ليس شرطا رئيسيا أن تحظى صفحاتك على مواقع التواصل الاجتماعي بمتابعة
قياسية وتهتف الجماهير باسمك ليل نهار كي تصبح قصتك جديرة بأن تروى، رغم أن موازين
"الإنسانية الجديدة" اختلت في عصرنا الحالي ولها مواصفات معينة ينبغي
توفرها كي تصنف في خانة من يستحقون "الرثاء" والنبش في دواوين العرب
القديمة عن مصطلحات تفي بالغرض، وبالتالي تحتل "الترند"؛ الهدف الأسمى
للكل وسالب العقول والألباب.
مع الأسف قصتنا هذه لا تنطبق عليها "المواصفات المطلوبة"؛ لكنها
لا بد أن تحكى وتصل لأن هناك أسرة تكابد وتعاني الأمرّين منذ السادس من تموز/ يوليو
الفائت، حين كانت مجموعة من لاعبي فريق اتحاد طنجة
المغربي في رحلة بحرية على متن أحد
القوارب بشاطئ "ريستينكا" بمدينة المضيق، وبفعل شدة التيار والرياح التي
تشتهر بها تلك المنطقة إجمالا تحولت النزهة لمأتم. ورغم نجاح السلطات في إنقاذ اللاعبين
باستثناء حالتين؛ الأولى للاعب الواعد سلمان الحراق الذي ما زال مصيره مجهولا
لحدود اللحظة، والثانية لبطل قصتنا اليوم لم يعثر له على أثر بعد أيام طويلة من
البحث.
الصدمة تكمن في توالي مناشدات الأم المكلومة للسلطات الجزائرية هذه الأيام عبر بعض المنابر الإعلامية من أجل إتمام الإجراءات وإنهاء هذا الكابوس الذي تعيشه الأسرة منذ أكثر من خمسة أشهر
ظل اللاعب "
عبد اللطيف اخريف" مختفيا لأكثر من شهر حتى وصل الخبر
اليقين المأساوي لعائلته من الجارة
الجزائر، حيث عثر بعض المصطافين الجزائريين أثناء
رحلة عبر الدراجات المائية بسواحل "كاب فالكون" في منطقة "عين
التراك" بضواحي مدينة وهران على جثته هناك.
تم تداول الخبر في بداية شهر آب/ أغسطس،
وشخصيا ظننت أن الأمور تمت بسلاسة وبالتالي جرى تسليم جثة الشاب لعائلته كي توارى
الثرى في مسقط رأسه؛ لكن الصدمة تكمن في توالي مناشدات الأم المكلومة للسلطات
الجزائرية هذه الأيام عبر بعض المنابر الإعلامية من أجل إتمام الإجراءات وإنهاء
هذا الكابوس الذي تعيشه الأسرة منذ أكثر من خمسة أشهر.
المثير للحنق هنا هذا الصمت المخزي والتجاهل الكارثي إعلاميا لهذه القضية
وطوال الأشهر الماضية دون الوصول لمخرج ينهي معاناة أسرة هذا اللاعب؛ بعيدا عن
الصراعات السياسية والحسابات الضيقة نحن هنا أمام حالة إنسانية لا ينبغي استغلالها
في إطار آخر؛ ومن هذا المنطلق نتساءل: لماذا تم تغييب هذه القضية؟ ألا تستحق تسلق
"الترند" على سبيل المثال، أم لأنها إنسانية بحتة ولشاب لم يسعفه القدر
في نيل شعبية أكبر ولا ينتمي لبعض النوادي ذات الثقل على مواقع التواصل الاجتماعي
والتي تنتفض لمجرد غياب اسم لاعبها المفضل مثلا على لائحة المنتخب الوطني؟
في نفس السياق كنا نتمنى لو تبنت روابط الجماهير قضية "عبد اللطيف
اخريف" كما تفعل مع آخرين، من أجل دموع الأم المكلومة التي فقدت فلذة كبدها
ورغبتها الوحيدة في إكرام ابنها بالدفن في حضن وطنه ووسط أهله؛ فلماذا هذا التقاعس
المشين أمام هذه الحالة الإنسانية؟
والمسؤولية ملقاة أيضا على عاتق العقلاء في الإعلام الجزائري المطالبين
بتسليط الضوء على هذا الملف كي يطوى في أسرع الآجال؛ لأنه عار على جبين الأخوة والإنسانية
التدحرج نحو القاع بهذا الشكل المهين، مع العلم أن هناك العديد من الأسئلة
المطروحة والتي لا بد من الرد عليها درءا لأي تأويلات؛ أولها: لماذا لا نرى بيانات
توضيحية حول القضية وما سبب كل هذا التأثير؟ وما نوعية الإجراءات المفترض أنها من
الممكن أن تؤخر تحرك الجثمان كل هذه الأشهر؟ وما هي المساطير المتبعة؟ ولماذا
يلتزم الطرف الجزائري الصمت طوال هذه الفترة على الأقل من باب تفادي الشبهات
المخجلة ضده؟
عموما نتمنى صادقين أن تلقى مناشدات والدي "عبد اللطيف اخريف" آذانا
صاغية ويسدل الستار على هذا الملف الإنساني للاعب غادرنا في ريعان شبابه دون أن
يتمكن من تحقيق أحلامه في عالم الساحرة المستديرة؛ فرجاء ارحموا دموع الأهل
المكلومين..
ختاما، لطالما استوقفتني جملة وردت على لسان شخصية "الحارث بن عباد
" في مسلسل "الزير سالم" صاغها الكاتب المبدع الراحل ممدوح عدوان،
حين قال على لسانه: "إنك لن تجدع بحرب بني قومك إلا أنفك، ولن تقطع إلا كفك".
واللبيب من الإشارة يفهم..