يواصل
الأسرى في
سجون الاحتلال الإسرائيلي نضالهم المستمر لنيل حريتهم المسلوبة، وفي خضم هذه المعركة التي تبدأ منذ اليوم الأول للأسير، يختار بعضهم سلاح الجوع من أجل مقاومة السجان، ويدخل في إضراب مفتوح عن الطعام، وحينها يتقلب الأسير المضرب في جملة من الألم الكبير والمتنوع الذي لا يمكن وصفه.
"
عربي21" ومع إشهار الأسرى لسلاح
الإضراب عن الطعام لكسر إجراءات الاحتلال التي تسعى من خلالها لجعل حياتهم أكثر صعوبة، تسلط الضوء على التفاصيل المرعبة، وأيضا المؤثرة التي يمر بها الأسير المضرب طوال فترة إضرابه وحتى إعلان انتصاره على حكومة الاحتلال ومن يملثها داخل السجون التي تفتقد لأدنى المقومات الإنسانية.
الأيام الأولى للإضراب
وعن تفاصيل حياة الأسير المضرب عن الطعام منذ بداية إضرابه حتى إعلان انتصاره على سلطات الاحتلال، أوضح الأسير المحرر ماهر الأخرس (51 عاما)، أنه أضرب عن الطعام في المرة الثانية مدة 104 أيام عام 2022، رفضا لسياسة الاعتقال المتكرر بحقه، حيث قرر الدخول في الإضراب منذ لحظة اعتقاله في المرة الثانية من البيت، منوها إلى أنه أبلغ عائلته بذلك تحت شعار "حرية أو شهادة".
وأضاف في حديثه لـ"
عربي21": "في هذا الإضراب، كنت أمثل شعبنا والأسرى داخل السجون، ولا يمكن لي أن أنكسر، وكان هذا حملا صعبا جدا"، منوها إلى أن "الإضراب القوي، هو الامتناع عن كل شيء ما عدا الماء، وهذا سر نجاح الإضراب، وعلى الأسير المضرب أن يتأكد من الماء، وأن يقوم بتعبئته بنفسه، كي يتأكد أن سلطات الاحتلال لم تقم بتذويب بعض المكملات أو المدعمات الغذائية بداخله".
وأفاد الأخرس، بأن "الإضراب عن الطعام في أول أيامه صعب جدا جدا، وكنت في مركز توقيف حوارة، معزولا في زنزانة لوحدي، ومنعوا عني كل شيء حتى الماء من أول ساعة، على أمل بالنسبة لهم أن يكسروني، ولكني ثبت حتى تم نقلي إلى سجن "عوفر"، وأيضا وضعت في العزل، وقامت إدارة السجن باستخدام طرق خبيثة لكسر إضرابي، إضافة لمحاولات التأثير المعنوي، وأحيانا إحضار كلاب مسعورة تقترب مني كثيرا".
اقرأ أيضا: لحظات مؤثرة.. ابنة الأسير الأخرس تطعمه بعد إضراب 104 أيام
ونوه إلى أن "إدارة السجون تسلك كل الطرق لكسر إضراب الأسير منها إضافة لما سبق؛ إحضار أشخاص من جمعية الصليب الأحمر، أطباء إسرائيليين وأيضا مشايخ، من أجل إقناعي بأخذ بعض المدعمات الغذائية"، مضيفا: "الاحتلال يحاول بكل السبل أن يريح نفسه ويتعب الأسير المضرب من إضرابه، حيث تتأكد إدارة السجون أن هذا الإضراب بعد أخذ المضرب للمدعمات لن يؤثر على حياته".
وذكر المحرر، أنه خلال فترة الإضراب كان يأخذ "الماء الطبيعي بكثافة، وفي الشهر الأول للإضراب؛ هذه أصعب أيام، صعبة للغاية، الآلام لا يمكن تخيلها في كل الجسم وخاصة في المعدة وتقيؤ دم لأنه لا يوجد طعام، مع خروج مواد صفراء في البداية ومن ثم تتحول لخضراء، وعندها تشعر بشعلة نار في جسدك عند كل تقيؤ، إضافة لوجع شديد في الرأس وإحساس بخروج العينين من مكانهما"، منوها إلى أن دخوله إلى الحمام بعد مضي 20 يوما من الإضراب كان فقط لإخراج الماء".
هذا ما يؤلم الاحتلال ويقلقه
واعتبر أن "نجاح الإضراب، يتطلب الثبات والإصرار على عدم أخذ مدعمات غذائية أو أي فيتامينات، وتبين لنا أن الامتناع عن كل شيء ما عدا الماء الطبيعي، هو ما يؤلم الاحتلال".
ولفت إلى أن "هذه الآلام تبدأ تخف بعد مرور 50 يوما على الإضراب، حيث يبدأ الجسم بالتكيف مع الوضع الجديد، وبعد ذلك تأتي نوبات دوخة وعدم الرؤية والسماع بشكل جيد، وهذه الحالات تأتي على شكل موجات تزداد كلما زادت أيام الإضراب، تخف الآلام في المعدة والرغبة في الطعام، وتسود حالة من الخوف من فقدان الوعي، والتي يمكن وقتها أن يستغلها الاحتلال بالسيطرة على الأسير وحقنه بمكملات غذائية وفيتامينات، بزعم إنقاذ حياة الأسير المضرب".
وبين أنه طيلة فترة إضرابه لم يختلط بأي أسير آخر، لكن إدارة سجن "عوفر" قامت في بداية الإضراب بإحضار أحد الأسرى المضربين، كان وضعه الصحي صعبا للغاية حتى أن جسده أزرق اللون، وكان هدفهم التأثير علي لفك الإضراب، وهذا الموقف كان مؤثرا جدا، حتى أنهم قاموا بعد ذلك بنقله للعيادة".
وذكر الأخرس لـ"عربي21"، أن "سلطات الاحتلال بعد مواصلة الإضراب، قاموا بنقلي إلى عيادة "الرملة"، وهي عبارة عن زنازين مشددة، بقيت بداخلها نحو 30 يوما، وعندما أصبحت لا أستطيع الوقوف أو المشي إلى الحمام، نقلت لمستشفى في تل أبيب".
وبعد 104 أيام من الإضراب المتواصل عن الطعام، استجاب الاحتلال لشروط الأسير الأخرس الذي أعلن انتصاره وفك إضرابه وتحرر.
وإضافة لما أدلى به الأخرس، أوضح الأسير المحرر محمد علان (38 عاما)، الذي خاض الإضراب عن الطعام مرتين، الأول 67 يوما في 2015، والثاني 33 يوما عام 2017، أنه "كان لا بد من اتخاذ قرار حاسم للتخلص من هذه العبودية ومزاجية ضباط أمن الاحتلال، لأن الاعتقال الإداري سيء للغاية، فالأسير لا يعلم ما هي التهمة الموجهة له ولا متى يمكن الإفراج عنه، وهذا يشعر الأسير بالظلم، ويبدأ في البحث عن طريقة مهما كانت مكلفة للتخلص من هذا الظلم، ويجد أن الإضراب عن الطعام هو القرار الأصوب رغم أنه الأصعب".
"الإضراب الفولاذي" الأخطر
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "هناك أنواع من الإضراب؛ هناك إضراب يتخلله مدعمات، إضراب يتناول فيه الملح والماء، وهناك إضراب ليس فيه إلا الماء فقط؛ وهذا الذي اخترته لنفسي، وهو يجعل عمر الإضراب أطول وله خطورة حقيقية على الحياة، وهذا يجعل ضابط المخابرات يخضع بشكل أسرع لهذا "الإضراب الفولاذي" الذي لا يتناول فيه الأسير إلا الماء".
ونوه إلى أن "الأسير الذي يريد أن يحقق ما يريد في أقل عدد أيام، عليه بـ"الإضراب الفولاذي" الخالي من كل شيء إلا الماء، علما بأن الملح والسكر بحسب القانون الدولي لا يبطل الإضراب عن الطعام، لكننا بهذه الخطوة نقلل عدد أيام الإضراب".
اقرأ أيضا: الاحتلال يرضخ للأسير علان ويعرض الإفراج عنه
وتوافق المحرر علان مع الأخرس فيما يحدث مع الأسير المضرب في الأيام الأولى للإضراب، ونوه إلى أنه في الأيام الأولى التي يشعر فيه المضرب بجوع شديد، ترتفع لديه حاسة الشم، وحينها يشتم رائحة الطعام من مسافات بعيدة، وبعد عشرة أيام يبدأ الجسم بالتكيف واستخدام الدهون في الجسم مع وجود ألم شديد، وبعد نحو شهر، يزداد التعب ولكن لا تزال قواه قائمة، حتى أنه يستغرب من نفسه؛ فهو يمارس كل نشاطاته، يستطيع مثلا أن يصلي قائما وأن يتحرك ويمشي، وبعد ذلك عند الدخول تقريبا في اليوم الأربعين، تبدأ المرحلة الأخطر، وهي الأكثر ألما، يتقيأ مادة صفراء أحيانا أكثر من 15 مرة في اليوم، وفي كل مرة يشعر أن روحه قد خرجت".
وذكر أن المضرب بعد نحو 50 إلى 60 يوما، يفقد القدرة على استعمال أعضاء جسده الداخلية والخارجية، في بعض الأحيان يفقد حاسة السمع أو البصر جزئيا، ويرى الأشياء تتحرك وهي ثابتة، ألم شديد في كل الجسد، ولا يستطيع الأسير المضرب أن يحدد ما الذي يؤلمه بالضبط، هذه الفترة يكون فيها الأسير أقرب إلى الشهيد"، منوها أن "الإضراب الفولاذي" يجعل العدو يستنفر أكثر.
وعن أهم إجراءات الاحتلال التي تزيد من ألم الأسير المضرب إضافة لما سبق، قال علان: "لا توجد هناك حدود لما يمكن لإدارة السجون أن تقوم به لمعاقبة الأسير، ولديهم ضوء أخضر من أجل ابتكار كل العقوبات التي يمكن أن تزعج الأسير المضرب".
رضوخ الاحتلال للأسير
ومن بين تلك الإجراءات؛ العزل الانفرادي في الزنازين، وفي بعض الأحيان لا يكون معه فرشة ولا غطاء، وفي الأجواء الحارة لا يتمتع بحقه في الماء البارد ولا شبه البارد، التفتيش كل ساعة أو ساعتين تقريبا، رغم أن الزنزانة خالية من كل شيء، الطلب من الأسير الوقوف ونزع الملابس وغير ذلك.
ولفت علان، إلى أن إدارة السجون في بعض الأحيان تضع الأسير المضرب في زنزانة قرب مولدات كهرباء مزعجة، وينظمون حفلات الشواء قرب نافذة زنزانة الأسير، وطناجر الطعام العربي الساخن تدخل إلى الزنازين، وكل هذا من أجل ممارسة الضغط النفسي على الأسير كي ينهي إضرابه، حتى أنه يتم تقييد الأسير وهو في العزل، ويحرم من حقه في الذهاب إلى الحمام إلا بتصريح من السجان، حتى أن الأسير المضرب يقومون بوضعه في زنازين متروكة متعفنة، تكون محشوة بمختلف أنواع الحشرات الضارة.
اقرأ أيضا: الأسرى يعلنون الانتصار بمعركتهم مع سلطات الاحتلال.. أوقفوا الإضراب
وأكد أن الأسير المضرب عن الطعام، الذي قرر أن يأخذ حقه ويتحرر من قيد السجان، "يتحمل كل هذه المعاناة، في سبيل أن يبقى حرا عزيزا أمام هؤلاء الظلمة والقتلة، وتأبى النفس أن تري عدوك شيئا من الوهن، ولا نرغب بأن يرى عدونا فينا أي نوع من الضعف، بل على العكس، مع كل عقوبة كنا نزداد إصرارا وعنادا على الاستمرار في الإضراب".
وعن اللحظات الأخيرة قبيل رضوخ الاحتلال لمطالب الأسير المضرب وإعلانه الانتصار، بين لـ"
عربي21" أن "العدو إذا لم يشعر أن الأسير اقترب من الشهادة، وحين يدرك العدو أن خلف هذا الأسير شعب ومقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي في حال مس الأسير أي سوء، حينها يرضخ الاحتلال لمطالبنا".
وتابع: "كنا نرى بأم أعيننا الخوف الشديد في عين السجان وأطباء الاحتلال والممرضين، كانوا يرتعدون خوفا أن يكونوا السبب في جر حرب ضد حكومته والجمهور الإسرائيلي، وهنا تبدأ المفاوضات في الساعات الأخيرة من الإضراب، كي يفك الأسير إضرابه، وتبدأ العروض من خلال المحامي أحيانا وفي أحيان أخرى من خلال مخابرات الاحتلال التي تحضر مباشرة إلى المستشفى".
ونوه الأسير المحرر إلى أنه "كلما صبر الأسير المضرب أكثر، حقق إنجازات أكثر، وكان لا يهمنا ذلك، لأننا أمام إحدى الحسنيين؛ النصر أو الشهادة، ورغم كل هذه الضغوط، الأسير لا يخشى شيئا، وهذه هي نقاط قوة الأسير المضرب، فأكثر ما كان يغيظ الاحتلال أننا لم نكن نخشى الشهادة".
وأضاف: "رغم قوة العدو المادية، إلا أن الأسير أقوى منهم، لأننا كنا نستذكر الآية القرآنية "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، كنا نتقين أن النصر حليفنا، نحن بشر، كانت تنتابنا لحظات من الضعف أحيانا، لكن تأتي المثبتات من الله عز وجل على أهون الأسباب".