صرح وزير الدفاع الأمريكي أخيرا
قائلا: "لن نسمح بانتصار
حماس".. هذا القول
معناه لن نسمح بهزيمة "
إسرائيل"، وهو قول يُحيل إلى أن هزيمة هذا الكيان
ممكنة بل لعلها صارت مؤكدة، وهزيمة الكيان المحتل لا تعني أن طوفان الأقصى سينتهي إلى
إزالة الاحتلال من المنطقة وإنهاء "دولة إسرائيل"، فذاك هدف لم تتوفر
شروطه بعد، وإنما المقصود بانتصار حماس وهزيمة "إسرائيل" هو عدم تحقيق
الاحتلال لأهدافه المعلنة وهي "تحرير الأسرى بالقوة والقضاء على حركة
حماس"، وهي أهداف كلّفته أثمانا باهظة في جنوده وآلياته، كما جلبت عليه نقمة
رأي عام عربي وإسلامي ودولي رغم ما يجده من دعم غربي وأوروبي وحتى عربي رسمي.
لماذا لا يُسمح بانتصار حماس؟ أو
لماذا يُخشى انتصار حماس؟
هذه الخشية ليست حالة غربية صهيونية
فقط، إنما هي حالة عربية أيضا، فكثير من حكام العرب يتمنون هزيمة حماس بل وينتظرون
لحظة "القضاء عليها".
انتصار حماس أو عدم انكسارها يعني انتصار إرادة
الإنسان على الآلة التي هي فخر الحضارة الغربية وأداة قوى الاستكبار للسيطرة على
الشعوب ونهب خيراتها والتحكم في مصيرها، وفي فرض خيارات ثقافية وسياسية ودينية
عليها.
لقد عطل طوفان الأقصى قطار التطبيع
ومشروع "الإبراهيمية"، وأحدث هزة عنيفة في الوعي العربي الإسلامي وفي
ضمير العالم.. لقد أحسنت المقاومة إدارة معركة الصورة
التي أضحت جزءا من معارك العصر الحديث، وهو ما زاد في إغاظة العدو وفي
شعوره بالخيبة والهزيمة، وقد كان يتمنى أن يرى المقاومين منكسرين متذللين يتوسلون
هدنة ويتسولون الإعانات.
مجيء الأساطيل الغربية إلى المنطقة
وتدفق السلاح وزيارات رؤساء ووزراء دفاع ووزراء خارجية لشد أزر قادة الاحتلال؛ لم
يبعث الرعب في فصائل المقاومة ولم يشحن العدو بالشجاعة والإقدام، بل حصل عكس ما
أراده كل الأعداء، فجنود الاحتلال لا يجدون شجاعة لمواجهة شباب المقاومة وقادة
العدو لا يقدرون على إخفاء صدمتهم وهزيمتهم النفسية، وفي المقابل فإن روح المقاومة
تزداد اتقادا رغم ما تشهده الأرض من تخريب وتدمير ومن دماء وأشلاء.
عودة العدو للهجمات الجوية لممارسة
التقتيل والتدمير إنما تعكس ما يشعر به من ألم الهزيمة منذ فجر السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر، إنه ينزف ألما ويتجرع مرارة ولم يستطع مواراة سوءته أمام العالم
رغم كل مجازره وجرائمه المرتكبة، بل كلما أوغل في التدمير كشف عن توحشه وعجرفته
وعجزه.
انتصار المقاومة يعني تأكيد حقيقة
وجودية جديدة مفادها "إن النصر على الاحتلال ممكن" و"إن زوال دولة
الكيان ممكنة" و"أن الهزيمة ليست قدرا عربيا ولا إسلاميا".. هذه
الحقيقة مرعبة للكيان ولأنصاره، وهي مصدر أمل ومبعث قوة لدى كل الشعوب المضطهدة
فتنتفض ضد قوى الاستكبار العالمي وضد أنظمة الفساد وحكومات الاستبداد وضد كل
العملاء والخونة.
سمع الجميع القيادي في حركة حماس أسامة
حمدان يقول إن قادة عربا اتصلوا بقادة العدو يطلبون منهم إنهاء وجود حركة حماس..
إنهم لا يكتفون بـ"الحياد"، ولا يصبرون على انتظار نتائج معركة غير
متكافئة، إنما يستعجلون نهاية حركة محاصرة منذ عقود في مساحة من العالم صغيرة،
حركة ترفض المهانة والمذلة وتؤمن بمعادلة وحيدة: الكرامة فوق الأرض وتحتها.
هؤلاء "القادة" العرب هم
الأكثر خوفا من انتصار حركة حماس، لأن انتصارها لن يكون مجرد غلبة عسكرية، إنما هو
انتصار فكرة، وانتصار رؤية، وانتصار مستقبل الشعوب على واقع الهيمنة والاستكبار.
أولئك "القادة" العرب لا
يحتاجون تذكيرهم بأن انتصار العدو هو تهديد لأنظمتهم، لأنهم لا يرونه عدوا إنما هم
أعداء شعوبهم وأعداء أوطانهم وأعداء الحرية والكرامة والعدالة والسيادة الوطنية،
إننا ننظر إليهم على أنهم ضمن جيش العدو ولا ننتظر منهم لا موقفا ولا فعلا في دعم
المقاومة، إنهم هم وأعوانهم من دعاة التطبيع في مرمى سلاحنا الذي لا نملك سواه،
"القلم".
هذه الفكرة التي يجب على نخبتنا
الاشتغال عليها حتى تنتبه شعوبنا إلى كون المعركة ليست مجرد منازلة عسكرية تخوضها الفصائل
في مساحة من العالم محددة، وحتى لا نتوهم أن نتائج المعركة لن تتجاوز "طرفي
النزاع"، هذا ما يريد الأعداء والعملاء الإيهام به، حتى نبقى في موقع
"الحياد" تراقب ببرود سير المعركة من خلال الشاشات والمواقع الاجتماعية
الافتراضية وكأننا نتابع فصول مسرحية أو تفاصيل عرض سينمائي ننتظر مفاجآته
ونهاياته.
twitter.com/bahriarfaoui1