احتجاجات
"السبت العظيم" عادت إلى شوارع تل أبيب مرة أخرى، الهدف واحد ومشترك منذ
عام وهو الإطاحة بحكومة
نتنياهو غير المسؤولة والمتطرفة، وأما الأسباب فقد تحولت
من الاعتراض على التعديلات القضائية إلى المطالبة بالتفاوض من أجل إطلاق المحتجزين
الإسرائيليين جميعا.
إن
استئناف هجمات النظام الصهيوني على
غزة وعدم قبول تمديد وقف إطلاق النار أظهر أنه
خلافا لادعاءات الأمريكيين وقادة نظام الاحتلال، فإن النظام الصهيوني وليس
حماس هو
الذي استغل فرصة وقف إطلاق النار لتجديد قوته والتخطيط لارتكاب مجازر أخرى، ضاربا
بذلك عرض الحائط كل جهود الوساطات لأجل التمديد وإطلاق المزيد من المحتجزين،
ومؤكدا على أن إسرائيل غير معنية بأي حلول سياسية للأزمة المستمرة لأكثر من شهرين منذ
بدء الحرب العبثية على غزة.
بات
المحتجون في تل أبيب يعزون رفض تل أبيب تمديد الهدنة إلى الفشل الذريع للعمية
البرية في قطاع غزة، وبات الجميع اليوم على قناعة تامة بأنّ الهجمات العسكرية لا
تستهدف حياة
الفلسطينيين الأبرياء وحسب، بل تستهدف حياة المحتجزين الإسرائيليين
بشكل غير مباشر.
وأما
عن تأثير الحصار، ففي فيديو مصور تم بثه خلال مظاهرات السبت، أشارت "ديتزا
هيمان" وهي محتجزة إسرائيلية تم إطلاق سراحها مؤخرا إلى أن الطعام لم يكن
وفيرا في البداية ولكن مع مرور الوقت أصبح الطعام أقل وأقل. وهذا يعني أن رفض
حكومة نتنياهو إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة يعني فرض حصار ليس على
الفلسطينيين المدنيين وحسب، بل على المحتجزين الإسرائيليين كذلك.
أدت
الاحتجاجات المستمرة منذ أكثر من عام في أيام السبت إلى زعزعة توازن النظام
الصهيوني من الداخل. لقد وصل الوضع الاقتصادي للكيان الصهيوني وقيمة الشيكل إلى
أدنى مستوى له منذ بداية تشكيل دولة الاحتلال، وقد ساهمت حرب نتنياهو الانتقامية
في تفاقم الوضع الاقتصادي في إسرائيل بحيث فاقت الخسائر الاقتصادية لهذه الحرب
خسائر عام كامل من جائحة كورونا، وكذلك فاقت جميع الأضرار التي سببتها الحرب في
أوكرانيا والأزمة المستمرة المتعقلة بالتعديلات القضائية.
استمرار الحرب وعدم تمديد وقف إطلاق النار يعني أيضا شراء الوقت لتأجيل الاحتجاجات على مستوى البلاد في الأراضي المحتلة، ويعني بث الروح في حرب نتنياهو الخاصة التي يخوضها أملا منه بتأجيل موته السياسي الحتمي. فعلى الرغم من مضي حوالي شهرين على العدوان على غزة، لم تحقق حكومة نتنياهو أيا من الهدفين العسكريين المعلنين لهذه الحرب
في
الأشهر الماضية، ومن خلال تحليل تركيبة التجمعات في الاحتجاجات على مستوى البلاد،
نلاحظ أن هناك تنوعا في الفئات المشاركة في هذه الاحتجاجات. فبالإضافة إلى الجيل "Z"،
فقد شارك في هذه الاحتجاجات العديد من ذوي الميول اليسارية والمعلمين والسائقين
والممرضات والمتطرفين الدينيين، وحتى مؤخرا بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى الجهاز
العسكري والأمني.
ووفقا
لمسح أجرته شركة معلومات الأعمال "Coface BDI" لصالح
صحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية، فإنه مع بداية الحرب تم إغلاق
أكثر من 39500 شركة، كما توجد 17500 شركة إضافية من المتوقع إغلاقها نهائيا في
الربع الأخير من هذا العام. ودفعت الخسائر الاقتصادية لهذه
الحرب العبثية حكومة نتنياهو إلى وقف التعويضات المقررة للشركات المتضررة من الحرب،
وكذلك تم إنهاء عقود إيواء الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من المستوطنات القريبة من
قطاع غزة (يقدر عددهم بنحو 125 ألف شخص) والتخطيط لإعادة بعضهم إلى مستوطنات تقع
على بعد أقل من 7 كيلومترات من القطاع.
في
الواقع، لولا المساعدات العديدة التي قدمتها أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا،
لما تمكن النظام الصهيوني حتى من تأمين الموازنة الاقتصادية لشراء الصواريخ التي
يطلقها على الأطفال والنساء الأبرياء في قطاع غزة. هذا الدعم غير المشروط والمكلف
ظهر عبر تقرير للصحيفة الأمريكية "وول ستريت جورنال"، تحدث عن تزويد
الولايات المتحدة إسرائيلَ بأكثر من 15 ألف قنبلة و57 ألف قطعة ذخيرة
للمدفعية. ومن بين ما تم توريده 100 قنبلة خارقة للحصون من نوع "BLU-109"،
يبلغ وزنها نحو 875 كغ.
كما
دفعت الخسائر التي يتكبدها الكيان في غزة إلى عودة الخلافات الكامنة في التركيبة
الوزارية لبنيامين نتنياهو، حيث تحدثت صحيفة معاريف الإسرائيلية عن عودة الخلاف
القديم بين نتنياهو ووزير دفاعه "يوآف غالانت" إلى الواجهة مرة أخرى،
بعد رفض نتنياهو مشاركة أعضاء مجلس الحرب في مؤتمر صحفي لإعلان ما سموه
"الإنجاز الكبير"، وهو إعادة بعض المحتجزين من غزة.
يبدو أنّ
القيادات السياسية لحركة حماس كسبت المعركة الإعلامية والسياسية ضد سلطات الاحتلال،
فهي تدرك جيدا أن كل كلمة تقال عبر وسائل الإعلام تجد طريقها إلى الفئات الشعبية
المعترضة في إسرائيل. لعل أهم التصريحات في شأن عملية التبادل جاءت عبر خليل الحية
عضو المكتب السياسي لحركة حماس، حيث أكد أن حماس حريصة جدا على تبادل النساء
والأطفال في أسرع وقت ممكن.
إلى
جانب هذا، فقد أظهرت فيديوهات تبادل المحتجزين والأسرى، والطريقة الإنسانية في
التعامل الفلسطيني مع المحتجزين؛ زيف الرواية الإسرائيلية في تشبيه القسام وحماس
بداعش عبر طرح أكاذيب ممنهجة ساهم الإعلام الغربي كذلك بترويجها من قتل للنساء
والأطفال وحالات اغتصاب وقطع للرؤوس. وعلى الجانب الآخر أظهرت عملية تسليم الأسرى
الفلسطينيين من قبل إسرائيل درجة الوحشية الإسرائيلية في عملية الانتقام الجماعي
نتيجة لفشل العملية العسكرية، وأظهرت كذلك التعامل اللا أخلاقي مع الأسرى وما
تعرضوا له من أشكال مختلفة من التعذيب.
والحقيقة
الأخرى هي أن استمرار الحرب وعدم تمديد وقف إطلاق النار يعني أيضا شراء الوقت
لتأجيل الاحتجاجات على مستوى البلاد في الأراضي المحتلة، ويعني بث الروح في حرب
نتنياهو الخاصة التي يخوضها أملا منه بتأجيل موته السياسي الحتمي. فعلى الرغم من
مضي حوالي شهرين على العدوان على غزة، لم تحقق حكومة نتنياهو أيا من الهدفين
العسكريين المعلنين لهذه الحرب. فإصرار مقاتلي القسام على الظهور في القسم الشمالي
من قطاع غزة قوّض الهدف الإسرائيلي الرئيس من هذه الحرب، ألا وهو القضاء على حماس
بشكل نهائي، كما أن استمرار حماس بإطلاق صواريخها باتجاه مستوطنات الكيان من جهة،
وتوالي استهداف تجمعات الجنود الإسرائيليين ونصب الكمائن لهم كما حدث في منطقة جحر
الديك من جهة أخرى، نسف هدف نتنياهو الثاني وهو تدمير البنى التحتية العسكرية
واللوجستية لحماس.
يعتقد نتنياهو أنه بمواصلته الجريمة والقتل يستطيع تحويل آماله وأحلامه في تحقيق نصر رمزي في غزة إلى واقع يؤجل موته السياسي الحتمي، لكنه على أرض الواقع لم يفعل شيئا سوى أنه افتتح جولة جديدة من القتال بزخم ناري أكبر ومجازر أكثر في شمال وجنوب قطاع غزة
ختاما،
يعتقد نتنياهو أنه بمواصلته الجريمة والقتل يستطيع تحويل آماله وأحلامه في تحقيق
نصر رمزي في غزة إلى واقع يؤجل موته السياسي الحتمي، لكنه على أرض الواقع لم يفعل
شيئا سوى أنه افتتح جولة جديدة من القتال بزخم ناري أكبر ومجازر أكثر في شمال
وجنوب قطاع غزة. وبينما حاول نتنياهو وقادة حربه الترويج للنصر في شمال قطاع غزة
من خلال الادعاء بتدمير البنى التحتية لكتائب القسام بشكل كامل، دحضت مؤسسته
الأمنية هذه الادعاءات بالقول بأن القوات البرية لم تنجح إلا بدخول متزعزع لنحو 40
في المئة من مساحة شمالي القطاع.
وأما
في الداخل الإسرائيلي فإن عودة احتجاجات السبت الكبيرة إلى شوارع تل أبيب تشير
وبكل وضوح إلى رفض الحرب العبثية الخاصة التي يخوضها نتنياهو ضد غزة، وهي في
الواقع انعكاس لاعتقاد راسخ لدى الإسرائيليين بأن نتنياهو مسؤول عن الفشل الأمني
والاستخباراتي والاستراتيجي الذريع في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وهو مسؤول
كذلك عن زيادة تورط إسرائيل وغرقها أكثر وأكثر في مستنقع غزة.