تكاد الصورة الشاملة للمفاصلة
بين حركة المقاومة الإسلامية (
حماس) وبين الرئيس عباس؛ تختصر الآن تاريخا طويلا في
المفاصلة بين الشعوب العربية من جهة، والنظام العربي الرسمي من جهة أخرى وطوال 70
سنة تقريبا، ويشاء الله العلي الأعلى أن تكون
فلسطين هي نقطة التمركز التاريخي
لهذه المفاصلة، والتي يناضل ويجاهد فيها من يجاهد عن بيّنة، ويغالط فيها من يغالط
عن بيّنة.
فالنظام العربي الرسمي تم
تشييده على أنقاض هزيمة 1948م، ونهض واشتدت قوادمه على فكرة "تحرير فلسطين"،
ثم ما لبث أن دخل منذ الخمسينيات في النظام الدولي الجديد وقتها، نظام "ما
بعد مؤتمر يالطا"، حيث جلس ستالين وروزفلت وتشرشل في شباط/ فبراير 1945م لتقسيم
العالم فيما بينهم، وكان قرار إعلان دولة
إسرائيل على وشك الصدور وكانت كل
الألاعيب قد اكتملت، ولم تبق فقط غير لمسات أخيرة قصيرة، سيتم بعدها تجهيز الشرق
الأوسط لاستقبال "الضيف الغربي الثقيل الغريب".
* * *
اختصار الصراع إلى "إسرائيل/ حماس" كان شيئا جيدا، فحماس بالفعل فكرة، وفكرة ضخمة جدا، وراسخة الجذور في التاريخ العربي والإسلامي المعاصر والحديث.. تاريخ الحركة الإصلاحية الكبرى، من منتصف القرن الـ18، والتي أسس لها عميقا الثلاثي العظيم "الأفغاني وعبده ورضا" ومدرسة "العروة الوثقى" الشهيرة
الحاصل أن النظام العربي
الرسمي في عموم المنطقة العربية كان قد قام بدوره على أكمل ما تكون الأدوار كمالا
في صناعة "أسطورة إسرائيل" وجيشها الذي لا يقهر، سواء في الحروب الكبرى
التي دارت في الخمسينيات والستينيات، أو في عمليات اغتيالات الموساد التي كانت تتم
بطول وعرض العواصم العربية..
ولم تكن هذه الصناعة على
مستوى التمدد والتوسع في المساحة الجغرافية فقط (على حساب 3 دول عربية في 6 أيام)،
ولكن وهو الأهم على مستوى ترسيخ فكرة "إسرائيل وُجِدت لتبقى"..
وهي الجملة التي سمعناها نصا
حرفيا من فم الرئيس عباس في حالة سعادة مباغتة، فاجأته في لقاء مع مسؤولين
إسرائيليين (لقاء مسجل)، لكن الرجل في كل الأحوال لم يكن بعيدا عن أقرانه الزعماء
في المنطقة العربية، وهو يقوم بهذا الدور الذي قاموا به على مدار سنوات هذا
الصراع
المدهش، المدعو بالصراع العربي الإسرائيلي، والذي أخذ ينكمش، حتى أصبح صراع
إسرائيل وحماس الوصف الرسمي العالمي الآن، فهو حتى ليس صراع إسرائيل وغزة! ناهيك
عن كونه صراعا فلسطينيا/ إسرائيليا.
* * *
هو فقط صراع إسرائيل وحماس،
وحسنا فعلوا! فحماس "فكرة"، كما قالوا، بدءا من رئيس وزراء إسرائيل الأسبق
إيهود باراك، وقالتها أيضا المخابرات الأمريكية (وول ستريت جورنال 12 تشرين الثاني/
نوفمبر 2023م) وقالها وزير خارجية الأردن، مرورا بجميع مراكز الدراسات والبحوث
الغربية.. وانتهاء طبعا بالدهليز السفلى، حيث العفن والرطوبة واللزوجة والروائح
العطنة من "الصهاينة العرب"، والذين لديهم "ثارات" عميقة مع
كل ما هو "قوي ومكتمل" يأتي من أرضية إسلامية.
* * *
الحاصل أن اختصار الصراع إلى "إسرائيل/
حماس" كان شيئا جيدا، فحماس بالفعل فكرة، وفكرة ضخمة جدا، وراسخة
الجذور في التاريخ العربي والإسلامي المعاصر والحديث.. تاريخ الحركة الإصلاحية الكبرى،
من منتصف القرن الـ18، والتي أسس لها عميقا الثلاثي العظيم "الأفغاني وعبده
ورضا" ومدرسة "العروة الوثقى" الشهيرة.
"طوفان الأقصى" بعثت لنا فيما بعثت من كل قديم جديد هذا "التصور" الذي كاد أن يغيب عنا على مدار السنوات الأخيرة، وبما يناسب موقعها تماما، وفيما يعني الأمة كلها، إنه المسجد الأقصى وإنها القدس..
والتوصيف هنا للمفكر العراقي
الكبير د. محسن عبد الحميد، والذي يرى أن كل التيارات الإصلاحية قد تفرعت من هذه
المدرسة الأصيلة الصلبة، التي كان تأثيرها عظيما في كل مكان حلت فيه، وكانت ثورة
عارمة عبّرت عن حاجة تاريخية ومصيرية، للأخذ بأسباب الحضارة والمدنية مع الاحتفاظ التام
بـ"الشخصية الإسلامية" الكاملة.
***
حماس "الفكرة" إذن
تمثل تركيزا خالصا، لكل تجليات هذا المدرسة الكبيرة على مستوى "الفهم والوعي
والتكوين والشخصية" والباقي مجرد تفاصيل، من إعداد وتنظيم وتربية.. الخ..
و"طوفان الأقصى"
بعثت لنا فيما بعثت من كل قديم جديد هذا "التصور" الذي كاد أن يغيب عنا
على مدار السنوات الأخيرة، وبما يناسب موقعها تماما، وفيما يعني الأمة كلها، إنه
المسجد الأقصى وإنها القدس..
* * *
قديما قال لنا محمود درويش (ت:
2008م) رحمه الله: سأَصير يوما ما أُريد.. لا الرحلة ابتدأت، ولا الدرب انتهى.. سأَصير
يوما ما أُريد..
لكن الرحلة بدأت حقا وصدقا.. يا
شاعر الوعي الممكن، والحلم الإنساني. ها قد حان اليوم، وحانت الساعة لبزوغ شمس الحرية
والأحرار.
twitter.com/helhamamy