نشر "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، تحليلا تناول فيه الدور الذي تؤديه الإمارات في الصراع
الصومالي.
وقال المعهد؛ إن الإمارات غضبت من اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعتها
تركيا مع الحكومة الصومالية، وقامت على إثر ذلك بخفض التمويل الذي تقدمه إلى ألوية الجيش الوطني الصومالي.
وذكر المعهد أن هذه الاتفاقية من المرجح أن الإمارات نفسها كانت تطمح إليها.
وتأتي الاتفاقية بين تركيا والصومال في أعقاب صفقة كبيرة أُبرمت في كانون الثاني/يناير، تخوّل إثيوبيا تشغيل ميناء بربرة الذي جددته الإمارات في منطقة صوماليلاند الانفصالية، لأغراض تجارية وعسكرية.
ورأى المعهد أن خفض التمويل كان مفاجئا، وسط تجدد الدعم العسكري الإماراتي للقوات الفدرالية الصومالية، بعد عودة حسن شيخ الذي حافظ على علاقات وثيقة مع الإمارات، إلى السلطة.
وتشن حكومته منذ آب/أغسطس 2022 هجوما عسكريّا واسع النطاق ضد الجماعة الجهادية التابعة لتنظيم "القاعدة"، "حركة الشباب المجاهدين"، التي تسيطر على مساحات واسعة من جنوب الصومال ووسطه.
وبقيادة لواء النخبة "دنب" الذي دربته الولايات المتحدة وبدعم جوي أمريكي وتركي، حررت الحكومة مناطق كبيرة في جنوب البلاد ووسطها. وفي منتصف العام 2023، أي في الفترة التي سبقت المرحلة الثانية المتوقعة من الحملة، أثبتت قوات الجيش الوطني الصومالي التي تموّلها الإمارات أنها مكوّن أساسي في القتال ضد "حركة الشباب".
معضلة كبيرة
إلا أن المرحلة الثانية للجيش الوطني الصومالي لم يتم إطلاقها فعليّا حتى الآن، وذلك لأسباب تشمل عدم القدرة على الاحتفاظ بالأراضي المحررة حديثا ونشر قوات كافية.
وتصبح المشكلة أكثر إلحاحا بحسب معهد واشنطن، مع سحب قوات "بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال"، التي يضم عديدها 15 ألف جندي من المقرر أن يغادروا بالكامل بحلول نهاية العام 2024.
ومنذ العام 2007، أدت هذه البعثة و"بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال" قبلها دورا حيويّا في استعادة مقديشو وكيسمايو، وغيرهما من المراكز السكانية الرئيسية من "حركة الشباب" والاحتفاظ بها. وقد أثبتت القوات الممولة من الإمارات أنها بديل واعد لقوات "بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال" المغادرة.
ماذا تفعل الإمارات في الصومال؟
يعود الانخراط الإماراتي في الحرب الأهلية الصومالية، التي استمرت لعشرات السنوات إلى العامين 1993 و1994، عندما قدمت الإمارات قوات إلى العمليات الإنسانية وعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وفي العام 2010، عاد المستشارون الإماراتيون للإشراف على إنشاء "قوات الشرطة البحرية في بونتلاند"، التي تأسست لمكافحة عمليات القرصنة المتزايدة بتمويل سنوي من أبوظبي يقدّر بنحو 50 مليون دولار.
وعندما انحسر تهديد القرصنة، انتقلت "قوات الشرطة البحرية في بونتلاند" عمليّا إلى مهمة مكافحة الإرهاب، ما أسهم في قمع تمرد الجهاديين في جبال غلغال،ا بدءا من العام 2014 وصد الهجوم البحري الذي شنته "حركة الشباب" في العام 2016 على بونتلاند وقيادة تحرير بلدة قندلا في ذلك العام، من فرع تنظيم "الدولة الإسلامية" المشكّل حديثا، وتأمين المطارات الرئيسية في بونتلاند.
ومع ذلك، جاءت بسالة "قوات الشرطة البحرية في بونتلاند" في مكافحة الإرهاب في نهاية المطاف على حساب مهمتها الأصلية، إذ عادت القرصنة إلى الظهور قبالة ساحل بونتلاند منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، في حين أن تفشي الصيد غير القانوني وتهريب الأسلحة الإيرانية استمرا بلا هوادة.
إظهار أخبار متعلقة
قاعدة للشرطة البحرية
وفي السياق عينه، أنشأت الإمارات منذ العام 2010 قاعدة كبيرة لــ"قوات الشرطة البحرية في بونتلاند" في بوصاصو، وزادت من وجودها الإجمالي في الصومال إذ وصل عديدها إلى 180 جنديّا.
علاوة على ذلك، تبين أن المخاوف من أن تصبح هذه القوات أداة سياسية مؤذية لإدارة بونتلاند مبالغ فيها في الغالب، بحسب معهد واشنطن.
فقد انخرطت بشكل دوري في نزاعات سياسية، إلا أن الإمارات امتنعت عن التدخل في مناسبات مهمة مثل الانتقال الرئاسي لعام 2014 والاشتباكات بين صوماليلاند وبونتلاند في العام 2018. وإلى جانب القواعد الرئيسية في بربرة وصوماليلاند وعصب في إريتريا، التي استخدمتها الإمارات في عملياتها ضد الحوثيين في اليمن، عزز تمركزها في بوصاصو وجودها في البحر الأحمر بما أسهم في تيسير العمليات في اليمن، وأيضا في تسهيل التصدي للتهريب الإيراني.
خلاف مع الرئيس
بالإضافة إلى ذلك، بدأت الإمارات في العام 2014 بتدريب آلاف المجندين الصوماليين ودفع رواتبهم. ولكن في العام 2018، نشب خلاف مع إدارة الرئيس محمد عبد الله "فرماجو" محمد، أدى إلى إنهاء البعثة.
إلا أن الإمارات استأنفت تدريب مجندي الجيش الوطني الصومالي عندما عاد حسن شيخ إلى السلطة في العام 2022. ونظرا على ما يبدو لتدخلات الإمارات، قامت "حركة الشباب" بتجنيد مجند سابق في الجيش الوطني الصومالي للهجوم على "معسكر الجنرال غوردون" في مقديشو، ما أسفر عن مقتل أربعة ضباط إماراتيين وضابط بحريني.
إظهار أخبار متعلقة
عمل مستمر
نفذت الإمارات منذ صيف العام 2023 على الأقل ضربات بطائرات بدون طيار وقدمت الآليات والتدريب لقوات ولاية جوبالاند، التي تجمع بين زعيمها الذي يترأسها منذ فترة طويلة، أحمد محمد إسلام، وبين أبوظبي علاقات وثيقة. ومن المرجح أن الإمارات تبني حاليّا قاعدة أخرى بالقرب من عاصمة جوبالاند، كيسمايو.
وبموازاة ذلك، استثمرت الإمارات في المساعدة على إنشاء وحدة شرطة عسكرية اتحادية جديدة وعددا من ألوية الجيش، وقدّمت حتى الآونة الأخيرة التمويل اللازم لـ10 آلاف عنصر، وقد تدربت وحدة الشرطة العسكرية التي يبلغ عديدها ما بين 3500 و4500 عنصر في أوغندا، في حين تدرّب الآخرون الذين يشكلون ألوية عسكرية نظامية جديدة، في إثيوبيا ومصر.
ودأبت الإمارات على إعادة تدريب الجنود المنتشرين في معسكر غوردون بانتظام، وقدمت حوالي 9 ملايين دولار شهريًا لدفع رواتب الألوية الجديدة. وخلال شهر رمضان من العام الفائت، وهي الفترة التي تشهد عادة تزايدا في أعمال العنف الجهادي، ساعدت أنشطة وحدة الشرطة العسكرية في حماية مقديشو من الهجمات الإرهابية، ما أكسبها احترام المواطنين.
وانتقلت بعض الألوية الجديدة منذ ذلك الحين إلى ضواحي العاصمة، وستشكل عنصرا رئيسيّا في الحملة المستمرة التي تشنها الحكومة. وعلى حدّ ما أفاد به مستشار رئاسي، يشكل الدعم الإماراتي لهذه القوات جزءا من جهود أكبر لإعداد 30 ألف جندي و40 ألف شرطي و8500 حارس سجن، لتحل هذه القوات محل "بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال"، وتدعم حملة الحكومة.
إظهار أخبار متعلقة
دور أمريكي؟
قال "معهد واشنطن"؛ إنه بالإضافة إلى إقناع أبوظبي وراء الكواليس باستئناف تمويل الجيش الوطني الصومالي بالمبالغ السابقة، يجب على واشنطن استغلال علاقاتها الوطيدة مع الخصوم الثلاثة في الشرق الأوسط في الصومال للتشجيع على تنسيق الجهود.
فالإمارات وتركيا وقطر تساعد في نهاية المطاف الجيش الوطني الصومالي بطرق إيجابية، ولذلك يمكن باعتماد آلية تنسيق قوية، ربما مركز عمليات مشتركة بإدارة الولايات المتحدة، أن تساعد في جعل مساهمات كل منها أكبر من مجموعها منفصلة.
كما يمكن لمثل هذه المؤسسة أن ترفع مستوى الشفافية بين الدول الثلاث، وفي الوقت عينه تخفف من خطر أن تؤدي الخصومة الجيوسياسية بينها إلى تقويض المعركة ضد "حركة الشباب".
للاطلاع إلى التحليل كاملا (
هنا)