مستوى
قيادتها للجماعة هي خمسة تحديات رئيسة؛ وهي ملء الفراغ الذي تركته الآنسة منيرة،
والحفاظ على كيان الجماعة قائماً، والاستمرار بالعمل الدّعوي للقبيسيّات داخل
سوريا في الجماعة الأم، وإدارة
العلاقة مع النّظام الأمنيّ والسّياسيّ القائم في
البلاد، والحفاظ على انتماء الجماعة في البلدان المختلفة للجماعة الأم وارتباطها
بها.
لا تتمتّع الآنسة خير بالقدر ذاته من الرّمزيّة أو
الكاريزما التي حظيت بها الآنسة منيرة، غير أنّها أيضاً ذات تأثيرٍ وفاعليّة داخل
أروقة الجماعة سواءً على مستوى الآنسات أو الطالبات.
ومن الفرص التي تتيح لها مواجهة التّحديات التي تنتظرها؛
إحاطتها بعددٍ من الآنسات الكبيرات اللّواتي يبذلن لها الولاء من الصّف الأوّل
للجماعة، وكذلك ما تتّسم به من حمولةٍ معنويّة كونها صنو الآنسة منيرة، والعمل
معها والتعاون في إنجاحها هو أحد أهمّ علامات وعناوين الوفاء للآنسة الرّاحلة؛
إضافة إلى خبرتها في إدارة العمل الدّعوي وتاريخها الممتد لأكثر من ستين سنةً داخل
الجماعة.
التّحدي الأكبر والأبرز هو القدرة على إدارة العلاقة مع الأجهزة الأمنيّة والأنظمة السّياسيّة في البلدان المختلفة وفي مقدمتها سوريا، في ظل قدرة هذه الأجهزة على اللعب في أحشاء الجماعة كما اعتادت هذه الأجهزة مع مختلف الجماعات الدّينيّة
يبقى التّحدي الأكبر والأبرز هو القدرة على إدارة
العلاقة مع الأجهزة الأمنيّة والأنظمة السّياسيّة في البلدان المختلفة وفي مقدمتها
سوريا، في ظل قدرة هذه الأجهزة على اللعب في أحشاء الجماعة كما اعتادت هذه الأجهزة
مع مختلف الجماعات الدّينيّة، ولكنّ الأمر عند القبيسيّات يأتي في ظلّ حرصٍ حادّ
على إبعاد الرّجال عن مواضع القرار والفقر في الخبرات السياسيّة والأمنيّة كما هو
حال المؤسسة الدّينيّة التّقليديّة عموماً.
أيّامٌ صعبة تنتظر الآنسة خير على مستويات عدّة، غير
أنّها لن تكون سبباً في تحولات حقيقيّة في نهج الرئيسة الجديدة عن نهج الآنسة
الرّاحلة التي ستبقى هي والجماعة ظاهرةً فريدةً تحتاج المزيد من الدّراسات
الحقيقيّة المعمّقة.
twitter.com/muhammadkhm