قضايا وآراء

رهانات نتنياهو على الرياض بين الواقع والخيال

حازم عيّاد
وزير الخارجية السعودي: التطبيع الحقيقي والاستقرار الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال إعطاء الأمل للفلسطينيين  (الأناضول)
وزير الخارجية السعودي: التطبيع الحقيقي والاستقرار الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال إعطاء الأمل للفلسطينيين (الأناضول)
"إذا توصلنا إلى سلام مع السعودية، وهذا يعتمد على القيادة السعودية، وجلبنا الصراع العربي-الإسرائيلي إلى نهايته، فأعتقد أننا سنعود إلى الفلسطينيين ونحقق سلاما عمليا مع الفلسطينيين".

هذا ما قاله رئيس وزراء الحكومة الفاشية بنيامين نتنياهو في مقابلته المتلفزة على قناة شبكة الأخبار الأمريكية (CNN)  ليلة أول أمس الثلاثاء؛ مضيفا القول "إن السلام مع السعودية يعتمد على قيادتها، وسيمهد الطريق للسلام مع الفلسطينيين"، معتبرا أن "هذا هو الطريق الصحيح".

أما عن مفهومة للسلام مع الفلسطينيين فقد أوضحه في معرض رفضه  لموقف إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بأن توسيع المستوطنات يعيق آفاق السلام، بالقول: "أختلف تماما" مع الموقف الأمريكي مستشهدا باتفاقات إبراهام التطبيعية الموقعة مع الدول العربية البحرين والإمارات والمغرب والسودان.

نتنياهو يراهن على اختراق دبلوماسي وسياسي وأمني عميق باتجاه العربية السعودية لدعم سياساته وبرنامج حكومته اليمينة المتطرفة في الأراضي المحتلة؛ فالسعودية تقع في صلب رؤية نتنياهو لترتيب الأوضاع الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية في القدس وفيما يمكن أن يتبقى من الضفة الغربية بما يضمن الهيمنة على الإقليم بأكمله.

 وفي تقديمه للمبررات والبراهين على فاعلية سياساته ونجاعتها تحدث نتنياهو عن الإتفاقات الإبراهيمية التطبيعية التي تجاوزت القيود والمحاذير العربية وعن الخطر الإيراني الذي يتهدد المنطقة بحسب زعمه؛ معززا ذلك باستقبال الرئيس التشادي إدريس دبي لافتتاح سفارة بلاده في الكيان الإسرائيلي المحتل بعد ساعات من مغادرة وزير الخارجية بلينكن للأرضي المحتلة.

في مقابل الحراك والخطاب السياسي لزعيم الحكومة الفاشية في الكيان المحتل نتنياهو؛ شددت السعودية على ضرورة إحياء عملية السلام، ودعوة المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته لإنهاء الاحتلال ووقف الاعتداءات الإسرائيلية وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين؛ خلال جلسة مجلس الوزراء السعودي،  التي عقدت برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز في قصر عرقة بالعاصمة الرياض مساء أول أمس الثلاثاء.

تصريحات سعودية سبقتها تصريحات لافتة للأمير فيصل بن فرحان في مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ" في دافوس بسويسرا يناير / كانون الثاني الماضي قال فيها: "قلنا باستمرار إننا نعتقد أن التطبيع مع إسرائيل هو شيء يصب في مصلحة المنطقة إلى حد كبير.. ومع ذلك، فإن التطبيع الحقيقي والاستقرار الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال إعطاء الأمل للفلسطينيين، من خلال منح الفلسطينيين الكرامة"؛ ومضيفا  "هذا يتطلب منح الفلسطينيين دولة، وهذه هي الأولوية".

رهانات نتنياهو لفرض مسار سياسي إقليمي يعزز مخططاته للسيطرة على كامل الأراضي المحتلة ونقل مسؤولية السكان في الإدارة والتمويل للدول العربية؛ تواجهها عوائق وتحديات ذاتية وموضوعية واقعية تتفوق على خيال نتنياهو؛
في ضوء الاشتباك الإعلامي والسياسي غير المباشر بين الرياض ونتنياهو تتحرك الإدارة الأمريكية بنشاط لخفض التصعيد وتحريك مسار المفاوضات مع السلطة الفلسطينية على أمل أن يوفر ذلك الغطاء لموجة تطبيع واختراق عميق على الجبهة السعودية؛ التي عمدت إدارة بايدن إلى إنعاش العلاقة معها بعيد التوتر الذي أشعله الاتفاق الأخير بين الرياض وموسكو حول خفض إنتاج النفط  ضمن مجموعة (أوبك بلس) والتقارب مع الصين في القمم العربية الصينية الثلاث  في كانون أول (ديسمبر) من العام الماضي 2022؛ الأمر الذي أكد بلينكن تجاوزه خلال لقائه المتلفز على فضائية "العربية" يوم الأحد الموافق 29 كانون الثاني (يناير) الماضي بالإشارة إلى موقف السعودية من الحرب الأوكرانية وما أسماه العدوان الروسي الغاشم.

 المسار الأمريكي لتفعيل الإتفاقات التطبيعية تركز على خفض التصعيد من جانب واحد؛ بالضغط على الطرف الفلسطيني؛ والعمل على إطلاق مسار تفاوضي بين السلطة في رام الله والكيان المحتل لإعطاء دفعة لمسار التطبيع بين الرياض والكيان المحتل ما يفسر عقد عدد من اللقاءات بين قيادات السلطة ومسؤولين أمريكيين في رام الله؛ تبعها الإبقاء على نائبة وزيرا الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف والممثل الخاص للشؤن الفلسطنية هادي عمرو في الأراضي المحتلة لمتابعة الجهود لإطلاق مسار تفاوضي يخدم المسار التطبيعي بحجة تحقيق الأمل للفلسطينين.

فمخططات حكومته الفاشية بالشراكة مع بن غفير وزير الأمن القومي وسموتريتش وزير المالية ومسؤول الإدارة المدنية في الضفة الغربية؛ تفضي موضوعيا إلى تصعيد يفكك السلطة في رام الله؛ ويطلق شرارة انتفاضة شاملة أو مواجهة مسلحة بفعل التوتر في السجون أو القدس؛ فهل تتمكن الإدارة الأمريكية من التعامل مع تداعياتها وهل تقبل الرياض تحمل كلفها؟

ختاما.. رهانات نتنياهو لفرض مسار سياسي إقليمي يعزز مخططاته للسيطرة على كامل الأراضي المحتلة ونقل مسؤولية السكان في الإدارة والتمويل للدول العربية؛ تواجهها عوائق وتحديات ذاتية وموضوعية واقعية تتفوق على خيال نتنياهو؛ إذ ستلقي على كاهل القوى الإقليمية بما فيها الرياض والدول المطبعة التعامل مع آثار التصعيد الإسرائيلي ونتائجه المدمرة على الشعب الفلسطيني أمنيا وسياسيا واقتصاديا؛ كلف باهظة يصعب حسابها أو تصور تفاعلاتها مستقبلا.

hazem ayyad
@hma36
التعليقات (0)