يسارع عامة المسلمين في كثير من الدول العربية والإسلامية إلى إظهار
فرحهم وابتهاجهم بقدوم شهر
رمضان المبارك، وعادة ما يصاحب ذلك في بعض تلك الدول
الاعتناء بالمظاهر الاحتفالية عبر تعليق الزينة داخل البيوت وخارجها، كالهلال
والنجمة والفوانيس، والحبال الكهربائية، والعناية بتزيين المساجد بالإنارة
والأضواء الزائدة.
تلك
المظاهر والسلوكيات المصاحبة لقدوم شهر رمضان غالبا ما تكون محل
جدل ونقاش، كمادة من مواد الجدل الديني الموسمي، بين من يرى إباحة ذلك واستحسانه،
وبين من يصفها بالأعمال البدعية التي لم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام
والصحابة الكرام، والتحذير من الوقوع في مشابهة أهل الكتاب الذين لهم عناية خاصة
بتزيين كنائسهم ومعابدهم وما إلى ذلك.
ومن اللافت أن وقائع ذلك الجدل الموسمي، لا سيما في شهر رمضان تتناول
عدة مسائل، لا يتوقف الجدل حولها، ويبدو أنه لا سبيل لحسمها، كآلية دخول رمضان بين
من يقتصر على الرؤية البصرية، وبين من يدعو إلى اعتماد الحسابات الفلكية، وجدل
ثالث حول عدد صلاة التراويح، ورابع بشأن مدى دقة مواقيت الإفطار والسحور، وخامس عن
كيفية إخراج صدقة الفطر وما إلى ذلك..
ووفقا لباحثين في العلوم الشرعية، فإن تلك الاختلافات، وتعدد
آراء
الأئمة واجتهاداتهم ينبغي أن يتعامل معها عامة المسلمين بوصفها اختلافات فقهية
سائغة، تحتمل تعدد النظر والاجتهاد، وهي آراء اجتهادية لأئمة كبار، أجمعت الأمة
على إمامتهم، ومتابعتهم وتقليدهم في تلك الاجتهادات، وهي من المسائل الفقهية
الاجتهادية التي لا يجوز الإنكار فيها.
يؤكد المانعون للاحتفال بقدوم رمضان عبر تعليق الزينة والأنوار على
عدم ورودها "عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته الكرام، أو أنهم
كانوا يحتفلون بقدوم رمضان بتلك الطريقة" وينصون على أن "كل الخير في
اتباع من سلف، وكل الشر في ابتداع من خلف، وكثير من البدع تنشأ في أولها من أمور
مباحة، ثم ما تلبث أن تصير دينا يتعبد الناس به" كما ورد في فتاوى الشبكة
الإسلامية.
وأضافت في فتواها التي اطلعت عليها
"عربي21":
"والوارد عنه صلى الله عليه وسلم أنه بشر أصحابه بقدوم رمضان فقال: أتاكم
رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه
أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها
فقد حرم. رواه النسائي وصححه الألباني".
وتابعت: "وقد نص كثير من الفقهاء السابقين على عدم مشروعية
تعليق القناديل في ليال من السنة لما في ذلك من الإسراف وغيره من المفاسد، قال
النووي في المجموع: من البدع المنكرة ما يفعل في كثير من البلدان من إيقاد
القناديل الكثيرة العظيمة السرف في ليال معروفة من السنة كليلة نصف شعبان، فيحصل
بسبب ذلك مفاسد كثيرة".
وأكملت نقلها عن الإمام النووي مبينا تلك المفاسد: "منها: مضاهاة
المجوس في الاعتناء بالنار، والإكثار منها، ومنها: إضاعة المال في غير وجهه،
ومنها: ما يترتب على ذلك في كثير من المساجد من اجتماع الصبيان وأهل البطالة،
ولعبهم ورفع أصواتهم وامتهانهم المساجد، وانتهاك حرمتها، وحصول أوساخ فيها وغير
ذلك من المفاسد التي يجب صيانة المساجد من أفرادها".
وختمت فتواها بالقول: "ولا شك أن الاحتفال المذكور والتزيين فيه
كثير من تلك المفاسد التي ذكرها الفقهاء رحمهم الله، ولذا فإننا نرى عدم مشروعية
الاحتفال بقدوم رمضان بتزيين المساجد وتعليق الأنوار فيها".
وفي ذات الإطار بيَّن الداعية والباحث الشرعي، المقيم في السويد،
فكري المسكاوي أن "الفرح والابتهاج لخير نزل بالأمة مندوب إليه بقوله تعالى
{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا..}، متسائلا "لكن هل يتعلق الفرح بدخول
الشهر الكريم بهذه الآية" ليجيب بالنفي "ذلك لأنه لو كان متعلقا بها
لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعده من الصحابة والتابعين وهم خير القرون"".
فكري المسكاوي، إمام وداعية مقيم في السويد
وتابع: "لكن يبقى السؤال: هل عدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم
والصحابة لأمر يعني عدم جواز فعله، والجواب أن الفعل إذا كان متعلقا بالدين
والعبادة فلا شك يكون الحكم عدم الجواز لكونه بدعة، وفي الحديث من أحدث في أمرنا
ما ليس منه فهو رد، وأما إن كانت مسألة من العادات والأمور الدنيوية فالأصل فيها
الإباحة إلا إن كانت تخالف نصا شرعيا كالتشبه بالكفار، أو يتخللها أمر منهي عنه".
وأكمل حديثه لـ
"عربي21" بالقول: "وعليه فالاحتفاء
بقدوم رمضان الأصل فيه شحذ الهمم على الطاعات وليس المظاهر الاحتفالية كالزينة
وتعليق الفوانيس والإضاءة، طبعا لا شك أن التحريم يحتاج إلى دليل، لأن الأصل في
الأمور الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم، لكن العلماء الذين ذهبوا إلى عدم الجواز
قالوا بذلك بناء على قاعدة شرعية معتبرة وهي قاعدة درء المفاسد، خوفا من أن يعتبر الناس
إن طال بهم العهد مثل هذه المسائل من الدين".
وأوضح المسكاوي أن "الحد المسموح من مظاهر الاحتفال هو إظهار
البهجة بالطاعة والاستعداد لها بالعزم القلبي، ولو صاحب ذلك إظهار الاحتفاء
والتعظيم لشعائر الله بما يعود بالخير على الناس في أخراهم بجلب مصحف خاص لكل طفل
بهذه المناسبة لتعويده قراءة القرآن فيه، وكذلك ببذل الصدقات وإطعام الطعام فإن
صاحب ذلك إظهار بعض الزينة دون مبالغة، ولا تكلف فلا بأس به مع التزام ضوابط الشرع
في ذلك".
وخلص إلى أن "إظهار الفرح والسرور حتى لو صاحب ذلك بعض مظاهر
الزينة أمر مباح في أصله، لا نص على تحريمه إذا كان ضمن الضوابط الشرعية، كعدم
اعتقاده من الدين، أو أنه عبادة ومما يؤجر عليه، لأن إثبات الثواب على الفعل يحتاج
إلى دليل، وأن لا تخالف هذه المظاهر نصا شرعيا، كالإسراف والمحرمات، وأن لا ينبني
عليها تقصير في حق الفقراء والمساكين، وعدم إظهار هذه المظاهر في داخل المساجد لأنها قد تشغل المصلين عن صلاتهم".
من جهته قال مدير الإعلام والعلاقات العامة في دائرة الإفتاء
الأردنية، الدكتور حسان أبو عرقوب: "يجوز تعليق الزينة والأنوار والأهلة
والفوانيس وغيرها فرحا وسرورا بقدوم شهر رمضان المبارك، وكذلك تجوز تهنئة الناس
بعضهم بعضا، واستعمال عبارة (رمضان كريم)؛ لعدم ورود نص شرعي يحرم ذلك، إذ يدخل
ذلك كله في دائرة المباحات".
حسان أبو عرقوب، مدير الإعلام والعلاقات العامة بدائرة الإفتاء الأردنية
وأردف: "وعلى المسلم إظهار فرحته بالمناسبات الدينية، وعند قدوم
مواسم الخير والبركة كشهر رمضان المبارك، لأنه يدل على انتمائه لهذا الدين الحنيف وفرحه بطاعة الله والقرب من مولاه؛ قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ
وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، وليس
للزينة حد، لكن التوسط مطلوب، والإسراف في كل الأمور مذموم؛ لأن الله سبحانه لا
يحب المسرفين، وكلٌّ على حسب وسعه وطاقته وقدرته يفرح ويعبر ويزيّن".
وردا على سؤال
"عربي21" بشأن تخوف بعضهم من مشابهة غير
المسلمين بفرحهم بأعيادهم، وصف أبو عرقوب ذلك بقوله: "ليس هذا إلا وسوسة لا
مبرر لها، فأصحاب الأديان على اختلافهم لهم أعيادهم التي يفرحون بها، فهل يعني هذا
أن نخالفهم ونحزن في أعيادنا ولا نظهر فيها الفرح والسرور؟" متسائلا: "إذن
فلماذا يكون عيدا وما معنى العيد"؟
وختم كلامه بالتأكيد على أن "طرق الفرح ليست عبادة، الفرح هو
العبادة أما الطريقة فمتروكة لكل أهل زمان ومكان بشرط ألا تتضمن مخالفة شرعية،
فالأمر سهل، ولا يحتاج إلى تعقيد، كما يجوز إطلاق صفة الكرم على رمضان لما فيه من
تفضّل الله تعالى على عباده في هذا الشهر العظيم من الخير والبركة ومضاعفة الأجر،
ونسبة الشيء إلى سببه جائزة".