أثار قرار حظر
التعليم الجامعي للنساء في
أفغانستان، الذي أعلنه وزير التعليم العالي في حكومة طالبان، ندا محمد نديم، مساء
الثلاثاء، 20 كانون الأول/ ديسمبر الماضي ضجة عالمية عارمة، وقوبل بإدانات
واستنكارات أممية واسعة، ما دفع الحركة إلى تبرير قرارها بأنه جاء على خلفية عدم
احترام الطالبات "لقواعد اللباس".
ووفقا لمنتقدي قرار الحركة فإن سياستها تجاه
النساء منذ عودتها للسلطة في 15 آب/ أغسطس 2021 كفصل الصفوف بين الجنسين، وفرض
الحجاب، وإغلاق المدارس الثانوية للفتيات، وتشديد القيود على النساء في الأماكن
العامة، كفرض تغطية الوجه تكشف عن الدوافع الحقيقية وراء تلك القرارات.
وبعد تسلمها مقاليد السلطة، توقع خبراء
ومحللون أن تعدل الحركة عن سياساتها السابقة في تطبيق الأحكام الشرعية، التي كانت
توصف بالتشدد والغلو، إبان تجربتها الأولى في السلطة (1996ـ 2001)، لتكون أكثر
انفتاحا ومرونة، وأقل تشددا في سياساتها الدينية، حتى لا تقع في ذات الأخطاء
السابقة، التي وضعتها أمام تحديات داخلية وخارجية صعبة.
قرارات طالبان وإجراءاتها تجاه النساء،
والتي كان آخرها قرار حظر التعليم الجامعي للفتيات، يعيد إثارة الأسئلة حول سياسات
طالبان تلك من جديد، إذ ما جدوى الحديث عن تجربة جديدة تتسم بالانفتاح والمرونة،
وتبتعد عن التشدد في ظل سياسات الحركة الحالية؟ وهو ما يقوي الرأي القائل بأن
الحركة ستعود لسيرتها الأولى، حسب مراقبين.
في هذا الإطار رأى الكاتب الصحفي الفلسطيني،
المختص بالشأن الباكستاني والأفغاني، جمال إسماعيل أن حركة طالبان "ستعيد
تعليم البنات في المدارس الثانوية والجامعات بعد فترة، وحينما تتأكد سلطات الإمارة
من قدرتها على إعادة فتح الجامعات والمدارس الثانوية، وعدم الاختلاط بين الجنسين،
مع الالتزام الأكيد بالحجاب الإسلامي".
جمال إسماعيل، كاتب صحفي فلسطيني مختص بالشأن الباكتساني والأفغاني
وأضاف: "كما أن مسألة القيود المفروضة
على النساء في الأماكن العامة مرتبطة بالسيطرة الأمنية والتوجيهية للإمارة
الإسلامية" مستبعدا أن "تعود الأمور إلى ما كانت عله أيام الإمارة
الإسلامية الأولى، لكن المسألة تحتاج إلى وقت، بسبب الحصار الاقتصادي على الإمارة
وعدم تمكنها من إعادة بناء المؤسسات".
وأردف إسماعيل في حديثه
لـ
"عربي21": "على المجتمع الدولي، خاصة الدول التي كانت تحتل
أفغانستان (حلف الأطلسي) والدول الإسلامية تقع مسؤولية التبرع لإعادة بناء
أفغانستان، وإنعاش اقتصادها المنهار بعد الحرب، بدلا من حجز أموال الشعب الأفغاني
كما فعلت أمريكا وغيرها، وليس المطلوب مساعدات إنسانية عند حدوث الزلازل
والفيضانات، وإنما مشاريع تؤمن للشعب الأفغاني إعادة بناء بلده، واستثمار ثروته".
وتابع: "لكن أمريكا وأوروبا لا تريدان
ذلك، فهما تعتقدان أن أفغانستان ستكون أقرب إلى الصين وروسيا في حال وقوفها على
قدميها، وفي حال عدم تقديم الدعم المطلوب فإن الدول الغربية تدفع أفغانستان بقوة
إلى معاداة الدول الغربية، وهو ما ستكون نتائجه سلبية على علاقات الطرفين".
وعن مدى تنبه الحركة لمآل قراراتها تلك، فقد لفت
إلى أن "الإمارة الإسلامية الأولى والحالية لم تعر كبير اهتمام للموقف مما
يسمى بالمجتمع الدولي، خاصة إن كانت قراراتها نابعة من الشريعة الإسلامية، أما
داخليا فليس هناك – حتى الآن – قوة داخلية يمكنها التأثير على حكمها، وخارجيا فليس
واردا قيام أي دولة أو منظومة دولية بالتدخل في الشأن الأفغاني مباشرة، إلا عبر
الحصار الاقتصادي والسياسي، وهو ما تعده الحركة ضعيف التأثير حتى يجبرها على
التراجع عن مواقفها" على حد قوله.
من جهته قال الكاتب والإعلامي السوري،
الخبير بالشأن الأفغاني، أحمد موفق زيدان: "هناك اتجاه مشيخي علمائي أفغاني
تقليدي لا يرى تعليم المرأة الأفغانية، لكن ثمة خط أفغاني آخر يرى غير هذا، وهذه
مشكلة قديمة في شبه القارة الهندية بشكل عام".
أحمد موفق زيدان، إعلامي سوري خبير بالشأن الأفغاني
وأردف في تصريحاته لـ
"عربي21":
"أرى أن طالبان ستعيد سياساتها تجاه النساء بطريقة أو بأخرى، لا سيما في حال
الفصل بين الجنسين وفرض الحجاب"، مضيفا "التيار الطالباني الذي يتعامل
مع العالم يدرك بكل تأكيد مآل تلك السياسات، لكن التيار الذي يحظى بالزخم الشعبي،
ربما لا يزال على طريقته القديمة في المحاكمة، لذا ستظل سياسات الحركة، لا سيما ما
يتعلق منها بالمرأة مثار جدل بين تيارين".
بدوره قال الباحث السياسي الباكستاني، حذيفة
فريد: "المتأمل في التاريخ الأفغاني يرى أن تعليم المرأة مرّ في مراحل صعود
وهبوط، ولكن الفكرة المأخوذة عن حركة طالبان أنها ضد تعليم المرأة، أثبتت الحركة
حتى الآن صحتها".
وأضاف: "كانت ذريعة الحركة في تجربتها
الأولى عدم توافر ميزانية كافية للتعليم، ولكن في هذه المرة لم تكن الأمور المالية
هي الذريعة لتبرير سياستها تلك، إذ سبق للحكومة الأفغانية تقديم شكرها لحكومتي
هولندا وألمانيا على تكفلهما برواتب العاملين في قطاعي الصحة والتعليم بالكامل".
حذيفة فريد.. صحفي باكستاني
وأردف بأنه "من المعروف أن حركة طالبان
بحسب منهجها وأفكارها تعارض تعليم المرأة، وهي ترى أن تعليمها يتسبب في مزاحمة
النساء للرجال في الوظائف مستقبلا، مع عدم مقدرتها في الوقت الحالي عن توفير وظائف
وفرص عمل كافية للرجال في ظل الظروف القائمة، لذا فإنها تخشى أن يشكل تعليم النساء
عبئا جديدا عليها".
وتابع: "كما أن تعليم المرأة ليس مرحبا
به في منهج الحركة أساسا، والذي يقرر أن مكان المرأة ومقرها الطبيعي هو المنزل،
كما صرح بذلك وزير التعليم العالي في خطابه من ذكره أنه لا فائدة للمرأة في أن
تصبح مهندسة، أو تدرس العلوم الزراعية، لذا سيتم تعديل أوضاع النظام التعليمي حتى
تدرس المرأة ما يصلح لها ويتناسب مع طبيعتها وفق تصور الوزير والحركة".
وردا على سؤال لـ
"عربي21" عن ما إن كانت
حركة طالبان في ضوء سياساتها وقراراتها بشأن النساء ستعود سيرتها الأولى، وصف
الباحث السياسي الباكستاني فريد "حديث وزير التعليم العالي عن عودة الفتيات
إلى التعليم بعد فترة، وبعد تعديل النظام" بأنه "حديث فارغ بكل ما تحمله
الكلمة من معنى، وأن الحركة تذر الرماد في العيون، ولن تعود الفتيات للتعليم
ومقاعد الدراسة مرة أخرى"، حسب قوله.
وأضاف: "بل إن كل المعطيات تقول بخلاف ذلك،
فقبل أيام صدرت قرارات بفصل جميع الموظفات العاملات في مؤسستي الإذاعة والتلفزيون
التابعة للحكومة، لا بل بفصل العاملات في القنوات الخاصة كذلك".
وأنهى كلامه، متوقعا "عودة طالبان
لسيرتها الأولى، فهذا هو المتوقع من الحركة في إدارتها للشؤون التعليمية
والاجتماعية، خاصة ما يتعلق منها بالنساء، وهو المتوافق مع منهجيتها الدينية،
والمجسد لنهجها في تطبيق أحكام الشريعة وفق فهمها وتصوراتها بحكم أنها صاحبة
الكلمة والقرار، وأن مقاليد السلطة والحكم بيدها".