تعيد
الاحتجاجات الحاشدة في
إسرائيل، رفضا
للحكومة
اليمينية المتطرفة، بقيادة بنيامين
نتنياهو، والخطط التي أعلنت عنها، تجاه
القوانين والمجتمع الإسرائيلي، التذكير بتاريخ حركة الاحتجاجات لدى دولة الاحتلال،
منذ إقامتها عام 1948، وحتى الآن، وما يميز الاحتجاجات الأخيرة التي انطلقت ضد
اليمينيين.
وترصد "عربي21"، تاريخ الاحتجاجات
الكبرى في دولة الاحتلال، والأسباب التي تقف وراءها وكيف انتهت الكثير منها،
والتوقعات بشأن الموجة الحالية من الاحتجاج، والتي ترى الكثير من التقارير أنها
تعتبر "إنذارا شعبيا مبكرا" واحتمالية انجرارها إلى العنف بشكل أو بآخر.
وكانت صحيفة نيويورك
تايمز: "قالت إن خروج قرابة 80 ألف من الإسرائيليين إلى الشوارع، يعكس مثالا
واضحا على اتساع الانقسام السياسي والاستقطاب في البلاد ضد خطط متطرفة تحد من سلطة
المحاكم والقانون، حيث ينظر النقاد إلى مقترحات الحكومة اليمينية للإصلاح القضائي
الشامل على أنها مناهضة للديمقراطية وتصب في صالح المعارضة".
وفي ما يلي استعراض
لتاريخ أكبر الاحتجاجات التي شهدتها دولة الاحتلال:
احتجاجات الخمسينات:
خلال الفترة التي تلت إقامة دولة الاحتلال، إلى نكسة حزيران/يونيو، ثارت
العديد من الاحتجاجات الكبيرة، والتي تحولت إلى أعمال شغب، ووقع فيها عنف على
خلفية أوضاع اقتصادية سيئة لبعض الفئات، فضلا عن خلافات بين فصائل دينية متشددة
تتعلق بتشكيل دولة الاحتلال.
"خبز وعمل"
يرتبط هذا الاحتجاج بالأوضاع الاقتصادية الصعبة،
التي عاشها المهاجرون الجدد لدولة الاحتلال، والذين سكنوا في مناطق بائسة، وكانوا
يعانون من مشاكل في الصرف الصحي والأمراض، ونقص فرص العمل.
وخرج الآلاف في
مظاهرات كان شعارها الأبرز، "خبز وعمل"، وفاقمها موجة شتاء قارص أودت
بحياة 4 مهاجرين في أحد المخيمات للمهاجرين.
اظهار أخبار متعلقة
كما اندلعت أعمال عنف،
بين فصائل أرثوذكسية يهودية متشددة في تلك الفترة، على خلفية النظام السياسي في
إسرائيل، ومطالبتهم بأن يكون دينيا، وليس علمانيا.
وقامت هذه الفصائل
بأعمال عنف، وصراعات بينها، في مناسبات عديدة، لكن كافة الاحتجاجات في حقبة
الخمسينيات، من دولة الاحتلال، خمدت بعد مدة على اندلاعها، لاختلاف التوجهات
وأسباب الاحتجاج.
"العنف
في وادي الصليب"
تعد أحداث العنف في
منطقة وادي الصليب، في مدينة حيفا المحتلة، عام 1959، واحدة من الاحتجاجات الكبيرة
التي شهدتها دولة الاحتلال، بعد قيام الشرطة الإسرائيلية، بقتل يهودي مغربي، ما
دفع المئات من سكان الحي، لمحاصرة الشرطة واحتجاز أحد أفرادها، قبل إطلاق سراحه
لاحقا.
وطالت أعمال العنف في
احتجاجات وادي الصليب، منازل السكان الأشكناز الغربيين، وجرى تحطيم للنوافذ وإحراق
للمحلات والسيارات، ووقعت عشرات الإصابات، لكن الاحتجاجات اتسعت لاحقا من جانب
اليهود المغاربة، لتصل إلى طبريا وبئر السبع.
"اتفاقية الدفع"
تعد واحدة من أعنف الاحتجاجات التي شهدتها
إسرائيل، وتتعلق باتفاقية التعويضات مع ألمانيا، عام 1952، والتي ناقشها الكنيست،
ورفضها الإسرائيليون.
واندفع خلال الاحتجاجات، المئات تجاه الكنيست،
ورشقوا المبنى بالحجارة وحطموا النوافذ ودارت مواجهات وعنف مع عناصر الشرطة
الإسرائيلية، وصلت إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع على قاعة الكنيست، وأدت إلى عزل
مناحيم بيغن من الكنيست باعتباره أحد المحرضين عليها بعد 3 أشهر على وقوعها.
"احتجاجات جنود
الاحتياط"
تعود إلى الاحتجاجات
الكبيرة، لجنود احتياط جيش الاحتلال، بعد حرب 1973، التي بدأت مع قائد ما كان يعرف
بـ"حصن بودابست" موتي أشكنازي على خط بارليف بسيناء، والذي دعا لإقالة
وزير حرب الاحتلال موشيه دياه، عبر وقفة أمام وزارة الحرب.
وتوسع احتجاج أشكنازي،
بعد استدعائه مع عدد من الجنود، إلى الاحتياط مرة أخرى، بعد تسريحهم، كخطوة عقابية
على احتجاجه، ليشارك الآلاف معه، ويتظاهروا أمام الوزارة، كلهم من عناصر الجيش،
للمطالبة بإسقاط الحكومة.
وباتت حركة أشكنازي
الاحتجاجية كبيرة، وقبل أن تخرج عن السيطرة، استقال موشيه ديان، ولحقته غولدار
مائير وأطيح بالحكومة الإسرائيلية.
"تمرد غوش أمونيم"
يعود هذا الاحتجاج إلى حركة دعت إلى توطين
اليهود في الضفة الغربية، وقطاع غزة، وكان المحرك لها الحاخام يهودا كوك،
والمشاركون فيها من التيار الديني.
وكان الاحتجاج يقوم على فكرة، أن استيطان
اليهود في كافة الأراضي الفلسطينية، من شأنه التبشير بقدوم المسيح وفداء شعب
إسرائيل، ولم تقتصر الاحتجاجات على التيار الديني، بل شارك فيها قادة علمانيون
إسرائيليون من اليمين السياسي ومن المعسكر اليساري.
اظهار أخبار متعلقة
وانطلقت الاحتجاجات على اتفاقيات الفصل في
مرتفعات الجولان السوري المحتل، والمطالبة بالاستيطان فيه، وخاصة القنطيرة، ثم
اتسعت لتطالب بالاستيطان في الضفة، ونجحت لاحقا في إنشاء أول مستوطنة في أراضي
الضفة عام 1975، وعلى إثرها نما مشروع الاستيطان بالضفة بصورة كبيرة.
"الفهود السود"
تعود التسمية إلى
الحركة التي أنشأتها مجموعات لها سوابق إجرامية، في الفترة التي سبقت حرب 1973، في
مدينة القدس المحتلة، وكان الهدف تسليط الضوء على الفقر والتمييز الذي يضرب فئة
اليهود القادمين من الدول العربية، والشرقيين عموما، بمواجهة الأشكناز القادمين من
شرق ووسط أوروبا.
وكانت "الفهود
السود" تنفذ احتجاجات تطالب بالمساواة الاجتماعية، ودارت أعمالهم بسرية بعيدا
عن أعين حكومة الاحتلال، وأصدروا بيانات عنيفة ضد الشرطة والنخبة الأشكنازية من
اليهود، ووقعت أحداث عنف في العديد من الاحتجاجات، دفعت أبرز من قاموا بتشكيلها
إلى التخلي عنها، والطلب من أجهزة أمن الاحتلال ملاحقة عناصرها، قبل أن تتلاشى في
بداية السبعينيات.
احتجاجات "السلام
الآن"
تصنف احتجاجات
"السلام الآن"، على أنها الأضخم في تاريخ دولة الاحتلال، والتي قامت عقب
مجزرة صبرا وشاتيلا التي نفذتها القوات الإسرائيلية المحتلة للبنان، بالتعاون مع حزب
الكتائب اللبناني وجيش جنوب لبنان، عام 1982.
قامت حركة السلام الآن
بحشد أكثر من 400 متظاهر، للمطالبة بفتح تحقيق، في دور جيش الاحتلال في المجزرة
المروعة للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
1982، حشدت الحركة
مظاهرة شارك بها ما يفوق الـ 400 ألف شخص احتجاجًا على مجزرة صبرا وشاتيلا،
وطالبوا بفتح تحقيق.
وعلى الرغم من عدم
تحقيق هذه الاحتجاجات، إنجازات كبيرة مثل تمرد "جوش أمونيم"، إلا أنها
تسببت في زلزال سياسي بإسرائيل، وتخبطات بين التيارات بصورة كبيرة، ودفعت مناحيم بيغن
إلى اعتزال الحياة السياسية حتى وفاته عام 1992، وإقالة أرييل شارون من منصب وزير
الدفاع.
"النزول من
الجولان"
تعود إلى الاحتجاجات
التي ثارت على رئيس حكومة الاحتلال الراحل اسحق رابين، على خلفية استعداده للانسحاب
من الجولان، مقابل تسوية كاملة وشاملة مع النظام السوري.
وتسبب سعي رابين
للاقتراب من الجولان، إلى تحول جزء كبير من ناخبيه، للاحتجاج ضده، وبالتالي دفع
هذه الفكرة بعيدا، وإبقاء الوضع على ما هو عليه، بشأن الوضع مع النظام السوري،
وخسارة قاعدته الانتخابية.
"الاحتجاج
البرتقالي"
تعود إلى الحركة
الاحتجاجية التي انطلقت عام 2005، ضد خطة رئيس حكومة الاحتلال أرئيل شارون، لفك
الارتباط والانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة.
ودارت خلال موجة
الاحتجاجات، فترة الانسحاب، مواجهات عنيفة بين قوات الاحتلال، وبين المستوطنين،
الذين أجبروا على إخلاء المستوطنات الواقعة داخل قطاع غزة بالقوة.
وشهدت العديد من المدن التي يقطنها
الإسرائيليون، أحداث عنف للضغط على شارون من أجل التراجع عن خطة إخلاء مستوطنات
غزة والانسحاب من القطاع.
ما وراء استمرار الاحتجاجات؟
الخبير في الشأن الإسرائيلي إليف الصباغ، توقع
استمرار الاحتجاجات الأخيرة التي تشهدها دولة الاحتلال، وربما تصاعدها، بسبب
التيار الذي يدعمها ويقف خلفها.
وأوضح الصباغ لـ"
عربي21" أن الاحتجاجات
الحالية، مدعومة من الصندوق الجديد لإسرائيل، داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي،
وقادته من اليهود الليبراليين، الذين يعتبرون أنفسهم لا دينيين، لكنهم مع فكرة
وجود دولة الاحتلال وبقائها بنظام ليبرالي بعيدا عن الشكل الديني.
وأشار إلى أن هذا الصندوق يدعم يائير لابيد
وحزب ميرتيس وغيرهم من اليسار، في المقابل هناك دعم من الحزب الجمهوري الأمريكي،
لتيار المستوطنين ومعسكر نتنياهو واليمين برمته، وما نراه اليوم، صراع بين تيارين
في الحركة الصهيونية.
وقال الصباغ: "توقعاتي هو أن تستمر
التظاهرات، خاصة وأن دعم الصندوق القادم من أمريكا مستمر، ولو كانت ظروف الطقس
أفضل، لنزل إلى الشارع، أكثر من 180 ألف متظاهر وليس 80 ألفا فقط".
وتابع: "السؤال الآن إلى متى سيتحمل الفاشيون
الليبراليين في الاحتجاجات؟" وأجاب: "التيار الفاشي يحاول بكل ما أوتي
من قوة الآن تمرير ما يمكن تمريره من قوانين جاء لإقرارها، لكنه بالتأكيد لن يقرها
كلها لأن هناك صراعا قويا، وتدخلات من الخارج، لن تسمح بتمرير كل شيء".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف: "لكن ما يجري اليوم تأسيس لمرحلة
مقبلة، تكون الفاشية قادرة فيها على الحكم بدون موانع". مشددا على أن خسارة
الفاشيين اليوم للسلطة، ستكون آثارها مدمرة على المجتمع الإسرائيلي أكثر من
بقائهم، لأن خسارة هؤلاء السلطة، يعني نزولهم إلى الشارع، من أجل القتال والمحاربة
وهنا الخطورة الأكبر في الأمر، وهؤلاء أصحاب نفس طويل في القتال والبقاء
بالشارع".
لكنه في المقابل قال، إن الحكومة الحالية
ستسقط في حال، قطعت الاستثمارات الأجنبية عن إسرائيل، وخاصة القادمة من دول
الخليج، ونحن نتحدث عن مليارات وأعمال هائلة تقدم للاحتلال، يجب أن تتوقف.
وتابع: "نتنياهو إذا شعر بفقدان كل هذه
الأموال، وبدأت المختبرات العملية تغلق، ويهاجر العلماء إلى أوروبا، فهذا ما
سيشعره بالخوف، ويسقط حكومته، فضلا عن الملفات الجنائية التي لم يتمكن من إغلاقها
للحظة"، مشددا "لو حصل ذلك سنرى في الشارع نصف مليون إسرائيلي، لأن
الوضع عندها سيكون تجاوز الخطوط الحمر".