للعام الثالث على التوالي تواصل
إدلب
عقد معرضها للكتاب، لكن هذه المرة كان معرضا مميزا تماما، ومختلفا عن سابقيه، إذ
تمكنت حكومة الإنقاذ السورية من تأهيل المركز الثقافي العربي في إدلب، والذي كانت
قد أصابته قذائف ودمار عصابات الأسد وسدنته المحتلين، وبات يُعرف اليوم بدائرة
الثقافة والمعارف.
واستقبل المعرض هذا العام أكثر من 44
دار نشر، نصفها قدمت من تركيا، مما وفّر فرصة ذهبية للمواطن السوري العادي للتعرف
على جديد الكتب. وجاء تدفق الشخصيات المؤثرة من اليوتيوبرز الأتراك والسوريين،
ليمنح المحرر كله فرصة ذهبية في القوة والحضور والتأثير.
ندوات سياسية وثقافية وشعرية، وعرض
للفلكور الشعبي السوري وكذلك الفلسطيني، حيث كانت التغريبة الفلسطينية حاضرة
كالتغريبة السورية، بما في ذلك في حفل افتتاح المركز الذي حضره قائد هيئة تحرير
الشام أحمد حسين الشرع المعروف بالجولاني، وكذلك رئيس حكومة الإنقاذ المهندس محمد
البشير وعدد من الوزراء والوجهاء وقادة الرأي والمواطنين. وكانت لكلمة أحمد حسين
الشرع التي امتدت لثلاث دقائق وخمس عشرة ثانية أهمية حين قال: "ويلٌ لأمة
تكبو فيها دمشق". كما تم عرض مسرحية مؤثرة عن عودة دمشق لأهلها الأصليين بعد
رحيل الأغراب عنها من الاحتلالين الروسي والإيراني، وعملائهما.
مشاركة شخصيات مؤثرة في العالم
العربي في ندوات المعرض كانت لافتة، حيث تمكنت إدلب من تسويق مشروعها، فضلا عن كسر
العزلة المفروضة عليها، وهي عزلة يشارك فيها بعض السوريين للأسف، بتهمة أن مشروعها
متشدد، وهو وما تنقضه كل الصور والفيديوهات الصادرة عن إدلب، لكن الزمن فقط الكفيل
بتغيير تلك النظرة، حيث شارك رئيس وزراء المغرب سعد الدين العثماني في ندوة كان
فيها رئيس وزراء حكومة الإنقاذ محمد البشير، وركزت على دور الشباب، إذ كشف البشير
أن أكثر من 75 في المئة من موظفي الحكومة تقل أعمارهم عن الأربعين عاما، وأكثر من
30 في المئة من موظفي الحكومة أعمارهم دون الثلاثين عاما، وهو الأمر الذي يعكس مدى
اهتمام الحكومة بعنصر الشباب.
الرسالة الأهم في المعرض هي تعزيز
ثقة الشارع السوري في الشمال المحرر بكيان إدلب الذي يتقدم على كل الجبهات
العسكرية والشعبية والخدماتية مقارنة بالكيانات الأخرى في نظام الأسد أو قسد أو
غيرهما، بالإضافة إلى الرسالة للخارج السوري الذي سيدفعه إلى أن يعوّل على هذا
الكيان في حماية وتأمين خمسة ملايين سوري قادرين على العيش بكرامة، رغم كل
الصعوبات والعقبات المفروضة بعد تخفيض الدعم الدولي عن المخيمات السورية في
الشمال المحرر.
لقد استطاع الشمال السوري المحرر أن
يعزز ثقته بنفسه، لا سيما بعد إدارته للحراك الذي وجهته بعض الأطراف، ومشاركة
مخلصين صادقين أرادوا الأفضل، ولكن حين تبين لهم محاولة البعض التسلق على هذا
الحراك بدأوا ينفضّون عنه شيئا فشيئا، ونحن نرى انعكاساته اليوم بالتفاف غالبية
الشعب السوري في الشمال المحرر حول مشروعه، لا سيما بعد الاستجابة لمطالب محقة،
ولكن الظروف المادية وحياة الحصار الصعبة المفروضة على المحرر تجعل من الاستجابة
لكل المطالب أمرا صعبا ومتعذرا.
إدلب تتألق، ومن يهاجمها اليوم
وبالأمس وربما بالغد، بحجة القول إن كيانها متشدد، لا يعرفها، ولم يزرها، ولم يلتق
بمن زارها، ولكنه الحسد، وكما قال الأخنس لأبي جهل: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف
الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاثينا على الكتب،
وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه! والله لا
نسمع أبدا.
لا دواء للحاسد إلا بزاول النعمة عن
المحسود، فماذا تفعل إدلب بمن يحسدها، ويرفض أن يتفهم حالتها؟