انتقل الصراع السياسي الانتخابي الأمريكي بين الحزبين
الجمهوري والديمقراطي إلى القضاء ومحاكم الجنايات في أمريكا، وهو أفضل للأمريكان من
انتقاله إلى الشارع، فالشعب الأمريكي مسلّح، وقد احتدم الصراع بينهما مؤخرا، وتباينت
الفروق كثيرا، ولا يدوم إلا من له الدوام، لكن الصراع السياسي لا يزال بخير ما
داموا يحتكمون إلى الصندوق الانتخابي على سوآته.
الحرب الأهلية تحت الرماد، وقد حكم على
ترامب بجنحة، وهو
مظلوم فيها، وكان قد عمل تسوية وضع مع السيدة التي كانت عاملة جنس (بائعة هوى
شمالي وجنوبي، جملة ومفرق)، وتؤدي واجبها الأخلاقي والاقتصادي، فرفعت عليه دعوى، ودفع
لها تعويضا مجزيا، لكنها انقلبت عليه، والسبب صفقة أخرى أجزى.
وكانت له عربدات، ونُقل عنه أنه عاشر ألف امرأة، وكان
نجما ومذيعا وسيما، وله مشهد شهير يسأله فيه المذيع ما إذا كان شعره طبيعيا، فمدَّ
رأسه للمذيع حتى يتأكد بنفسه من صدق شعره وبسالته، ماذا لو قال للمذيع ليس المهم
شعري، المهم ما هو تحته؟ ولو قالها لذهبت بها الفضائيات ولغلب شِعره شَعره، وزادت من
شعبيته ولُقب بالرئيس الشاعر. يبدو أنه ليس بذكاء كاتب هذه السطور الذي تساقط شعره
وخسر وطنه، ولم يقابل مذيعا في حياته.
قدر خصومه أنه بعد الجنحة القضائية التي بعثها له خصومه
من تحت الرماد، سينفضّ عنه بعض ناخبيه، لكن الزعماء الأمريكان ليسوا أطهارا أبرارا
مثل زعمائنا، ويمكن تذكر بيل كلنتون في موقعة مونيكا لوينسكي. والقانون الأمريكي لا
يمنعه من الترشح للرئاسة، وهو يتوعد ويعد؛ الوعد للناخبين البيض، والوعيد
للمهاجرين الملونين.
الأمريكان يحبون الألوان على الشاشة، والأبيض والأسود
على الواقع، وقد ينتصر الحزب اليميني الجمهوري، وقد ينهزم، وليس من فرق بينهما لدى العرب الذين لا يفرقون بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي كثيرا، وهما في وصف شائع
يشبهان فردتي النعل، والقياس هو موقفهما من قضايا العرب؛ حزب يساري يأكل الثروات
العربية بالشوكة والسكين، ويميني يأكلها ببراثنه الحادة.
الديمقراطية الأمريكية تحظى بدعاية عملاقة، لكنها ليست
الديمقراطية المؤتسى بها، وهي أفضل من دكتاتوريات العرب المعاصرة، فالمواطن
الأمريكي يستطيع أن يشتم الرئيس، نذكر أنَّ الممثل الشهير فرانكو دي نيرو شتم
ترامب بتلك الشتيمة التي تترجم في
الأفلام بلفظ اللعنة، فرد عليه ترامب ردا لطيفا
غير متوقع منه وليس فيه لعنة، وهو أنه عذره لسكره. الشتم لا يجدي كثيرا في أمريكا،
وهو رياضة لفظية وترويحية في الأفلام الأمريكية.
وقد جمعت حملة ترامب الانتخابية 141 مليون دولار، وهو
مبلغ كبير، وكان المبلغ الذي جمعته حملة بايدن 85 مليون دولار، وتباهى أصحاب
الحملة به، وقيل إنه أكبر مبلغ جُمع لحملة رئاسية حتى الآن، وهذا يعني أن حكم المحكمة
على أبي إيفانكا قد زاد من قبوله وشعبيته لدى جمهوره.
البطل المجرم هو بطل القرن العشرين والحادي والعشرين، البطل
المجرم هو بطل السينما الأمريكية المفضل، أو هو أحد أهم أبطالها. غالبا لدى البطل
"سوابق" جنائية، وهو جندي له فضائل، مثل خوض حرب فيتنام، فهذه بتلك. في فيلم
"العرّاب"، أشهر فيلم أمريكي، ينجو مايكل كورليوني من السجن بعد قتله شرطيا،
تشفع له خدمته في فيتنام. الأمثلة كثيرة في أفلام المغامرات، حتى إن الجنحة فيها نمطية.
في فيلم get shorty (الرضى بالقليل)، بطولة جون ترافولتا يُسأل "تشيلي
بالمر" إن كان في سجله السجن، فيعدد التهم في سجله ويقول: لكني لم أدخل
السجن، المحاكم الأمريكية تقبل بالتسويات والصفقات، الجرائم والقضاء تجارة أيضا.
يمكن تذكر صكوك الغفران.
يستنكر أحمد منصور في مقابلة في برنامج "بلا
حدود" ردَّ جنرال أمريكي برتبة ميجور اسمه دوغ كوكه، خاض حرب العراق، وأصيب
بالسرطان بسبب استعماله اليورانيوم المنضب، وتزعّم حملة قضائية ضد جورج بوش، فيقول
ردا على أحمد منصور بسرور، إنه أخذ تعويضا ماليا مجزيا عن إصابته باليورانيوم
المنضب، حتى أن الشرطي البطل في الأفلام الأمريكية يخرج على القانون في كثير من الأفلام
ضائقا بطول المحاكمات وسلسلة المرافعات، ويحقق العدالة بيده، ويسميها أسماء فخمة،
جزلة، شعرية، مثل: العدالة الشاعرية.
متلازمة ستوكهولم، علّة مرضية نفسية تصاب بها الضحية، فتغرم
بالجاني عليها، وتتولع بخاطفها. تميل المخطوفة إلى خاطفها؛ إما لأنه مظلوم، وإما
لأن الدولة طاغية شمولية باغية، أو لحب المخطوفة للمغامرة ولصدق المجرم الخاطف
واختلاط العنف بالتحدي، يصدق عليها مثل معاصر يقول: "الهرّ يحب خناقه"، المثل
فيه تجاوز واعتداء على الهررة، فليس من طباع الهرِّ أن يحبَّ خناقه. الشعوب
العربية قد تحبُّ خنّاقها، أما الهررة فلا.
إن كان في الغرب أفراد يصابون بمتلازمة ستوكهولم، فإن
المتلازمة لدى العرب وباء وطاعون فاش، فثمة متلازمة القاهرة ومتلازمة القرداحة
ومتلازمة الرياض، وغيرها من العواصم القواصم، لوقوع عرب هذه العواصم في هوى الخاطف
الملهم، ولي الأمر، القائد، أبو الأمة، منجبها من نكاح العدم.. يمكن تذكر مثال
هزيمة حزيران/ يونيو الشهيرة، وخروج الجماهير لتوسل عبد الناصر والتضرع إليه للعدول
عن الاستقالة المزعومة.
نتذكر أنَّ أمريكا دولة أسسها خارجون على القانون، وأنهم
أبادوا أهلها واستأصلوا شأفتهم، فهي دولة محدثة بلا تاريخ، كذلك هم أشهر زعماء
العرب الذين تنتخبهم أمريكا من غير صناديق. الطيور على أشكالها، والزعماء أيضا،
وزعماء العرب يتأسون بأمريكا في إبادة شعوبهم أو إذلالهم، فلا يعرف لأشهر الزعماء العرب
جدٌ ثان أو ثالث، إنهم يشبهون البطل الغربي الخارج عن القانون اليتيم الفريد، الذي
يأتي من الغيب، ويعود إليه عند إنجاز المهمة البطولية.
إن أشهر أبطال الغرب هما بطلان: أرسين لوبين، وروبين هود،
وهما مجرمان خارجان عن القانون، ويغيران على بيوت الأغنياء ويسلبانهم أموالهم ويوزعانها
على الفقراء، حالهم حال الشعراء الصعاليك في الجاهلية. ترامب ازداد مجدا وعزّا
بالحكم عليه بجنحة قضائية.
يمكن أن نخلص إلى أنَّ أحد أسباب حبّ الدول الأوروبية لإسرائيل،
غير الفوائد المادية والمراديد المعنوية التي تدرها عليها، هو متلازمة حبِّ يهوذا،
أو حب إسرائيل. إسرائيل مبغوضة في الغرب، لكنها محبوبة عن بعد. أنتجت أفلام تبخس
المسيح حقه وجلاله وتنتقص منه، مثل فيلم "الإغواء الأخير للمسيح" وشيفرة
دافنشي وغيرهما كثير، لكن ثمة أفلام جديدة تبحث عن بطولة يهوذا مثل فيلم يهوذا، إخراج
شارلز روبرت كارنر الذي يقدّمه بطلا.
يعزى حبُّ اليهود المستجد إلى ظهور البروتستانتية،
فاليهود هم أقرباء المسيح وقومه، لكن الكاثوليك باتوا يحبونهم أيضا، وأمسى بعضهم
يحبُّ يهوذا ويعتبره المخلص، فهو الذي وشى بالمسيح، وكان سببا في قتله، فهو صاحب
فضيلة الغفران الأول، وإن لم يكن، فثلاثون من الفضة مبلغ يستحق التضحية بابن الإله
المسكين وحلال على الشاطر.
عشنا إلى أن نرى يهوذا بطلا والشيطان ربا معبودا.
x.com/OmarImaromar