أفكَار

جاب الله: غياب فقه آداب الاختلاف ساهم في تشتت التيار الإسلامي وإضعافه

جاب الله: بتشتت التيار الإسلامي وضعفه تشتتت الأمة وضعفت في الوقت الذي هي في أمس الحاجة إلى الوحدة والاجتماع
جاب الله: بتشتت التيار الإسلامي وضعفه تشتتت الأمة وضعفت في الوقت الذي هي في أمس الحاجة إلى الوحدة والاجتماع
يسلط الداعية والسياسي الجزائري عبد الله جاب الله، في رصده لعمل الإسلاميين في العالم العربي، الذي كتبه للنشر المتزامن بين "عربي21" وصفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الضوء على مكامن الخلل الذاتية لدى الحركة الإسلامية، مما أعاقها عن القيام بمهمتها في الإصلاح.. ويشرحها في عدة نقاط كما يلي:

التعصب للفهم الجزئي للدعوة:

من المعوقات في عمل أبناء المشروع الإسلامي، فهم بعض العاملين الدعوة فهما جزئيّا، ثم قصروا جهدهم عليه وتعصبوا له، ورفضوا غيره من الأركان، ثم بنوا العلاقات مع غيرهم بناء على ذلك الفهم، فمن وافقهم والوه وأيّدوه وتواصلوا معه، ومن خالفهم تركوه وربما قاطعوه وحاربوه بحملات التشويه والتحذير، فأثّر ذلك في قوة الدعوة، ووَضَعَ سدودا بينهم وبين المخالفين لهم، وكانت النتيجة هي ضعف أمر الدعوة وهوانها وأصحابها على الأمّة، وما استفاد من ذلك إلّا خصوم الدعوة، وأعداء ما تبشر به الأمة من مشروع الإصلاح والبناء.

ولا علاج لمثل هذا الداء إلّا بالفهم الصحيح الشامل للدعوة. وإذا أراد بعض الأفراد أو الجماعات التخصص في العمل بركن من أركانها أو جانب من جوانبها، فلا مانع من ذلك، ولكن بشرط أن يعرفوا أن ذلك التخصص هو مجرد عمل بركن من أركان الدعوة، وأن ينظروا إلى العاملين بالأركان الأخرى أو ببعضها على أنّهم دعاة إلى الله، لهم عليهم حقوق الولاء والنصرة والتعاون على خدمة الدين والأمّة .

الخطأ في فهم التعددية داخل الحركة الإسلامية:

من الأسباب أيضا، الفهم الخاطئ للتعددية داخل الحركة الإسلامية، والنظر إلى الاختلاف القائم بين فصائلها بسوء، وكأن الإسلام حرّم الاختلاف بالمطلق دون النظر إلى طبيعته ولا إلى أسبابه، ثم وقع بناء المواقف منها على أساس هذا النظر الخاطئ، فكانت النتيجة أن فسدت الأخوة بينهم وقوي التنازع بين قادتهم وأتباعهم، وفتح باب إصدار الأحكام القاسية بعضهم في حق بعض، وتمكن التحزب المذموم من قلوب أكثرهم، فعمّت القطيعة بينهم.

 ولا مخرج من هذا الواقع السيئ إلّا بالعلم بفقه الاختلاف، والقناعة بأنّ الاختلاف الحاصل إنّما هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد على الأقل من جهتنا، وأنّ الممنوع شرعا هو اختلاف التضاد الذي يجعل الانتماء الحزبي أو التنظيمي أساس الموالاة والتوادّ والتراحم والتعاون، ويترك ما جعله الله تعالى أساسا لذلك، وما أوجبه من حقوق ومنعه من تصرفات.

عدم العناية بتدبير المال:

من المعوقات الداخلية، الإهمال الكبير للجانب المالي وعدم الاشتغال بموارده من استثمار وتجارة، إما بسبب رفض أنظمة الحكم لذلك، أو متابعتها لمن يشتغل بذلك من الإسلاميين بالتضييق وتسليط مصالح الضرائب عليهم، وإما بسبب ما ساد هذا المجال من فساد زهّد الملتزمين بدينهم فيه، لذا صارت حركات وأحزاب التيار الإسلامي عالة على التبرعات، وهي قليلة لا تلبي ربع عشر معشار ما يريد التيار القيام به من أعمال، فقوي عجزه عن تنفيذ الكثير من مشاريعه والقيام بالكثير من أعماله، فلم يستطع بسبب ذلك تلبية حاجيات مشروعه وحاجيات جمهوره وأمّته، فزاد ضعفه وقلّ تأثيره.

لا سبيل أمام الأمة للنجاة من الأزمات الداخلية والمؤامرات الخارجية، إلّا باتّحاد قواها من العلماء والفقهاء والمفكرين وقادة الأحزاب والتنظيمات ورؤساء العشائر والأعراش؛ لأن منهم يتكون أهل الحلِّ والعَقدِ في الأمة.
ومن كان غنيّا من أبناء التيار الإسلامي، سكنه الخوف من النظام في التعاون مع العلماء والدعاة والزعماء الذين يحملون همّ الدعوة والإصلاح، فحجب دعمه للتيار وتوجه للإنفاق على بناء المساجد، رغم أنه يعلم احتكار السلطة لشأن المساجد إدارة وتوجيها ومراقبة، وغلقها أمام العلماء والدعاة غير الموالين لها.

ولا علاج لهذه الظاهرة إلا بوعي الأغنياء بمسؤولياتهم نحو الدعوة، وتعاونهم مع القائمين عليها من العلماء والدعاة والزعماء، ثم بتفرغ إطارات من التيّار للاستثمار الاقتصادي وتدبير سبل تحصيل المال وتنميته، ورسوخ القناعة لدى أتباع التيار بأن الإنفاق في سبيل الله، ولو بالقليل الذي يملكون، من أعظم القربات التي يتقرب بها المؤمن عند الله تعالى، ومن أعظم الأعمال التي يقدمها لتياره، فالقليل لما يجتمع يصبح كثيرا ويقوى على خدمة أهداف الإصلاح والتغيير.

تعدد القيادات في الأمة:

كذلك من الأسباب، ظاهرة التعددية القيادية في الأمة، فهناك من يوالي أهل العلم والفقه، وهناك من يوالي أهل الفكر والسياسة وزعماء الأحزاب والتنظيمات الحركية، وهناك من يوالي زعماء العشائر والأعراش.. إلخ.

ومثل هذا التعدد في الولاءات مع غياب الفقه بآداب الاختلاف، ساهم في تشتت التيار الإسلامي وإضعافه، وبتشتت التيار الإسلامي وضعفه تشتتت الأمة وضعفت، في الوقت الذي هي في أمس الحاجة إلى الوحدة والاجتماع لتقوى على مواجهة ما يتهددها من مؤامرات الخارج وأزمات الداخل المحكوم بنخب علمانية، عاملة على رعاية مصالح الخارج في الداخل، ومتفننة في نهب الثروة ونشر كل صور الفساد في مؤسسات الدولة وقطاعات المجتمع.

ولا سبيل أمام الأمة للنجاة من الأزمات الداخلية والمؤامرات الخارجية إلّا باتّحاد قواها من العلماء والفقهاء والمفكرين وقادة الأحزاب والتنظيمات ورؤساء العشائر والأعراش؛ لأن منهم يتكون أهل الحلِّ والعَقدِ في الأمة، وأهل الحل والعقد هم القيادة الطبيعية لها، فإذا وجدت واتحدت وقامت بواجباتها نحو الدين والأمة، اتحدت الأمة باتحادهم وقدمت لهم ما يحتاجون إليه لخدمة دينها، ورفع الظلم الواقع على حقوقها، وتوفير عوامل النجاح والنصر.

فوضى المعاني والمصطلحات:

من الأسباب كذلك، فوضى المعاني والمصطلحات الدعوية لدى كثير من الدعاة، الذين لا يفرقون مثلا بين مناهج الدعوة وأساليبها ووسائلها،  فبعضهم يخلط بين مبادئ الدعوة وأساليبها، وبعضهم يفرق بين السياسة والدعوة! فأحدث ذلك إرباكا كبيرا لدى الأتباع وأفقد المصطلحات قيمتها، وقاد إلى ضعف النظر في التخطيط والتدبير، وأوقع كثيرا من الدعاة، وبالأخص الأتباع، في جدل عقيم وملاسنات كانوا في غنًى عنها، ودفع البعض إلى الانزواء بحجة أنّهم لا يملكون وضوحا في الرؤية للمنهج!

 ولا ندري كم من وقت قضيناه في محاولة توضيح دلالات ومعاني هذه المصطلحات لو أُنفق في نشر الدعوة والتربية عليها، والحثّ على الالتزام بالإسلام وتوفير عوامل نجاحه، لعاد بالخير الكثير على الدعوة وأنصارها ومحبيها.

خطأ الاعتقاد بأنّ الدعوة مسؤولية الخواص:

من الأسباب والمعوقات الداخلية، شيوع الاعتقاد بأنّ الدعوة إلى الله تعالى مسؤولية فئة الأئمة والعلماء وحدهم! وأنّ غيرهم من الأساتذة والأطباء ورجال الأعمال والتجار والحرفيين وغيرهم، لا دخل لهم في الدعوة ولا مسؤولية عليهم نحوها!

وقد تمكن هذا الفهم من معظم المسلمين اليوم، فحجب عن الدعوة معظم الطاقات البشرية والإمكانات المادية، مما جعلها دائما ضعيفة في الأسباب المادية وفي الأسباب المعنوية. ولا صحة لهذا الفهم لأنه متعارض مع صريح القرآن والسنة.

هذه جملة العوامل التي أفسدت الحياة الدعوية والسياسية، وقادت إلى هذا الوضع المتأزم للتيّار الإسلامي، وعادت به القهقرى إلى أسوأ ما كان عليه حاله في بداية عقد السبعينيات، ففي ذلك العهد كان التيار يعاني الغربة العددية، أما اليوم، فهو يعاني غربة الفهم والسلوك، وهي في نظري أشد وأعقد، ونتائجها أسوأ وأخطر.
التعليقات (0)